حوار بين صديقين

13.06.2018 12:17 PM

كتبت: ثريا عاصي

١- سؤال : ألا يمكننا أن نعتبر إستناداً إلى تجاربنا  ومعاناتنا نتيجة استعمار  بريطانيا لفلسطين وتسليم هذه البلاد للحركة الصهيونية للإشراف على مواصلة المشروع الإستعماري التوطيني العنصري، إن جميع الإسرائيليين الذين يسكنون الآن في فلسطين هم أعداء لنا ويتحملون المسؤولية عن المجازر التي ترتكبها حكومات إسرائيل من وقت إلى آخر ضد الفلسطينيين وضد المصريين والسوريين واللبنانيين ، كمثل المجزرة التي وقعت مؤخراً في قطاع غزة، وهي لن تكون الأخيرة، علماً أن هذه السياسية الإستعمارية الإجرامية ثابتة سواء كان على رأس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو أو شارون أو أولمرت أو بيريز ؟

ج ـ هذا يعني أن الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى دعم أشخاص أو جماعات إسرائيلية، إكتشفوا طبيعة دولتهم الإستعمارية والعنصرية فاستخلصوا من ذلك موقفاً سياسياً ونضالياً ضد هذه الدّولة،  يعتقدون أنه يوصل إلى تسوية عادلة ومنطقية للقضية الفلسطينية، بناء على أنهم شركاء في هذه القضية .

٢- س : ولكن ما هو حجم هذه الجماعات وما هي قوة إعتراضها . ألم يولدوا في وعلى أرض مغتصبة  وتعلموا في مدارس إسرائيل وأدوا الخدمة العسكرية في جيشها واستفادوا من الخدمات التي  تقدمها  ؟

ج ـ إنه ضرب من الجنون أن تناصب العداء إنساناً يتعاطف معك ويحاول دعمك بكل ما أوتي من إمكانيات، بحجة أنه ضعيف أو قليل التأثير هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن عداوتك لهذا الشخص لأنه إسرائيلي تشكل بالنسبة لي مسألة تحتاج إلى إيضاح . إذا كان هذا الإسرائيلي مولوداً في فلسطين أي أنه ليس إسرائيلياً بإختياره، فأنه لا يتحمل منطقياً مسؤولية عن الأعمال الشنيعة التي إقترفها جده كالسرقة وجرائم القتل مثلاً . هل من العدل أن نضعه في السجن أو نعلقه إلى حبل المشنقة لأن جده كان إرهابياً في تنظيم ستيرن الإرهابي الفاشي الذي تزعمه إسحق شامير وهذا دعي كما هو معروف بعد الحرب الأولى على العراق إلى مؤتمر السلام في مدريد ؟ أعتقد أن شمول جميع الإسرائيليين دون تمييز ، بالإدانة والمسؤولية عن الفاجعة الفلسطينيّة، مرده إلى العصبية القبلية وإلى ذهنية ثأرية تبرر  الانتقام  من الحفيد حتى لو كان صبياً، لجريمة إقترفها  جده .

٣- س :ولكن لا تنسى أن أولاد الإسرائيليين  يُلقنون كراهية الفلسطيني والعربي في مدارس الحركة الصهيونية، ألم نر أشرطة مصورة  يظهر فيها  تلامذة المدارس الإبتدائية والإعدادية يوقعون على قنابل المدافع والصواريخ أثناء حرب تموز2006 على لبنان ؟ ألم تلاحظ أنهم يعرضون  يومياً إرهاباً، صوراً لجنودهم في تشكيلات تشبه أرهاط الوحوش الكاسرة وهم يلاحقون في الشوارع والأزقة صبياً فلسطينياً ينتزعونه من أيدي أمه بعد أن يشبعوا الأخيرة ضرباً ورفساً ؟ ألا تذكر مشهد  إغتيال محمد الدرة و اللقطة التي تظهر الجنود الإسرائيليين يسحقون بالحجر ساعد صبي فلسطيني ؟؟؟؟

ج ـ طبعا أذكر وقرأت أيضاً كثيراً عن القضية الفلسطينية وعن القمع الذي مارسه البريطانيون ضد نشطاء انتفاضة 1936 بوجه خاص ولكن من المحتمل أن بعض الإسرائيليين شاهدوا أيضاً هذه الصور التي  تشير إليها  و ربما يكونون  قد تأثروا بها . أنا أتكلم في الواقع إنطلاقاً من المبدأ والعدالة والأخلاق .. لا يجوز محاكمة شخص بسبب جريمة إرتكبها جده أو جد أبيه . ولكني على يقين من أن الذهنية البدوية الثأرية أوصلتنا حتى الآن إلى شفا الهاوية بالرغم من أنها تبرر تحالف "أولياء الأمر" مع دولة إسرائيل وتمول حروب هذه الأخيرة ضد سورية ولبنان، مثلما كانت تمولها ضد مصر، ولكنها ترفض الإعتراف بأنه يوجد في اسرائيل نفسها وبلدان الغرب أشخاص وجماعات "من اليهود" يناهضون الإستعمار  الإسرائيلي .

٤- س : هل أنت مع تقسيم فلسطين  وحل الدولتين فتستبعد تحرير كامل التراب الفلسطيني ؟

ج ـ  دعني أضيف إن عدم الإعتراف بضرورة بناء المواقف على الحقائق المثبتة وعلى المنطق واستطراداً على القدرات الذاتيّة، جعلنا نكتفي  بالمواقف الموروثة أو المفروضة علينا فرضاً باسم "الدين" او باسم "القائد الملهم"، نجم عنه أننا  نواصل مسيرة العذاب والقهر من هزيمة إلى هزيمة ونرفض الحوار  مع الإسرائيلي من الجيل الثالث والرابع ولا نساعده على تقييم المغامرة الإستعمارية التي إنخرط فيها أجداده، تاركين الساحة مفتوحة أمام الدعاية والتربية  الصهيونيتين.

طبعاً أنا لست مع التقسيم ولا مع الدولتين . أنا مع المساواة بين الناس ومع حقهم في العيش في بلادهم وفي التنقل بين البلدان فوطن الإنسان هو حيث يجد عملاً يمكنه من العيش بكرامة في ظل القانون الذي يرتضيه المجتمع الوطني . أنا ضد دولة العرق الواحد والدين الواحد والعقيدة الواحدة . أنا مع الدولة العلمانية التي لا يتميز فيها  مواطن عن مواطن آخر إلا بكفاءته وحسن معاملاته مع الآخرين .

٥- ماذا عن إسرائيل  ؟
هي دولة إستعمارية قائمة على التمييز العنصري،  يقتضي ذلك النضال حتى إسقاط نظامها واستبداله بنظام حضاري إنساني . المسألة الفلسطينية هي أيضاً مسألة إنسانية، مسألة مساواة بين الناس وعدالة . ولكن هناك فرق بين الدولة في اسرائيل وبين الإسرائيليين أو بعضهم . مهما يكن لا يجب أن لا نقع في الوهم، فالنظام العنصري الإسرائيلي يسقط نتيجة عوامل مرضية داخلية وليس نتيجة انكساره في ساحات الحرب !

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير