خالد بطراوي يكتب لـوطن: ليته ضربني

18.06.2018 09:09 AM

كان (م) يقف مع جموع المتجمهرين عندما إعتدت عليه مجموعة من رجال الأمن بالضرب المبرح، حاول قدر الامكان أن يتجنب ضرباتهم، لكنهم أوقعوه أرضا وداسته أقدامهم، إبتعدوا عنهم بعد أن ظنوا أنه قد قضى نحبه.

أفاق من غيبوتبته وهمّ بالنهوض، عندما هجم أحدهم نحوه وبيده هراوة، قام برفعها عاليا إستعدادا لأن تنهال على وجهه، إلتفت هذا العسكري نحو (م) .. نظر اليه مليا ... تلاقت العينان، بهدوء أخفص العسكري هراوته وكان يتلفت من حوله وإطمئن أن أحدا لم يشاهده.

أنهض العسكري (م) من على الأرض، حاول مساعدته في ترتيب ثيابه وناوله مناديل ورقية بل ومسح عن وجهه الدماء، وطلب منه أن يسير مبتعدا.

عاد (م) الى منزله منهكا، إستلقى على سريره بعد ان غسل وجهه بالماء، أغمض عينيه وغاب في ذكرياته.

عاد بذكرياته الى ذلك اليوم عندما كان يقبع في زنازين الاحتلال، في زنزانة معتمه قذرة الرائحة، عندما زج الجنود بداخلها بشاب يافع كان أشبه بالجثة، إستقبله (م) واعتنى به على مدار الأيام بل وكان يعطيه الجزء الأكبر من مخصص الطعام والماء وحتى السجائر اليومية الثلاث. كان (م) يرقب رفيق الزنزانة وهو يتعافى .... وقد تعافى.

شعر بالغبطة أن رفيق الزنزانة لم ينس الرفقة، فقد أنزل هراوته ولم يضربه بها وإلا لكان قد أحدث له عاهة مستديمة وأبدى سروره أيضا أنه أنهضه وناوله المناديل الورقية وطلب منه المغادرة بهدوء دون أن يلحظ أحد. 

نهض بتثاقل وكتب على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي ما حدث، وأبدى جزيل شكره لرفيق الزنزانة على موقفه الشهم، وغط في نوم عميق.

نهض من نومه مذعورا حيث وجد فوق رأسه مجموعة من رجال الأمن إنتشلته إنتشالا وساقته الى أقبية التحقيق.

واجهه أحد المحققين بما كتب على شبكة التواصل الاجتماعي من شكر لرفيقه في الزنزانة، فأجابهم بأن هذا فعلا ما حدث وهو ممتن لهذا الرفيق. طلب المحقق معرفة الاسم لحاجتهم لذلك لأن هذا العسكري خالف الأوامر ويجب أن يمثل أمام محكمة عسكرية.

إذا هذه هي المسألة، مخالفة الأوامر.

إبتسم (م) إبتسامته العريضة وقال في داخله " جولة تعذيب جديدة من أبناء جلدتي، فليكن، لكني لن أخذل رفيقي في السجن".

تعرضت (م) لجولات تعذيب أنهكت جسده، تم تمديد توقيفه أكثر من مرة، وإستمر التعذيب لكنه لم يعترف على رفيق الزنزانة. أمر القاضي بإطلاق سراحه

عاد (م) الى منزله وهو مسرور أيما سرور فقد كان وفيا للعهد مع رفيق الزنزانة، لم يعترف عليه ولم يعطهم الفرصة كي يحال الى محكمة عسكرية ويشعر بالارتياح لأن رفيق الزنزانة أخفض هراوته وناوله المناديل الورقية بل ومسح الدماء عن وجهه وطلب منه أن يغادر المكان بهدوء.

في اليوم التالي نهض (م) مذعورا وهو يصرخ ليته ضربني .. ليته ضربني، فقد كان لا يريد أن يرى إنكسار رفيق الزنزانة في داخله إن التقاه ذات يوم على قارعة الطريق.

تبا لنا جميعا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير