ترسانة الأسلحة النووية...السر الإسرائيلي الأسوأ، الذي تستر عليه ترمب وثلاثة رؤساء أمريكيون سابقون

19.06.2018 03:54 PM

ترجمة خاصة- وطن: زار وفد من كبار المسؤولين في دولة الاحتلال الرئيس الأمريكي، ترمب، في البيت الأبيض، في 13 شباط من العام 2017، لمناقشة العديد من القضايا مع نظرائهم الأمريكيين الجدد. ووضع على رأس قائمة مواضيع النقاش نقطة سرية، طلب الإسرائيليون وعدا من الأمريكيين بعدم مناقشتها أبدا، وهي ترسانة إسرائيل النووية السرية.

وقد وصفت مقالة، نشرت مؤخرا في "ذي نيويوركر"، مشهدا متوترا جرى في الجناح الغربي من البيت الأبيض، عندما حاول الوفد الإسرائيلي، الضغط على الأمريكيين للحصول على "الرسالة التي وقعها الرئيس ترمب بخصوص الترسانة النووية". وبكل المقاييس، كانت ادارة ترمب حريصة كل الحرص على إرضاء رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي كان قد تلقى وعدا من ترمب بدعم أمريكي غير مسبوق. وفي تلك اللحظة الفوضوية، شعر مساعدو ترمب بالصداع من كثرة الطلب، والالحاح الإسرائيلي. حيث لم يكن لديهم اية معلومة عن وجود أية رسالة وقعها ترمب للإسرائيليين، وقد سببت لهم شدة الإصرار والالحاح الإسرائيلي الكثير من التشويش. وخصوصا انه كان لدى الأمريكيين مخاوف ملحة أخرى، ففي وقت لاحق من ذلك اليوم، كان من المقرر ان يقوم مايكل فلين، مستشار الأمن القومي، بتسليم استقالته الى ترمب. ولم يقدر الإسرائيليون ذلك الشعور الصعب على الجانب الأمريكي، ولم يكفوا عن المطالبة "برسالتهم".

وقد كانت هناك لحظة مماثلة قبل نحو (8) سنوات، عندما أصبح باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، حيث تلقى الامريكيون طلبا إسرائيليا مماثلا. وأفادت مجموعة من كبار المسؤولين الأميركيين، في ثلاث إدارات سابقة، بانها كانت على علم بالرسائل، وبماهية التفسير الإسرائيلي لها، على أنها "تعهد أميركي" بعدم الضغط على اسرائيل للتخلي عن أسلحتها النووية، طالما أنها تواجه اخطارا وجودية.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الرسائل التي قدمتها الرئاسات الأمريكية الى إسرائيل لم تكن صريحة، ولم تكن كافية لتشكل التزاما امريكيا ملزما. والملفت في الأمر، انه عندما انتقل مساعدو ترمب إلى البيت الأبيض، لم يجدوا أية نسخة من الرسائل السابقة التي خلفها أسلافهم، في محاولة لمحو التزامهم على ما يبدو. ومع ذلك، كان لدى الإسرائيليين نسخا خاصة بهم.

وقد عبرت إسرائيل "العتبة" النووية عشية حرب الأيام الستة، في العام 1967. وفي ذلك الحين، كان لدى إسرائيل (3) أجهزة نووية فقط، وفقا لأفنير كوهين، المؤرخ النووي في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية، في مونتيري، ومؤلف كتابين حول نشأة البرنامج النووي الإسرائيلي وتطوره. وكانت الجهود الاسرائيلية لبناء قنبلة نووية، في مجمع "ديمونا"، مصدرا للتوتر مع واشنطن لما يقرب من عشر سنوات. ولكن، مع حلول خريف العام 1969، عندما التقت غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل حينذاك، مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في البيت الأبيض، بات امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية أمرا واقعا، وتوصل الجانبان إلى تفاهم غير مكتوب على ان: "لا يعلن الإسرائيليون عن برنامجهم، وان لا يجروا اية اختبارات لأسلحتهم النووية، وان لا يهددوا باستخدامها. وبالمقابل، لن يضغط الأمريكيون على الإسرائيليين للتوقيع على المعاهدة الدولية لمنع الانتشار النووي المعروفة باسم (ان بي تي)". وبالتالي، لم تصبح إسرائيل يوما ما دولة موقعة على تلك المعاهدة، مما أسفر عن تعطيل اية جهود تسعى الى تفتيش مفاعل "ديمونا".

