غيتو الفلسطينيين في قطاع غزة

07.06.2018 10:42 AM

كتب: ثريا عاصي


لا يجرؤ  المرء على تناول موضوع قطاع غزة بمنطق وتجرد . لقد خضّبت دماء الشهداء ترابه نتيجة تعرض أهله بين الفينة والفينة لحملات عسكرية إسرائيلية الغاية منها إفهامهم أنهم أمام خيارين، إما الرحيل وإما الأبادة . هذه قاعدة إستعمارية معروفة طبقها المستعمرون البريطانيون والفرنسيون والألمان منذ القرن التاسع عشر في أفريقيا وفي الهند والهند الصينية  وفي الصين أيضاً، سواء كان المستعمرون تحت  قيادة حكومات ديمقراطية أو لا ديمقراطيّة، بل يمكننا القول أن الديمقراطية في الدول الغربية إقترنت مع مجازر عنصرية إرتكبتها هذه الدول في مستعمراتها وربما جاز القول أن الديمقراطية الغربية إرتوت بدماء الناس المستعمرين، مثلما ترتوي نظيرتها الإسرائيلية بدماء الفلسطينيّين .

هذا بإيجاز  التاريخ الغربي الإستعماري العنصري منذ أن وطأ الأوروبي المستعمر القارة الأميركية . عبودية ووإبادة . من المعلوم في هذا السياق أن الخلاف الذي وقع بين "الحلفاء" من جهة وبين  ألمانيا من جهة ثانية والذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية لم يكن بالقطع خلافاً أخلاقياً حول "المبادئ" الإنسانية، فما جرى هو صراع على المصالح . مجمل القول أن ما تعرض له اليهود الأوروبيين والغجر والمعاقين جسدياً وعقلياً على يد القوات الألمانية، كان نموذجاً ومحاكاة لما قامت به القوى الإستعمارية الأوروبية دون استثناء  في المستعمرات.

وبالعودة إلى الهجمات التي تقوم بها قوات الإستعمار الإسرائيلي ضد الناس في قطاع غزة  بقصد إبادتهم أو ترحيلهم، تجدر الملاحظة إلى أن سيناريو هذه الفاجعة التي تتوالى فصولها منذ سنوات 1970 مشابه جداً لما جرى أثناء الحرب العالمية الثانية في غيتو فرصوفيا الذي كان يعيش فيه 500000 من اليهود الأوروبيين حيث لم ينج  منهم إلا القليلون، دون أن يكترث "الحلفاء" إلى مصير هذه الكائنات الإنسانية، علماً أن البريطانيين كانوا قد قطعوا في سنة 1917 للمنظمة الصهيونية وعداً بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين (وعد بلفور ) ! لماذا لم يبادر الحلفاء إلى عمل عسكري ما من أجل إنقاذ اليهود الأوروبيين ؟ لماذا أقفلوا حدود بلادهم أمام هجرة اليهود الأوروبيين إليها ؟لماذا لم يتركوا أمام اليهود الأوروبيين منفذاً للخروج من الجحيم إلا فلسطين ؟ لماذا قاتل البريطانيون دفاعاً عن المستوطنين اليهود في فلسطين ولم يحركوا ساكناً من أجل إخراج اليهود الأوروبيين من المصيدة النازية ؟ يحسن التذكير أن الحركة الصهيونية جندت الكثيرين من أنصارها في فيالق كانت تقاتل أثناء الحرب إلى جانب الجيش البريطاني .

أكتفي بهذا الإستطراد لأقول أن ما يجري في قطاع غزة هو سيرورة الغاية منها إبادة أهل قطاع غزة أو ترحيلهم، طبعاً بأساليب ووسائل تختلف عن  مثيلاتها التي استخدمتها السلطات الألمانية في سنوات 1940 .
لا جدال في أن الدولة الإستعمارية الإسرائيلية هي التي تؤدي الدور الرئيسي في هذه العملية الإجرامية : الإبادة أو الترحيل . ولا حرج في القول أن الدول العربية عاجزة ترتعد خوفاً، حالها كحال الناس الذين كانوا يجبرون في المدن التي وقعت  تحت سيطرة داعش على مشاهدة طقوس معاقبة  "المرتدين والمشرِكين" بضرب أعناقهم!

الرأي عندي أن الإسرائيليين ماضون في خطة الإبادة أو الترحيل، حتى نهايتها . ولكن هناك إشكاليتان رئيسيتان تمنعان الرؤية بوضوح:

الإشكالية الأولى هي في التوافق على مكان  "الوطن القومي الفلسطيني"، هل تتمخض الحروب الأميركية على سورية ولبنان والعراق عن "وطن قومي للفلسطينيين" مثلما تمخضت عن وطن قومي للأكراد ؟ لقد كان مطروحاً في وقت من الأوقات تعديل جغرافية الأردن بحيث تشمل  جنوب سورية لتكون دمشق عاصمة المملكة.

ـ أما الأشكالية الثانية وهي من وجهة نظري التي تستعصي أكثر على الفَهْم، تتمثل في الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة بعد اسابيع قليلة على وقوع المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون على حدود الغيتو ضد متظاهرين عزل . هل جاءت هذه  الغارات رداً على مبادرة الجانب الفلسطيني إلى إطلاق النار أم أن الإسرائيليين هم الذي كانوا البادئين ؟ لاشك في أن الآلة الإعلامة الغربية زعمت أن الإسرائيليين كانوا كالعادة في موقع  الدفاع عن النفس!

ما أود قوله في هذه المسألة هو أن القذائف التي إنطلقت من القطاع سواء قبل أو بعد الغارات الإسرائيلية أساءت لأهل قطاع غزّة، كأن الغرض منها هو طي صفحة المجزرة التي ارتكبها الإسرئيليون ضد "تظاهرات العودة". هذا يعني أن الأوضاع في داخل الغيتو الغزاوي ليست سليمة على الإطلاق . ينبني عليه أنه ضروري ولازم العمل على إصلاحها . هنا يحسن التذكير لعل ذلك يَنفَع بأن القضية الفلسطينية هي قضية إستعمار غربي يسعى إلى التوسع وإلى إغتصاب الأرض لضمان ديمومته، هذا ما يجعل القضية الفلسطينية قضية مصيرية للشعوب العربية جميعاً . هذه القضية ليست دينية على الإطلاق . إضفاء الطابع الديني عليها ما هو إلا خداع . يتوهم جماعة حماس والأخوان المسلمون والوهابيون إذا ظنوا أنهم أصحاب الحل العقد في هذه القضية . إنها قضية إستعمار إستيطاني عنصري يريد فرض شريعة الغاب على شعوب الأرض !

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير