رمضانيات 22: رأفة بالكلاب والبشر

08.06.2018 12:32 PM

كتبت: نادية حرحش

توفي طفل كان قد هجم عليه كلب قبل أسبوع في القدس، والكلب الذي هجم على الطفل ليس كلب شوارع ولا من الكلاب الضالة. بل كلب له صاحب، على الأغلب غير مرخص، ومن فصيلة "بيتبول"، وهذه الفصيلة تحديدا يمنع ترخيصها إلا بشروط شديدة، وفي حال ترخيصها يمنع تجواله بدون ربط فمه، وهذا ليس لأن القوانين عنصرية وظالمة عند ترخيص الكلاب للعرب، ولكن لأن هذه الفصيلة من الكلاب تعتبر شرسة جدا.

في أحد مواقف السيارات بالقدس تعرض صديق لهجمة من قبل كلبة من فصيلة "جيرمان شيبرد"، تعود أن يداعبه بسبب حبه للكلاب، ولكن الكلب كان قد تم حشره لعدة أيام وتجويعه وعلى الأغلب تعريضه لدخان الحشيش فلم يميز بين عدو وصديق عندما اقترب منه الرجل عضه في رجله عضة عميقة.

هناك موجة من المشي مع الكلاب واقتنائها من قبل الشباب تنتشر مؤخرا.

في ثقافة وعرف يحرم الدين فيها تربية الكلاب، يبدو غريبا أن ترى شابا يفترض أنه يأتي من عائلة متدينة محافظة يتجول بكلب، وليس أي كلب "بيتبول" أو "جيرمان شيبرد".

من ناحية هناك كره لمصاحب الكلاب في الثقافة العربية ووسمه بنجاسة الكلاب. فلا أفهم كيف تتلاقى التنافرات وسط نجاسة مؤكدة للكلاب.

ولكن... في المجتمع الذكوري، يحق للرجل ما لا يحق لغيره. والكلب الى جانبه وجاهة وعزوة وقوة، يمشي الشاب بجانبه كلب ليستعرض قوته أمام أي خصم محتمل.

والكلاب في ثقافتنا لا ترتبط بالرفق بالحيوان، ولا يستثنى هؤلاء المتبرجون بالكلاب، لأن الكلب من هؤلاء يتم وضعه في ظروف قاسية وهمجية تجعله مفترسا، فالشاب منهم يمشي بالكلب كمن يمشي بـ"بادي جارد" الى جانبه.

ابن الجيران يربي كذلك "بيتبول"، شاب ورع متدين وامه من الصالحات، ولكن لم أستطع أن افرح لاقتنائه كلب يدربه من أجل أن يصبح شرسا. ننام ونصحي على نباح كلب لا يزال جروا سيتحول قريبا إلى وحش. بكل الأحوال لن تقترب من الأم والأخوات المتدينات ، فالكلب نجس وبوحشيته سيكون التبرير الشرعي لنجاسة الكلاب أحق وأكثر تبريرا.

حادثان تناولتهما وسائل الإتصال لهجوم على طفلين أحدهما من قبل "بيتبول" والآخر من قبل "الجيرمان شيبرد".

إقتناء الكلاب وترييتها، جزء مهم من ثقافة الإنسانية التي ترفق بالحيوان. ولكن في غياب الثقافة وهيمنة التعصب الأعمى لما يقوله المتدينون من جهة وبين ذكورية تبيح المحظور، يبقى الكلاب فريسة لهذه الثقافة كما الأطفال، ليس بغريب أن يكبر الطفل ليصير يافعا كارها للكلاب، ما نراه من تعذيب للكلاب والقطط يعكس تماما طبيعية أن يصبح الحيوان مفترسا.

والكلب والانسان في هذه البلد يعيشان نفس العيشة، خصوصا إذا ما كان صاحب الكلب من هؤلاء ، الذين يربون الكلاب لاستخدامهم بالعربدة والاستعراض.

وظلم الكلاب منها ، أشبه بظلم الإحتلال ، ولا يمكن بوصفه بأكبر أو أصغر، ولكن يجمع الظلمين، استقواء القوي على الآخر ، في حالة البشر يستكبرون على الحيوان الكلب، وفي حالة اسرائيل ، يستكبرون على الاخر الفلسطيني غير "المختار".

أبهرتني بنفس القدر الذي آلمني، صورة للطفل أحمد مناصرة ،الذي تحول الى شاب يافع، بين أحمد مناصرة الطفل الجريح الذي أوجع قلوبنا واحمد مناصرة الشاب المعتقل، يبقى الظلم هو سيد الموقف.

شعرت بغصة الأم عندما تأملت بصورة الشاب الحسن ، كيف كبر ابنها وتحول الى رجل بعيد عن عينيها ، عن حضنها، عن مشاكساته معها.

اجتاحتني بنفس اللحظات صورة عهد التميمي ، تلك الشابة الحسناء ، أتخيل كيف سيكون شكلها بعد عدة سنوات، ما الذي سيحصل لشعرها الذهبي المخملي ، والى أين ستؤول عيونها البحرية في ظلمات السجن.

ويتساءلون كيف نتحول الى وحوش؟

والدة رزان ترتدي سترة ابنتها المليئة بالدماء وتحمل الراية عن ابنتها الشهيدة.
كلامها وعيونها تتضارب منه معاني الأسى ، ام مثكولة ، ربما جل ما تريده اليوم اللحاق بابنتها ... فمن يلومها ... ولكنها ستكون مادة إعلامية لبعض الوقت!

بينما تستعد غزة لمسيرة جديدة ، يستمر فيها الغزيون بإصرار مفاجأتنا وإبهارنا ، ودك ما يمكن من مشاعرنا المستكينة ، ننتظر بعد ليلة رمضانية صباحية أن نهتف لغزة عبر شاشاتنا .

يوم جمعة آخر ، يهرول فيه المؤمنون للصلاة ، ويضطر الساهرون لوجه الصبح بين مسلسلات أو سهرات رمضانية لإحياء المدن فيها ، كما يحصل في القدس التي تحرر نفسها من مغتصبها بالسهر والغنج ولو للساعات ، لتبدأ مقاومة جديدة ربما في اليوم التالي.

هل أضحك أم أبكي ؟
هل أؤيد أم أشجب؟

الكلام وعدمه سواء ، فالوطن يفصل في تضحياته على حسب المقامات .

سنتابع عن كثب الجماهير المكتظة الى الجمعة الأخيرة بالقدس للصلاة والرباط من أجل ثواب يسجل لهم في صكائك الغفران . وسيحاول الغزيون اختراق الأسلاك بأجسادهم العارية من أجل القدس.

من أجل حرية ..

من أجل فك حصار غاشم...

من أجل قدس يتم اغتصابها يوميا ...في العلن والخفاء...

من أجل قدس يربي فيها شبابها الكلاب الشرسة للاستقواء على بعضهم..

من أجل قدس نناكف فيها شرطة الاحتلال بالغناء والتطبيل ...

من أجل قدس نشجب دخول المستوطنين باحات حرمها نهارا ونسهر على أشجان الصوفيين من بقايا الغزالي حتى الصباح...

رأفة بنا نحن معشر الكلاب والبشر المسحوقين.

وصبرا يا أم أحمد....ويا أم رزان....

ويا أم الطفل ضحية الكلب ....

رمضان.....كريم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير