نادية حرحش تكتب لوطن "مهاترات وطن" .. إصرار السلطة على السقطات السياسية

17.06.2018 03:22 PM

 لم يكتف صناع القرار الفلسطيني بمنع المسيرات الداعية الى رفع العقوبات عن غزة من أجل حرية التسوق، ولم يرق لهم تنفيذ المنع الا بأشكال العنف والتخلف والقمع موازاة بفعل الإحتلال وأكثر. نعم أكثر ، فنحن شعب معتاد على قمع الإحتلال، نعرف كيف نشتكي، كيف نتحمل، كيف نبالغ ، كيف نصرخ عاليا من أجل توجيه نظر العالم الى ظلم المحتل . قمع المقموعين لا يجدي نتيجة في حالتنا .

ولكن الأدهى هنا لم ينته عند القمع والضرب والسحل والاعتقالات. فقد تصدر محافظ نابلس لتظاهرة في ساحة عامة بعد إصدار قرار مستشار المحافظين الرئاسي بعدم إعطاء تصاريح للتظاهر والمسيرات لحرية التسوق! وهو ضرب من الاستهتار وتأكيد أن ما يراد إرساله للمواطن هو تكريس الدكتاتورية والهمجية والإستبداد للفريق الواحد.

مؤسف كان ذلك المشهد، بتصدر محافط نابلس مسيرة لمبايعة الرئيس، في نفس الوقت الذي كان يتم ضرب وسحل واعتقال المواطنين المنادين لرفع العقوبات عن غزة.

أي دهاء سياسي جعلهم يربطون أنفسهم مباشرة بمسؤولية الحصار على غزة؟

الشعب المنادي لرفع العقوبات كان يقصد إسرائيل والمسؤولية العالمية بالمكان الأول . بلا شك كان هناك مطالبة بتحمل سلطة رام الله مسؤولياتها ، ولكن كانت مشكلة الشعب بفعل الاحتلال من قتل وقنص وقمع لأهل غزة إضافة الى الحصار.

خروج أهل غزة بمسيرات العودة ، يؤكد أن هذا الشعب لم يعد أمامه ما يخسره. فالموت والحياة تساويا.

ولكن .. أن تقف السلطة ضد غزة بهذه المباشرة ، لا يمكن وصفه بكلمات .

ما الذي يراد أن يتم تكريسه من قبل أولى الامر في سلطة فتح ؟ هل يريدون التمسك بالسلطة لحفنة صفوفهم الإولى وفرض سلطتهم الإستبدادية على الشعب عن طريق استخدام الأمن الذي تم تدريبه على مدار عقدين على ما بدا ..لقمع الشعب والإستبداد به ؟

بكل جدية، لا أعرف كم للرئيس محمود عباس يد في هذه الاحداث. أكاد أجزم أن الرجل يصارع المرض وما يخرج من حفنة المستشارين ليس إلا تمهيدا لبسط نفوذ وقوة أحد المسترئسين المنتظرين للحظة الرئاسة القادمة.

وبين انتظار صفقة القرن، على ما يبدو ان هناك داعي لبسط يد القمع والاستبداد من اجل تمرير ما يراد تمريره. فلا يمكن للضفة ان تركب ركاب غزة والقدس. فبين القدس وغزة الامر محسوم. غزة في عزلة الحصار الذي يتحكم فيه كل الأطراف وفي المقدمة الاحتلال. والقدس صار شأنها شأن ترامب. لا يد لسلطان على الأرض عليها .

بين تحميل ترامب مسؤولية تهويد القدس ، وتحميل اسرائيل مسؤولية قتل غزة ، تبقى الضفة هي مكان تسلط أهل السلطة المنتظرة لرئيس قادم. رئيس يجب أن يحتكم إلى الامر بقوة الامن . الامن المدرب وفق احتياجات ومتطلبات بقاء الاحتلال وأمنه بطبيعة الحال.

صفقة القرن التي يراد صفعنا بها وتجسيد أبدي للاحتلال بالتفريط بما تبقى من معالم وطن ، تحتاج على ما يبدو لانصياع كامل . وأفيون الشعوب من دين وكرة قدم وقروض وانترنت لم يكف لتخدير هذا الشعب المحاصر في فقاعة مطاطية تسمى رام الله.

لا أعرف ان كان هناك فرصة باقية لمن يقودون ركب فتح. فلقد سقطت ورقة التوت كما سقطت الشجرة نفسها . حتى الشجرة العتيدة لم يبق فيها نفس للحياة من كثر التقاط ورق يستر عورات سلطتنا.

اختيار جماعة السلطة التصدي للشعب يؤكد أن هناك انفلات سياسي حاصل في أروقة المقاطعة. كنا نخشى لحظة الصفر التي تدخل فيها السلطة لفراغ سياسي سيؤدي الى انفلات امني. يبدو ان ما يجري سبق لحظة الصفر وبدأ الصراع بطريقة تتلاءم مع ما هو مطلوب للقادم.

ولكن هؤلاء لا يفهمون، أن نبض الشعب لا يهدأ ... حتى وان تخدر لوقت طويل.

الإنسان الفلسطيني عاش نكبة ونكسة لم يقف فيها التهجير والتنكيل والاقصاء ومحاولات التصفية العرقية والاثنية وتصفية الانسان نفسه .

نعم يريد الانسان الفلسطيني الذي تحاصره السلطة بالعيش ان يعيش كما يعيش العالم من حوله . ولكن هذا الانسان عاش فلسطينيا . وان تكون فلسطيني يعني أن تبذل حياتك في لحظة ما وتضعها بمواجهة مع الموت .. ولا تخشاه.

ما يحصل في غزة من مواجهة الحياة والموت، ليس فريدا ومتعلقا بغزة. ما يحصل في غزة هو فلسطيني. لن يتوارى الفلسطيني في أي مكان على تراب هذا الوطن أن يواجه الموت بنفس إرادته للحياة . ولكننا نتحمل لأننا نريد الحياة التي نريدها بقدر ما تستحق أن تعاش.

نريدها بقدر ما نتمكن فيها من حياة ...

لا يمكن تحويل شعب عاش الويلات الى جموع من المسوخ 

اتعظوا.....ولا تستهينوا بغضب الشعوب

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير