رمضانيات 15: كيم نصيرة المرأة وهيفاء المرأة الرمز.. والتوجيهي هو الإنجاز

01.06.2018 11:16 AM

كتبت: نادية حرحش

قرأت مقالا يشيد بأداء هيفاء وهبي وعبير عيسى الرائع بلعنة كارما. أظن أن كاتب المقال زج بعبير عيسى ليبدو منصفا في تقييمه للفن.

لا أعرف من أي منظار رأى أداء عبير عيسى باللهجة المصرية بدور امرأة لا أعرف ما هي مشكلتها مع الطموح الأعمى، ولكن مهما حاولت عبير عيسى، فإن ارتداءها لهذا الدور لا يمكن أن يجعلها حتى في منافسة مع شيرين رضا بمسلسل لدينا أقوال اخرى مع يسرا في دور المرأة الشريرة بجدارة (سيدة أعمال وصاحبة قنوات تلفزيونية)، فكيف تقف أمام صرعات هيفاء في مشهد واحد؟

أما هيفاء وهبي، فلا أعرف كيف يمكن تقييم تمثيلها، بينما تتسلط عيونها وشفاهها ومن ثم صدرها ومؤخرتها كل مشاهدها. لا يمر مشهد مع هيفاء وهبي الا والمسكينة تضطر للمشي كعارضات الازياء وبكعب عالي، وعلينا ان نشاهدها ونقضي معها دقائق بينما تمشي وتجلس ونتأمل بعيونها الزجاجية اللون.

طبعا، هيفاء بالإضافة الى دورها الأساسي وهو نصابة عالمية ترأس عصابة نصب، تقوم بدور المستشارة الاجتماعية لأهل الكومباوند الذي تعيش فيه عبير عيسى التي يريدون لنا ان نراها وكأنها مارغريت تاتشر. وهيفاء محطمة القلوب وشافية الجروح، تحوم حول الرجال مرهقة في محاولة مساعدتهم من مشاكلهم الاجتماعية بسبب الغنى وحب هيفاء من طرف واحد. وهيفاء طبعا تحب الرجل الذي نصبت عليه ببداية المسلسل، وهو يتستر عليها وهي مسكت عليه ممسك ولكن الحب الجارف بين عيونهما يغلب.

ما علينا ... هيفاء تحدد طموحها ، وكعادتها تعرف دورها بالعالم العربي القادم. فهي تستورد لنا كل الشخصيات العالمية بمحاولات تستطيع التأثير فيها على المشاهد العربي الذي يكتفي بالفن والتألق والإبداع بطلاء وجه وشفاه منتفخة وجسم مشدود ومشفوط ومنفوخ على حسب الطلب.

بعد جينيفر لوبيز وغيرها استقرت هيفاء على كيم كاردشيان، ولقد أصابت هذه المرة، وخرجت كيم من برنامج حياتها التافه هي وعائلتها( والذي يتابعه الملايين) لتصبح ناشطة في حقوق المرأة وشدت الرحال الي رئيسها ترامب لتدافع عن سجينة وتطلب لها العفو.

السجينة كانت رئيسة عصابة لتهريب وترويج المخدرات وكأنها تربت بالسجن بعد كل هذه الاعوام، وينتظرها اولادها واحفادها وبيتها وعملها كما تدافع كيم.

بينما يستمع ترامب الرئيس وتتكلم كيم النجمة التي اخترعت لنا السلفي، وابتكرت بمسابقات نفخ الشفاه والصدور وغزت مؤخرتها الانترنت محطمة لأرقام المشاهدة، تخيلت المشهد السابق، كيم تجلس مع أخواتها وزوجها وامها وزوج امها وتقرر انه حان وقت الزيارة للتجوال في البيت الابيض، وعندما قررت ان تكون انسانية اخبروها ان السجن اصلاح وتهذيب وان تاجرة المخدرات سوداء اللون هي قضية دفاع مهمة عن المرأة السوداء. كان ترامب يفكر بينما ينظر الى كيم وهي واقفة الى جانبه بينما يجلس على مكتبه البيضاوي : "عملتها يا ترامب".

