رمضانيات 23 .. النظافة من الإيمان وليست من الشعائر.. اقتضى التنويه!

09.06.2018 10:54 AM

كتبت: نادية حرحش

علمونا أن النظافة من الإيمان، وبطريقة ما تربينا على ان النظافة عنصر أساسي في الإيمان. وها أنا أهرم وأتساءل ما المقصود.

في الصغر كانت فكرة أركان الإيمان وأركان الإسلام كخارطة الطريق. أي من لا يصلي ومن لا يصوم ومن لا يزكي ومن لا يحج فإسلامه غير ثابت لافتقادة أحد عناصر هذا البنيان المرصوص.

ولكن في المقابل كان هناك أركان الإيمان التي تتصدرها النظافة. ومن البديهي ارتباط الايمان بالاسلام، فأنت لكي تكون مسلما تحتاج  أن تكون مؤمنا. فالنظافة متطلب أساسي لما قبل مرحلة الاسلام في أركانه.

السؤال هنا ...كيف سقطت أركان الإيمان وتمسكنا بعمدان أركان الشعائر بفصل أشبه بأن يكون محكما؟

وبما أن ذاكرتنا القصيرة لا تزال في موضوع الإجهار بالافطار في رمضان، وانشقاق الناس بين مؤيد لعقوبة المفطر، وبين مؤيد لحريته بالإفطار . أستغرب كيف أننا لم نرتبك حتى في نفس التوقيت، بينما كانت بلدية البيرة في مأزق حقيقي بسبب إضراب عمال النظافة.

صور القمامة المنتشرة بسبب الإضراب كانت كارثية. سؤال يفرض نفسه هنا، وليس صلب الموضوع الآن ، ولكنه مهم ، ماذا نفعل بدون عمال النظافة؟ بينما يحارب أولئك من أجل فتات المعاشات، بكل بساطة "سنعفن" نحن بدونهم، والأدهى هنا أن المساكين خسروا في مطالبهم وعادوا لتنظيف أوساخنا .

فتحيةٌ قلبية لأولئك الذين ينظفون أوساخنا ولا ننتبه أصلا لوجودهم. واذا ما تنبهنا، نعاملهم باستعلاء ،بينما هم الذين يجب أن يستعلوا علينا ..لأنهم ينظفون أوساخنا. بدونهم... "نعفن وننتن" ولا تنفعنا العطور ولا الألبسة الفاخرة.

فكرت وبما أننا في شهر فضيل، ونادى الكثيرون من أجل إحقاق عقوبة اولئك الكفار من المفطرين بالعلن. لماذا لا يكون هناك عقوبة لمن يجاهر برمي القمامة؟

من يفطر يحاسب من قبل ربه (هكذا علمونا )، وافطاره يضره هو  او ينفعه هو . لا يؤذي الطبيعة ولا البشرية . جل ما نستطيع ان نقوله في مفطر مجاهر انه قليل الذوق ولا يراعي مشاعر الاخرىن.

ولكن من يرمي الاوساخ بالشارع . من يترك محله منبرا للنفايات. من ينظف بيته ويرمي أوساخه بالطريق. من يرمي النفايات من شباك السيارة على الطريق. من يعفر بسيجارته بالشارع . من يتسلى بالمكسرات ولا يتوانى عن رشقها في أنحاء الطرقات . من يأكل ويترك مخلفات طعامه وراءه. من يشرب ويركل العلبة في رجله او أينما تصيب يديه. من تمسك بيد طفل يحاول التخلص من ورقة او علبة او منشفة ورقية ،وتبادر الام بأخذها ورميها او الصياح في وجهه ليرميها امامه في الطريق. (لنقل أن هذا مشهد ما بعد الإفطار). 

من يخرج من بيته صباحا وقد صلى ونوى الصيام ورائحة عرقه تسكر المارة من جانبه. من يركض من أجل اللقمة والرزق ولا يتوانى عن ترك ورمي وقذف أي مكان ليس له بمخلفات بضائعه. من يرمي ما خلفته سيارته من علب وأوساخ في الليلة الماضية على الاشارة الضوئية التالية.

ألا يجب أن يفرض القانون والشرع عقوبة على هذه السلوكيات ؟

نحن أوسخ أمة أخرجت للناس. هذا هو لسان الحال في رمضان . بين طوش ونفايات، ومن ثم احياء وتصوف وفوانيس.

ثم نقول اننا كنا خير امة أخرجت للناس. كيف نكون امة خيرة يأكل أهلها بعضهم البعض بالتكفير والتلحيد ونشر صكوك الغفران وتنصيب أنفسهم رعاة الله لقطيع الأرض من البشر ،ونحن لا ننظر حولنا من أوساخ ولا نتوانى عن قول : "اللهم اني صائم".

عفوا غزة ....فاصلاح ذات البين يبدأ من أصلاح النفوس. ولا صلاح في نفوس تعيش أجسادها وسط القمامة والأوساخ ولا تتأثر. تمشي في طريقها وتمسك في شعائرها لأنها هي بنيانها المرصوص.

غزة معانيها مختلفة بالايمان والاسلام. فغزة في طور الجهاد في سبيل الحياة .

وكما النظافة والصيام .... نحن وغزة.

أناس يجاهدون من أجل البقاء على قيد الحياة . يصارعون أبشع انواع الظلم من فقر وتجويع وحصار، ومع هذا لا يتوانون في بذل حياتهم كبارا وصغارا. نساء وشيوخا . اصابات تؤدي الى اعاقات ،تصبح فقط مشهداً عابراً في حياة هؤلاء . اصرار على الحياة ، ابداع فوق التصورات.

قضية نامت واستكانت لدرجة الاقتراب من اعلان موتها السريري. وهناك في غزة المصابة المبتورة الجائعة المعدمة ،تخرج ابداعات التحرر والمقاومة.

طيارات ورقية تتحدي صواريخ الظلم والاستبداد.

امرأة يافعة قضت روحها من اجل انقاذ المصابين وارتدت امها ثوب الجهاد الطاهر .

طفل لم يعرف عن الحياة الا معاني الاحتلال، ولم يحتكم من الاطارات الا تلك التي تحرق من اجل مواجهة عدوان احتلال لا يفهم منه الا وجوده كظل منذ ان اتى لهذه الحياة ..وانهى حياته...

في غزة صرخة حرية من أجل القدس ...من اجل فلسطين ...من أجل وطن لا يكون مع احتلال... وفي القدس وفي فلسطين....

نحرر الأوطان على موائد الرحمن التطبيعية العميلة. القس والشيخ في مؤاخاة تدميرية. الشيخ يمد يده للقس الذي باع الاراضي للاحتلال. يتصدر هذا الرجل الموائد الرمضانية كضيف شرف ..... والدعوات تستمر والحضور لا يتغير ، والاستنكار متحفظ عليه للحفاظ على المائعين المنافقين من وجهاء الوطن!

وفي القدس ومدن الوطن نحارب من اجل الغاء مباراة. لا نتوانى عن حرق صور ميسي اذا ما تطلب الامر ،ننتصر للمقاطعة أيا كانت... ونهرول لملء الأسواق والمولات ما بين الصلاة والصلاة.

فالعيد قادم ... والتبضع في هذا الموسم تزهزه او قد نقول فطرة الصائم.... رمضان....كريم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير