نسبة الفقر والبطالة في فلسطين ... مؤشرات خطيرة تهدد السلم الأهالي

11.06.2018 08:37 PM

كتب: مؤيد عفانة
عضو الفريق الأهلي لشفافية الموازنة العامّة في فلسطين

تُشير بَيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في الربع الأول من العام 2018، إلى أنّ معدّل البطالة في فلسطين بلغ نسبة قياسية، وصلت إلى (30.2%) من بين المشاركين في القوى العاملة، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية 404,800 شخصاً، بواقع 255,000 في قطاع غزة  مقابل 149,800 في الضفة الغربية، وتُشير البيانات إلى أنَه ما يزال التفاوت كبيراً في معدّل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ في قطاع غزة 49.1%، مقابل 18.3% في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ 25.0% للذكور مقابل 48.9% للإناث.

وقد سبق ذلك تقرير للبنك الدوليّ أشار إلى أنّ الضفة الغربية وقطاع غزة، تحتل المرتبة الأولى عربيا في نسبة البطالة خلال العام 2017، وهي من النسب المرتفعة عالميا، كما أصدرت منظمة العمل الدولية ILO تقريرا بذات المضمون والنتيجة، أشارت فيه إلى تَصَدُّر فلسطين جميع الدول العربية في معدّلات البطالة.

كما أصدر جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني تقريرا "مُرعبا" عن معالم الفقر في فلسطين 2017، حيث أظهرت البيانات أنّ انتشار الفقر مرتفع لدرجة مذهلة في قطاع غزة، وأنّ ما  يقارب ثلث السكان (29.2%) في فلسطين يعيشون دون خط الفقر الوطني في العام 2017، وأنّ ما يزيد عن نصف سكان قطاع غزة (53%) يعانون من الفقر، كما أنّ معدل الفقر في قطاع غزة يفوق المعدّل السائد في الضفة الغربية بـ (3.8) مرات، أي  بحوالي أربعة أضعاف، كما أنّ مساهمة فقراء قطاع غزة (71.2%) في معدل الفقر الوطني أكبر من مساهمة الفقراء في الضفة الغربية (28.8%) بحوالي 3 أضعاف.

والفجوة في الظروف المعيشية تصبح أكثر اتساعا إذا ما تم إعطاء المزيد من الاهتمام للأكثر فقرا، "مؤشر الفقر المدقع".  (أي أنّ الأسرة غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية من المأكل والملبس، والمسكن) حيث تُظهر النتائج أنّ حوالي ثلث سكان قطاع غزة (33.7%) يعانون من الفقر المدقع مقابل (5.8%) من سكان الضفة الغربية، وهذا يُشير إلى أنّ الأسر الفقيرة في قطاع غزة أكثر فقرا وغالبيتها تحت خط الفقر المدقع، مما يعني أنّ غالبية فقراء قطاع غزة هم بمسافة بعيدة نسبيا تحت خط الفقر الوطني.

كما تُشير النتائج الى أنّ معدّلات الفقر (29.2%) في العام 2017، أعلى من المعدّل المقابل المقدّر بحوالي (25.7%) في العام 2011، أي أنه ارتفع بنسبة (13.6%) خلال هذه الفترة. في حين ارتفع معدل الفقر المدقع من (12.7%) الى (16.8%) أي بزيادة قدرها (32.3%) مما يعني ارتفاع فجوة وشدّة الفقر بين الفقراء في فلسطين، على الرغم من خطط التنمية المختلفة.

ومع ازدياد معدّلات البطالة في الربع الأول من العام الجاري وبنسب كبيرة، فانّه من المنطقي ارتفاع مُعدّلات الفقر، وَحِدّة الفقر في الفترة القادمة، مما يُدخل المجتمع الفلسطيني في منزلقٍ خطير جدا، فالفَقر هو الظاهرة الأخطر على المجتمعات على مستوى العالم قاطبة، والتي تحاربها جميع الدول، وتضعها ضمن أهم أولوياتها؛ خاصة وانّ آثار الفقر وإفرازاته تطال محاور الحياة كافّة من تعليم وصحة جسدية ونفسية ونماء سويّ وتنمية وعجلة اقتصاد وغيرها، وتأثيرات الفقر لا تقتصر على ناحية واحدة، أو تكون محدودة في إطار معين؛ وإنما تمتدّ تأثيرات الفقر إلى كل ما يمكن أن تتقدم المجتمعات من خلاله وتزدهر، فلا تقتصر تأثيراته مثلاً على الحالة الاقتصادية أو الحالة الاجتماعية؛ وإنما تكون مجموعة متشابكة من التأثيرات، وسببا لمعظم الآفات المجتمعية، قد تكون كافية لتدمير المجتمع بالكامل،  فالفقر يُعدّ العائقَ الأكبر أمام تنمية الإنسان والمجتمع؛ كذلك له آثاره الكبيرة على عملية الإبداع في المجتمع، فكلما كان المجتمع فقيرًا، قلت عملية الإبداع، واضمحلّت الابتكارات التي تساعد بدورها على تقدم المجتمع وتطوره.

والأخطر من ذلك أنّ ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفاوت مستويات الدخل والثروة في المجتمع تخلق شرخا في مفهوم العدالة الاجتماعية، خاصة إذا كان هذا التفاوت مرتبط بالجغرافية وقضايا النوع الاجتماعي، الأمر الذي يشكل تهديدا للسلم الأهلي على المدى البعيد، ويؤسس لمرحلة لها تبعات مجتمعية خطيرة على النسيج المجتمعي الفلسطيني.

وختاما،، وفي ظل التزام "دولة فلسطين" بأهداف التنمية المستدامة 2030، والتي نصّ هدفها الأول على "القضاء على الفقر"، وتمحورت أهدافها الـ (17) حول مفهوم التنمية المستدامة، وفي ظل أجندة السياسات الوطنية 2017-2022، والتي حملت اسم "المواطن أولا"، وفي ضوء الأولويات الوطنية التي تضمنتها ومنها : تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسة الوطنية المتمثلة بتوفير فرص عمل لائقة للجميع، والاولوية الوطنية المتمثلة بتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسة الوطنية المتمثلة بالحد من الفقر، وغيرها من الأولويات والسياسات، وفي ظل وجود مئات الجمعيات الاهلية في فلسطين التي تُعنى بالتنمية المجتمعية، وفي ظل وجود عشرات من مؤسسات الأعمال العملاقة والتي تُحقق أرباحا بالملايين، وتتضمن برامجها مفهوم المسؤولية المجتمعية، ومع إدراكنا التام لدور الاحتلال الإسرائيلي المعرقل لعملية التنمية بأشكالها كافّة، الا أنّ تسارع الارتفاع في معدّلات البطالة والفقر تستوجب تحركا على كافة المستويات لكبح جماح الفقر والبطالة، والعمل بشكل تكاملي رغم أنف الاحتلال، فشعبنا الفلسطيني يستحقّ منّا الكثير، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية...

وفي هذا السياق، تطفو على السطح جملة أسئلة جوهريّة وهامّة: أين الخطط الوطنية لمكافحة الفقر؟ وما هو مصير خطط التنمية المختلفة لخلق فرص العمل اللائق وتخفيض معدّلات البطالة؟ وما هو أثر عمل مؤسسات المجتمع الأهلي في قضايا التنمية المجتمعية المستدامة؟ وأين المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص في فلسطين؟ وأثر ذلك على الأرض؟

كلها أسئلة مشروعة في ظل العرض السابق، والذي يُنذِر بالأسوء، برسم الإجابة من صنّاع القرار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير