رمضانيات 14: اللهم إني صائم.. ظاهرة التنمير والتشبيح الى أين

31.05.2018 02:16 PM

كتبت: نادية حرحش

لن أمر اليوم على غزة بهذه الجولة، فغزة لا تحتاج حتى الى اهتمامنا. ولأننا في شهر فضيل، فلا أشك أن الله بلا شك مع هؤلاء من أبطال، صامدين، من أجل الحرية مستمرين.

ولن يغير الكثير للمتفرجين منا ، خبر شهيد آخر، أو قصف جديد ، او اصابات تتهاوي بالعشرات. ولن يزيد أو ينقص ايقاف قارب او قصفه او حجز طاقمه. فنحن في شهر فضيل يحكمنا الصيام ، ومع شدة الحر وانتصاف الشهر، بدأت الشياطين تفلت من أقفاصها وتتغلغل في أجساد غير المؤمنين من الصائمين.

دقائق قبل الإفطار ، كان أحد الصائمين يهرول للوصول إلى بيته في بيت حنينا (القدس) ولم يجد مصف سيارته على الشارع متاحا. كان جاره قد سبقه وأخذ المصف لركن سيارته ليهرول هو الآخر للافطار. صائمنا غضب، لم يستطع التحمل، أخرج مسدسا من مكان ما (لا اعرف ان ذهب الى البيت في خضم هيجانه واخذ مسدسه من الجارور السري بغرفته) أو اخذه من جيب السيارة التي لم يجد لها مصف. بكل الأحوال جميع السيناريوهات لهذا المشهد السابق لما سيحدث بعد دقائق متاح من أي مسلسل رمضاني، ربما كان سهولة حصول غادة عبد الرازق بضد مجهول على مسدس وذهابها لأخذ حق ابنتها بيدها ممن تشك انها القاتلة، سهل عملية الانتقام لدى صائمنا. وربما كان الصائم من متابعي الهيبة، فتجلى له تيم حسن في اللحظة التالية، عندما اقتحم منزل جاره الذي أخذ مصف سيارته، وهو يتحضر للأفطار مع عائلته المجتمعة على طاولة الطعام وأطلق النار عليه.

بنهاية المشهد ، لم يفطر هو ولا عائلته ولا جاره ولا عائلاتهم. لم يفطر كذلك الجيران الذين هبوا على صوت اطلاق الرصاص. فلم تظهر نتائج التوجيهي بعد، ليطلق الرصاص في الهواء ولا يمكن ان تكون الفرقعات النارية دقائق قبيل مدفع الاذان بالإفطار.

هرب صاحب السيارة من المشهد بسرعة، لا أعرف ان أفطر أم لا ، وتحول الشارع الى ثكنة عسكرية، إطلاق نار من قبل فلسطيني ببيت حنينا على اخر فلسطيني أمر محمود، لكن أن يصل بالفلسطيني استخدام الرصاص هكذا وعلنا لا يمكن قبول هذا الامر. فمن السابق لأوانه أن تتحول القدس لمرمى رصاصات الخلافات القبلية والعشائرية كما في المدن العربية التابعة لأسرائيل الاخرى. تفشي الأسلحة في مجتمع القدس قد يؤدي الى نتائج وخيمة اذا ما وقع مع شخص قد يكون الاحتلال علته.

عبثية المشهد ام مأساويته لا يهم.

استمر المفطرون بامسياتهم في محل الحلويات المقابل. مشهد الشرطة في ساحة الجريمة استمر لساعات الليل الاخيرة، وكان المشهد مباشرا من محل الحلويات المكتظ.

في ساعات الصباح ، مدرسة في القدس للأولاد يخرج الأطفال منها ، يبدو  ان هناك امتحانات، فينطلق الصغار باكرا من المدرسة. استوقفني شجار بين شلة من الأطفال الذين لا يتجاوزون الثامنة ربما، ووجدت نفسي أنزل من السيارة مغلقة للطريق لأفض الشجار. أحدهم كان يصرخ مستغيثا: يريد ضربي. هربوا جميعهم بسرعة ولحقت بهم.

أظن انني متأثرة بمغامرات غادة عبد الرازق في مسلسلها. حاولت النزول مرة أخرى من السيارة ولكن كان الوضع صعبا، فناديت أحد المارة. نظر الي وكأنني مجنونة عندما قلت له أن يوقف الشجار. رد ببرود : "هؤلاء يتشاجرون هكذا كل يوم".

فكرت للحظة ، هل يراهم كل يوم وبهذه الساعة مثلا؟ وعليه يجب الا يبالي؟

فكرت بذاك الطفل الذي يتم تنميره في شارع عام وعلى مرأى المارة ولا يفكر أحد ان يوقف الاعتداء.

مشيت الى هدفي في شارع الزهراء، وكان الأطفال من نفس المدرسة يتجولون ويترامون بحواف الشوارع، وكأن القتال والشجار هو الطبيعي، لم أعد أميز ان كان ما يجري مزاحا او جديا . ولكن في احدى التجمعات كان اولاد اكبر ، ممكن ان يكون عمرهم اكثر من عشر سنوات بقليل، يحاولون ضرب أحد الاولاد معهم. هنا كنت في موقف اقوى، فأنا امامهم مباشرة وعلى قدمي. صرخت في وجه الاولاد المتنمرين وطلبت منهم ان يتركوا الولد. وقال لي احدهم بوقاحة بعد ما سألت ما الذي تفعلونه :"أنا اعتدى عليه." كلمة تعدي كانت تخرج منه بلا شك بلا إدراك لمعنى اكبر للكلمة، ولكنه كان متفاخرا باستخدام الكلمة وبآدائه وتوصيفه لنفسه على انه يعتدي عليه.

لم أستطع الا ان افكر في المستقبل. كيف سيكون المستقبل مع جيل يكبر على الاعتداء والتنمر. كيف يذهب هؤلاء الاطفال الى بيوتهم بين ضارب ومضروب. ماذا يخبروا اهلهم؟ هل تصفق الام للضارب وتنهر المضروب؟ "كن دائما ضاربا غير مضروب" هو شعار الامهات دائما. 

عندما رجعت ابنتي بالامس بعدما تعرضت لشجار بالشارع مع أصدقائها بسبب ولد ، ربما كان متنمرا ان وصل الى مدرسة في حياته، أخبرتني برهبة عما جرى لأحد الاصدقاء ، عندما حاول التصدي لذاك المعتدي الذي يصغرهم سنا وطولا (ابن ثلاثة عشر ربما) واذ به يخرج مفكا ويشق فيه رقبة الصديق. بلطف من الله كان الجرح خفيفا وتطلب بعض القطب، ولكن بلحظة كانت ستنتهي حياة انسان. او ربما مجموعة من الناس، المعتدي والمعتدى عليه واولئك الذين كانوا في الشجار يشهدون لحظة مصيرية مأساوية بحياتهم.

كان تقريبا، امر مفروغ منه الذهاب الى الشرطة ، ولكن والد الصديق كان بقدر من الوعي الذي جعله يتصرف بمسؤولية، وإبلاغه للشرطة بكل الاحوال، لأن الولد المعتدي من عائلة تتغنى بالاعتداءات. عندما حاول الولد الاعتذار قال: انا اسف ما كان قصدي اضربك ، بس أنا صايم ومش شايف قدامي ، انا كنت بدي اقتل صاحبك "اللي هرب"، تخيلوا ، يريد ان يقتل الاخر!

الى اين نذهب من هنا ؟

رمضان كريم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير