الفلسطينيون باقون على أرضهم

الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل سيجر متاعباً أكثر من المنافع

11.06.2018 10:13 AM

ترجمة خاصة- وطن: تعيش دولة الاحتلال حالة من الرضى وتغمر مسؤوليها عنجهية التفاخر بالتساهل الأمريكي اللامحدود معها، وتستهويه. كما تشعر بسعادة غامرة، وغير مسبوقة من حالة "الانفلات وانعدام الضبط" في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهي السياسة المفضلة لحكومة اليمين الإسرائيلي.

غير انه لا يمكن الجزم بان هذا الدعم كله سيجلب الخير على الإسرائيليين بالضرورة. ولهذا يجب على الحكومة الاسرائيلية عدم الركون والافراط في استخدام القوة كما تفعل في الوقت الحالي.

وقد عادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية أكثر من أي وقت مضى على مدى السنوات الـ (15) الماضية. وإذا كان يفهم من نقل السفارة الامريكية من "تل أبيب" إلى القدس هو اظهار الفلسطينيين بموقف العاجزين، وانه ليس هناك ما يمكنهم فعله حيال ذلك، فإن على هذا الفهم ان يعلن فشله.

فقد كان نقل السفارة بمثابة اعلان امريكي أن الولايات المتحدة قد تخلت عن دورها في ضبط الممارسات الإسرائيلية، حتى وان كان هذا الضبط لا يذكر. وكان لنقل السفارة أثر معاكس تماما للهدف المقصود. فقد أصبح الفلسطينيون المحتجون، وليس الإسرائيليين والأمريكيين المحتفلين، السمة الأساسية لهذا الحدث. وأظهرت شاشات التلفزة مشهدين هامين جنبا الى جنب، الأول هو الاحتفال الأمريكي في القدس، والثاني هو قيام جنود الاحتلال بقتل (62) فلسطينيا، وإصابة أكثر من (1400) آخرين في غزة.

يمكن لهذا الغضب الدولي ان يتلاشى، كما حدث في الماضي في غزة عندما قتل الاحتلال اعدادا كبيرة من الفلسطينيين. ويبقى السؤال الأهم هو إلى أي مدى ستشكل "مسيرة العودة الكبرى" حدثا عابرا لمرة واحدة ؟، أو انها ستكون بداية لعصيان مدني فلسطيني؟ . وإذا قدر للأمور ان تسير باتجاه العصيان، فانه سيشكل بداية ما يسمى "انتفاضة ترامب"، أي انقلاب الشرور على إسرائيل بفعل ترامب، وفق احدى الصحف الإسرائيلية.

ولا تريد إسرائيل والولايات المتحدة ومصر الوصول الى "انتفاضة ترامب". ولهذا تشترك الدول الثلاث في مصلحة واحدة وهي احتواء آثار عمليات القتل التي نفذتها قوات الاحتلال بتاريخ 14 أيار 2018. ولهذا قدمت إسرائيل تنازلات ثانوية لتخفيف الحصار، مقابل قيام حماس بإلغاء المظاهرة، فيما أعلنت مصر أنها ستفتح معبر رفح في رمضان.

ومن بين المكاسب الأخرى للفلسطينيين، بالإضافة الى وضعهم مؤقتاً على الخريطة السياسية والإعلامية، هو تركيز الانتباه على الظروف البائسة التي يعيشها نحو (2) مليون شخص يعيشون في غزة، والذين "يعيشون في أحياء فقيرة وسامة"، للأمير زيد رعد الحسين، رئيس لجنة الحقوق في الأمم المتحدة. لكن كلام الأمير زيد لا يعني بالضرورة أنه سيتم القيام بالكثير لتحسين الأمور. فميزان القوى مائل كثيرا، ضد الفلسطينيين، وهو عمليا لصالح الإسرائيليين، بحث جعلهم يشعرون بأن بإمكانهم التصرف دون عقاب.

لا تحب حكومة الاحتلال الدعاية السيئة التي تنتج عن الاحتجاجات، لكنها تستطيع التعامل معها طالما أنها محدودة ولا تستمر طويلا. ويقول دانييل ليفي، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق، إنه إذا لم تكن الاحتجاجات الفلسطينية "مستمرة مع الوقت، ولم تستمر الخسائر البشرية، ولم تتوسع جغرافيا خارج غزة لتشمل الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، فعندها تستطيع حكومة الاحتلال احتواء ذلك". ويضيف، إذا أراد المتظاهرون ان يكون لهم تأثير، فسيتعين عليهم البقاء غير مسلحين وغير عنيفين".

ولقد أحدث العصيان المدني في الماضي بعض الفوائد للفلسطينيين: فقد أدت الانتفاضة الأولى، في العام 1987، إلى اتفاقات أوسلو. كما أدت الانتفاضة الثانية، في العام 2000، إلى الانسحاب الإسرائيلي من غزة بعد ثلاث سنوات.

لكن من المشكوك فيه أن القادة الفلسطينيون قادرون على متابعة مسار اللاعنف بأنفسهم، أو السماح للناشطين المدنيين بالقيام بذلك. حيث تنقسم قيادة الفلسطينيين بين حماس في غزة، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وسط تنافس حاد. السلطة الفلسطينية منظمة سياسية محتضرة، وخائفة من أن ينقلب المتظاهرون ضدها، أو من ان يرفعوا من وتيرة الاحتجاجات مما يثير الانتقام الإسرائيلي، وفق الكاتب.

لطالما تشابهت القيادة الفلسطينية في دورها مع حكام العرب، وطالما كانت عاجزة عن تعبئة شعبها وتحفيزه، وفق الكاتب. ربما فعلت إسرائيل كل شيء لمنع قيام دولة فلسطينية. لكن حتى بدون الفعل الإسرائيلي، كان هذا الفشل ناجم عن النخب الفاسدة، وعديمة الكفاءة، عدا عن احتكار السلطة، وقمع المعارضة، كما قال الكاتب.

تبدو إسرائيل في ذروة قوتها بسبب الضوء الأخضر المطلق من البيت الأبيض لتفعل ما تريد. فقد ألقت الولايات المتحدة باللوم على حماس في الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة، من دون كلمة انتقاد واحدة لإسرائيل. كما تعطي الدول العربية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة الأولوية للتحالف مع الولايات المتحدة ضد إيران، وتتجاهل محنة الفلسطينيين.

غير ان هذا التأييد الكامل لإسرائيل، من قبل الولايات المتحدة، قد لا يكون في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد. حيث أن احتضان ترامب، والجمهوريين، والمسيحيين الإنجيليين، لإسرائيل ينفر الديموقراطيين من إسرائيل، رغم أن هذا قد لا يعتد به كثيراً.

ولعل الأهم من ذلك، أن اليهود الأمريكيين صدموا لرؤية القساوسة الذين وصفوهم بأنهم متعصبون ومعادون للسامية، يلعبون دوراً أساسياً في افتتاح السفارة الأمريكية في القدس.

إن عدم وجود أي ضبط في سياسة الولايات المتحدة هو أمر جذاب لحكومة اليمين الإسرائيلي، ولكنه ليس بالضرورة ان يجلب المنفعة للإسرائيليين. وفي أجواء دعم امريكي لا محدود كهذه، تميل الحكومات الإسرائيلية إلى المبالغة في الثقة، وتميل إلى المبالغة في استخدام القوة. فقد تحول غزوهم للبنان في العام 1982 إلى حرب غير ناجحة، استمرت (18) عاماً. وإن حكومة الولايات المتحدة، التي تزعم أنها تعمل كوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، بينما هي في زاوية إسرائيل بشكل كامل، تعتبر أكثر فائدة لإسرائيل من الولايات المتحدة.

من المحتمل أن الاحتجاجات في غزة، التي أدت إلى قتل الكثير من الناس، قد تتحول إلى عصيان مدني أكثر انتشاراً، لكن لا يمكن لإسرائيل أن تحول تفوقها في القوة، وحتى تحالفها الوثيق مع ترامب، إلى نصر دائم، لأنه مهما فعلت، فإن الفلسطينيين باقون على أرضهم.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي إندبندنت"

تصميم وتطوير