في فضاء اخر ، كتب الصديق ناجح شاهين عن التعليم والشهادات في بلادنا، وكما يحدث بأغلب مقالاته، لا يسعني عادة الا المشاركة المباشرة، توقفت هذه المرة، لأن الجرح في التعليم نازف. بين مسلسلات وعالم ترويجي استهلاكي كامل ينشر الأخلاقيات من خلال هيفاء وهبي وغادة عبد الرازق وباسل خياط وتيم حسن، أدوار تختلط فيها الأشكال لتمحو ما يظهر من حقيقة العمل، فالغنى والمظاهر والألقاب والحقائب والكعوب والأزياء الرجالية وصرعات الشعر والحواجب والذقون تغطي على حقيقة ادوار تمرر للمجتمع ان المخدرات والتهريب والاسلحة والكذب والخداع والبلطجة والانحراف يمكن التغاضي عنها، مقابل مظهر يجذب المستهلكين.

فما كتبه ناجح هذه المرة اثار حملة الشهادات في بلادنا، الذين يندمجون بسهولة امام مسلسل يحتاج البطل لاضافة رونق لدوره بوضع نظارة مثقف ولقب "د" قبل اسمه.

بينما كنت أقرأ التعليقات الممتعضة من مقال ناجح شاهين، مر امامي شريط كامل من انهيار التعليم في فلسطين. التوجيهي الذي تحول الى انجاز بالاسم، فهرول الطلاب للانجاز ووقعوا بالتوجيه الموصد من خلال كل حرف يعلم لهم. فنحن نريد ابداعا وانجازا ولكننا في ارقى طموحنا نبدع في مسابقات صبري وتكنلجة المناهج التي لا يد لنا في انتاجها.

وما يحدث في الجامعات، فمكاتب الخدمات التي تقدم الابحاث والرسائل والواجبات باتت جزءا طبيعيا من حياة الطالب. مصنع يساهم الجميع في خراب هذا المجتمع. يتم وضع فيه ما هب ودب، ويخرج بنهاية المطاف بورقة كرتونية تمنح لقبا يتسابق افراد المجتمع بالحصول عليه.

فليس غريبا ، ان من يقومون على التعليم في بلادنا لا يستثمرون بأبنائهم بمدارس وزاراتهم ولا جامعات بلادهم.
ولا أجد ختاما لهذا افضل من منشور ناجح شاهين ،في تساؤله وطرحه:
"كيف نحكم على سلعتي الصحة والتعليم؟
أثار منشوري عن الشهادات في فلسطين اعتراضات من بعض الاصدقاء من خريجي الجامعات المحلية الذين يظنون انهم تلقوا تعليما جيدا. ولكن المشكلة هي ان التلميذالخريج ليس في وضع معرفي يسمح له بأن يحكم على مقدار جودة السلعة التي قام بابتياعها لانه لم يكن يعرف في تخصصه عندما التحق بالتعليم. كذلك للأسف فإن ما اكتسبه من معرفة او مهارات من جامعته هو تقريبا كل ما يعرف عن العلم.

ما ادراه ان ما تدرب عليه شبيه بما يتدرب عليه الطلبة في جامعات اخرى أكثر امتيازا في التعمق في التخصص او التدريب على المهارات البحثية او مهارات التفكير...الخ.

للأسف يبدو أن أضعف أنواع المستهلكين هم الطلبة والمرضى. كلاهما يشتري سلعة لا يعرف عنها شيئا ولا يعرف ان كانت ستذهب به الى الصحة والازدهار او الجهل والهلاك.

المريض والتلميذ في وضع ضعيف ولا يستطيعان فيه الحكم على السلعة التي يشتريانها. بإمكان اي طبيب متوسط ان يوهمني انه نطاسي عظيم ويمكن لاستاذ ضعيف ان يتظاهر امام التلاميذ بأنه خير العلماء، لا أحد ينتج المعرفة في بلادنا أبدا: اننا نقوم بإلقاء دروس حفظناها على مسامع الطلبة بينما يقوم  الطلبة بإعادتها حرفيا في الامتحان. وهذه هي الممارسة الوحيدة التي اعرفها في الجامعات المحلية كلها.

وهنا اختم بتساؤل: أين يعلم الوزراء واصحاب السلطة ابناءهم؟ اين يرسل هؤلاء ومدراء ورؤساء الجامعات ابناءهم ؟
نحن في عالم تتربع فيه كيم وهيفاء على طموح الاجيال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير