كلنا مثنى وثلاث ورباع وملايين من المسحوقين

03.06.2018 10:20 AM

كتبت نادية حرحش: مسلسل عوالم خفية لعادل إمام هو الأفضل حتى الآن . المسلسل الوحيد الذي أتابعه بعشرين دقيقة لا خمسة، وبالرغم من بساطته الا انه يعطيني بعض الأمل . فعادل إمام (هلال) يقوم بدور الصحفي الحر، يعمل في صحيفة معارضة تبين فيما بعد انها مملوكة لجهات مشبوهة بالخارج تروج لأفكار غير سليمة (المثلية)، ثم تقوم الحكومة بالاستيلاء على هذه الصحيفة .

هناك سم بالعسل طبعا ، تحديد المثلية كآفة إجتماعية مستوردة ، واستيلاء الامن الوطني على الصحيفة يظهر وكأنه انقاذ وتخليص، ومع هذا يقوم هلال بكتابة كلمته الحرة.

الحقيقة ان هناك ما يجعلني أتابع ببعض الامل ، بأن الكلمة الحرة تنتصر بالنهاية ، وتصبح مدرسة بحد ذاتها، وفي هذه الحالة تسقط التفاصيل ، فلا يهم ان كان الممول معارضة او حكومة ، لطالما انك تكتب بحرية وما تريد.

هل هذا صحيح ؟

كلنا نقنع أنفسنا بهذا حتى نقع في تضارب المصالح. ولكل حقيقة وجهان ، وكل يري وجه حقيقته هو الحقيقي والصواب.

في فلسطين، حرية الكلمة مقموعة وأسيرة وفي كثير من الاحيان مرتبطة بلقمة العيش للمساكين وبالمصالح للهاوين المحترفين. ولا يمكن بطبيعة الحال تسمية الاعلام في فلسطين اعلاما، ولا الصحافة صحافة. فالمتغيرات في عالم الصحافة والاعلام كبيرة ولا نزال هنا نراوح في مفاهيم الصحافة كما يعكسها لنا مسلسل عادل امام .

في بلاد لا يوجد فيها حرية للحركة وقمع الحريات وارتباط لقمة العيش بالممولين والبنوك ، لا يمكن الا التغني بشعارات ، كما حالنا العام ، خطابية ومدوية، كقرع الطبول .

قبل أشهر كانت الحملات لحرية التعبير والنداءات لرفض الفصل التعسفي للصحافيين إثر قضية صحافيي تلفزيون النجاح، تبدو وكأنها مهمة . ولكنها انتهت ولا نعرف ما الذي حل بالاعلاميين المفصولين ، تغريدة ،فهاشتاغ ،فحملة، فمؤتمر صحفي ،فارتدادات ، فسكوت محكم.

ونحن الجمهور نصفق او نلطم...المهم اننا نستخدم كفينا للتعبير عن مصابنا او انتصارنا .

في المقابل ، مسلسل يسرا "لدينا أقوال أخرى" وهناك نموذجا مرعبا للحقيقة، وهو يد شيرين رضا التي تقوم بدو اعلامية شهيرة وصاحبة نفوذ كبير ، بالظاهر تقوم باعمال انسانية ببرامجها الشهير ومحطتها التلفزيونية ، والداخل تقوم بأعمال اجرامية تفوق الجريمة المنظمة ، وكأنها شبكة اجرام منظم متعدد بحد ذاتها .

خفايا حياتنا وما يظهر منها ، تجعلنا نعيش هذه الحالة من الرياء والغش والاستبداد .

موضوع الصحفي مثنى النجار الذي تمت اقالته تعسفيا، وسحب الاقالة يؤكد ان اهم ما يحصل في قضايانا ينتهي بمصلحة ذاتية.

استوقفني منشور لصحفي بغزة ، عامر بعلوشة يقول فيه : " عدنا كما كنا قبل انطلاق الثورة الفلسطينية ،طوابير من المتسولين." وقد تكون الثورة في وعي هذا الشاب لا تتعدى ما عاشه من عمره اليافع ، لأن ثوراتنا كثيرة كمصائبنا الأكثر.

كيف تحولت شهادة رزان النجار الى مادة استهلاكية من كل الاتجاهات ، لا تقتصر المأساة على الفصائل ، ولكن كل من يتعلق على حبل يصبو فيه شهرة ، تحولت الشهيدة الى مادة استهلاكية من قبل كل من يمكن ان يقرن اسمه بها.

بين مسعفة أخرى تريد كعك القدس كأمنية حياة ، وبين صحفي قريب للشهيدة نقل الجنازة مباشرة على صفحته وليس على صفحة الجريدة التي يعمل بها، فكلفه هذا وظيفته، ورجوعه للوظيفة. تبقى الحقيقة مائعة ،وتضيع فيها قضايانا المحقة والمستحقة.
تبقى الحقيقة حقيقتين في واقع أغلى ما فيه لقمة العيش ومصلحة لا تتعدى الفرد تكون هو الوطن.

ولا يمكن لوم أحد هنا... فعندما يصبح العيش مقرونا باللقمة ،تسقط كل الحجج، وتذوب المبادىء. ويبقى وجودنا بين مصفق ولاطم هو فصل المقال لأصحاب المقامات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير