في ذكرى رحيله.. راجح السلفيتي واكب بصوته مراحل النضال الوطنية منذ الثلاثينات، فغنى للمقاومة وللمرأة وللعامل

29.05.2018 09:26 PM

رام الله- وطن- مي زيادة: لم يعد للزجل الشعبي، اليوم متسع في دعوات افراحنا ومنصات مهرجاناتنا، فأصبح ملاذك الوحيد لتشبع اذنك التي تشتاق للزجل الشعبي القديم هو منصة "اليوتيوب"، ولكن رغم ذلك لم تفلح عائلة الزجال الشعبي الراحل راجح السلفيتي وعلى مدار عشرين عاما في توثيق اعماله التي ابدعها خلال حياته التي انتهت في  27 أيار 1990.

هذا الفلاح واسع الثقافة وعميق الانتماء، منحه الرئيس الراحل الشهيد ياسرعرفات لقب "صوت الانتفاضة" فكان زجال فلسطين الاول، و أحد اعمدة الاغنية الوطنية كما وصفه المهندس والمغني الشعبي ثائر البرغوثي من قرية كوبر قضاء رام الله، والذي كان له الشرف بلقائه والغناء معه قبل وفاته.

"عاصرته في اول شبابي غنيت معه فترة، ووقفت الى جانبه في بعض الحفلات وليست كلها لانه كان يعتمد على الزجل والارتجال وانا اتجهت للحداثة والاغاني الوطنية والشعبية الملحنة".

ويتابع البرغوثي: " في بداياتي في اواخر السبعينيات وبداية الثمانينات كنت مازلت طالبا وهو زجال معروف على مستوى فلسطين، فأتيحت لي الفرصة بأن اغني معه في نقابة العمال برام الله، وكانت المرة الاولى، وكان يومها مناسبة يوم المرأة العالمي، وكانت له اغنية مشهورة مطلعها يقول:

"اتعلمي سر النضال اتعلمي    واصبري على المر لاتتألمي"

ولاحقا في الانتفاضة الاولى حدّثنا في الاغنية بنفس اللحن ولكن بكلمات جديدة حسب يوميات الانتفاضة، وبقيت تعرف بأنها لراجح السلفيتي، تقول: " يابنت فلسطين خلقتي للنضال خواتك لينا ومنتهى ودلال يلا صغار كبار ضد الاحتلال وللمستعمرين مابنستسلم".

ويتابع حديثه، "والدي راغب البرغوثي كان ايضا في الحزب الشيوعي وكان هو وراجح من الرفاق وعلاقتهم قوية جدا، وفي الحزب الشيوعي الذي تحول لاحقا الى حزب الشعب، فكان اول لقاء لي معه في احتفال يوم المرأة في نقابة عمال البناء والمؤسسات العامة، في الثامن من اذار،  وكانو أصحاب توجهات نضالية تقدمية مع المراة وحقوق العمال وكانت الاغاني التي يغنيها الراجح تنسجم والاغاني التي كتبتها ووالدي لاحقا ، فكتبلي والدي اغنية ليوم المراة قدمتها في الاحتفال تقول:

"ياخي عيد المرأة عيد اختي وعيد امي     انا واياها بجرأة نطلع على القمة
سوا بنتعب وبنشقى                              تنحصل اللقمة لكن مطلبنا هو نيل الحرية"

وكان راجح السلفيتي موجود حينها، فكانت صدفة جميلة ووقفة شرف ان اكون الى جانبه، واذكر يومها انه قال كلمة بعد نهاية الاحتفال، وابدى اعجابه بالاغنية التي قدمتها وقال ان هذا الشاب(يقصدني انا) رح يحمل الراية بعدي".

ويقول البرغوثي، "ربما اخذت منحنى ولونًا اخر في الغناء لان لكل فترة ظروفها، لكني اذكر هذه الكلمة، لانه شعر ان هذا امتداد للاغاني الوطنية الكفاحية التي عمد على القائها وتقديمها، نحن عندما سمعناها تشربناها وكبرنا عليها".

كان للسلفيتي اغانٍ معروفة ونرددها وهي من تراثه، كـ"انا بحكي باسم الجميع كلمة وعلساني قولوها اراضينا مش للبيع لو في الذهب فرشوها"، من الامور التي اذكرها بشكل جيد انه كان شخصا بسيطًا ويعتمد عل التأليف والارتجال في مشاركاتها التي لاتعد ولاتحصى في مهرجانات، كان زجله يُسمع في الاعراس الفلسطينية اما بمفرده او في حوار زجلي مع زجالين اخرين اشهرهم حمودة الفرخاوي من قرية فرخة في القضاء، والذي كان زميله ورفيقه فكانو يلتقون كثيرة في الاعراس.

يتحدث البرغوثي، والذي يبلغ من العمر( 49 عاما)،:" في مرة زراني باحثين سويديين، كانو يعدون رسالة دكتوراة عن اللغة العربية والتراث الفلسطيني و الزجل بشكل خاص، التقيت بهم فقامو بتسجيل تراث راجح السفليتي على عدد كبير من الاشرطة (الكاسيت) حينها واحتفظر بنسخة لديهم واخرى اودعوها لعائلته.

ويشير البرغوثي أن الاغنية الوطنية في فترة ماقبل الانتفاضة الاولى كانت جزءًا اساسيًا من اغاني الاعراس، كان هناك انسجام مع الجو العام فالغناء كان للارض والشهداء والثورة والحركات الوطنية والمرأة والعمال، وكان هناك منابر ومهرجانت حافلة لهذا المضمون الوطني والشعبي السياسي.

سأغني لك اغنية مازلنا نغنيها الى الان، وقدمناها قبل عدة اعوام في ذكرى رحيل راجح السلفيتي، وكان مطلعها: "طرد وطخ وهدم بيوت مابيضعف عزيمتنا يا مرحبابك ياموت تنوخد حريتنا.. هالصبي لامو قال هاتيلي حطة وشوال سد حجار ونار عجال عبوابة حارتنا احنا مش ارهابيين الارهابي هو رابين وغصب عن الصهايين بنا نعلي رايتنا".

عندما توفى راجح السفليتي في 1990، كنت في الاسر، فجاءني الخبر ومن معي من رفاقي بشكل صادم ومحزن لأننا لن نستطع ان نحضر هذا الحدث، او أن نودعه.

"راجح السفليتي معين لاينضب من الزجل الفسلطيني، و كان من اعمدة الاغنية الوطنية، رحيله كان خسارة" وفق البرغوثي.

ذاق اليُتم مبكرا

ولد راجح السفيتي في مدينة سلفيت عام 1921، لأسرة  بسيطة من الزوجة الثالثة لابيه احمد ابو غنيم، ويلقب بالحجاوي.
لم ينعم راجح بطفولته فذاق اليتم مبكرا بوفاة والده، وهو ابن الثانية عشرة، مما اضطره لترك مدرسته ، ليصبح رب اسرة مكونة من ستة افراد، ولم تعش امه اكثر من عام بعد زوجها حتى وافتها المنية، ليذوق راجح اليتم مرة اخرى ويصبح متكفلا بأسرة لايستطيع تأمين حاجياتها، مما دفعه لبيع بعض ممتلكاته ليوفر لهم سبل العيش البسيط.

ابنه الوحيد احمد يروي لنا تفاصيل عن حياة والده، فيقول: التحق بثورة 1936 واستمر حتى نهايتها عام  1939.

يتميز والدي بشخصيته الجذابة وابتسامته العريضة الدائمة وبروح النكتة، كان متوسط القامة رقيق الجسم وناعم البنية، رغم انه لم يتجاوز الثالث الابتدائي الا انه تميز بفطرته اللغوية وطلاقة لسانه وحسن خطه وقوة انشائيته.

في بداية الاربعينيات بدأت تتفتح مواهبه وتظهر ميوله نحو الزجل، فأصبح هو وعدد من جيله باحياء الاعراس بأنواع من الاهازيج المختلفة والدبكات الشعبية

وفي عام 1940كانت له اول طلعة زجلية، فقد صادف ان قام احد جيرانه بقتل ارنب له كان يعتدي على ارض الجيران فتألم على الارنب وكتب قصيدة مطلعها:

ياخسارة وياخسارتنا      مصيبة كبيرة مصيبتنا
ترملت ارنبتنا          وانحرمنا الشيخ ارنب
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ارتحل الى قرية سلمة قرب يافا طلبا للرزق وهناك بدأ يشارك بالحفلات والمهرجانات، واصبح" بلبل الساحل الصداح".

 

 

في عام1948 (النكبة الفسلطينية) التحق بصفوف المقاومة مع المناضلين، فأصيب بجراح بليغة ونجا من الموت لكن الرصاصة استقرت قرب رئته لتصيبها بالتلف، وتصيب جسده بأمراض عدة، أبرزها الربو وبقيت معه طوال حياته.

كان ابو احمد (راجح السفليتي) ممن حملوا راية الاشتراكية، حيث انضم للحزب الشيوعي في بداية الخمسينيات .
وكانت باكورة اعماله السياسية ماقاله في حفلة عرس سنة 1949، يصف خيانة الجيوش العربية:
"دخلت جيوش العرب واتباشرنا فيها    لبستنا ثوب العار ريت الله يخزيها"

في عام 1968 تزوج وانجب ، عندليب وضحى واحمد، بالاضافة الى الابنة الكبرى يسرى من الزوجة الاولى.
عاود نشاطه بعد استقرار الاوضاع فأخذ يحيي الاعراس والمهرجانات الوطنية واحتفالات الجامعات حتى صارت فقرة راجح السفليتي الصفة المميزة لكل احتفال ولكل مهرجان.

في عام 1974 اعتقل ابو احمد خلال حملة اعتقالات شنتها قوات الاحتلال لاعضاء الجبهة الوطنية( التي كانت تضم كل الفصائل في الأراضي المحتلة ) فمكث في الاسر 22 شهرا، وافرج عنه في عام 1976.

وتعتبر فترة السبعينيات وماتبعها هي فترة النضج السياسي في شعره، فلم تخل حفلة عرس او مهرجان من التغني بالمواضيع الوطنية من اهمها كان المحافظة على الارض ومقاومة السماسرة، فقال في يوم الارض:
مثل السنة ومثل الفرض       واجبنا نقدس تربتنا
حب الارض وصون العرض     هاي مبدأنا وعقيدنا
حيو الثالوث الحصين    الدير وعرابة وسخنين

وكان أبو احمد يواكب الحدث النضالي في فلسطين، فعندما اغلق الاحتلال جامعة بير زيت عام 1975، وتطوع الطلبة لتنظيف شوارع رام الله، قام جنود الاحتلال بملاحقتهم ومنعهم من التطوع فارتجل السلفيتي يقول
بتكنس بهالشوارع                    والهية ما انك زبال
هذي مكانس مش مدافع               ليشخ ايف يا احتلال

 

تصميم وتطوير