وتلتزم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بسياسة معروفة باسم "عميموت" باللغة العبرية، وتعني "التعتيم" بالعربية. ولم يتم إعداد وثيقة مشتركة تصف الاتفاق (أي الرسالة). وبدلا من ذلك، اعتمد كل جانب على الملاحظات الخاصة به.

التزم الرئيس جيرالد فورد بصفقة سلفة نيكسون. وفيما بعد كان المسؤولون الإسرائيليون قلقون من أن جيمي كارتر قد يتخذ مسارا مختلفا. لكن الموقف الأمريكي، من خلال إدارات كارتر وريجان، استمر على حاله دون أي تغيير.

وقد بدأ الإسرائيليون يشعرون بان الترتيبات غير المكتوبة لم تعد كافية، وبرز ذلك جليا خلال رئاسة جورج بوش الأب، عندما تحدثت القوى العالمية، بعد حرب الخليج الأولى، في العام 1991، عن إمكانية إنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية.

وتمت صياغة اول رسالة سرية بهذا الخصوص خلال إدارة بيل كلينتون، كجزء من اتفاقية لإغراء إسرائيل للمشاركة في مفاوضات "واي ريفر"، مع الفلسطينيين، في العام 1998. وفي الرسالة، أكد كلينتون "للدولة اليهودية" أنه لا يوجد توجه مستقبلي لدى الإدارة الامريكية للحد من قدرات "الردع" الإسرائيلية، في إشارة واضحة إلى ترسانتها النووية. وفي وقت لاحق، أدخل المسؤولون الإسرائيليون عبارات توضيحية على لغة واشنطن في الرسالة، حيث اضافوا عبارة "إسرائيل ستدافع عن نفسها بنفسها". وعندما حل جورج دبليو بوش، في الرئاسة الامريكية، تبع خطى كلينتون، ووقع للإسرائيليين على خطاب مماثل.

وفي العام 2009، تولى الرئيس الجديد، باراك أوباما، منصبه. ومنذ البدايات كان نتنياهو لا يثق في أوباما، والعكس بالعكس. فقد قال مسؤول إسرائيلي: "مع أوباما، كنا جميعا مجانين". وفي شهر نيسان من العام 2009، ألقى أوباما خطابا طموحا في مدينة براغ، حدد فيه "التزام أمريكا بالسعي إلى تحقيق السلام والأمن في عالم خال من الأسلحة النووية". قال مستشارو نتنياهو على إثر ذلك، "ان أوباما كان يعاني جنون العظمة، حيث فكر أن ينهي السلاح النووي الإسرائيلي".

وفي الوقت الذي فسر فيه المسؤولون الإسرائيليون الرسائل الامريكية على أنها "التزام واضح" من الرؤساء الأميركيين المتعاقبين بعدم الضغط على إسرائيل فيما يتعلق بترسانتها النووية، قال المسؤولون الأمريكيون أنهم ينظرون إلى الرسائل على أنها أقل صراحة، واقل الزاما مما يفهمه الإسرائيليون. غير انهم لن يطرحوا موضوع نزع السلاح النووي الإسرائيلي في ظل الظروف الحالية في الشرق الأوسط، وان إدارات الولايات المتحدة لن تكون مترددة في تخليص المنطقة من الأسلحة النووية، في حال دخلت إسرائيل في اتفاق سلام شامل مع جيرانها، بما في ذلك إيران.

وقبل انعقاد مؤتمر دولي حول منع انتشار الأسلحة النووية، في العام 2010، كان نتنياهو قلقا للغاية، مرة أخرى، من احتمال تعرض إسرائيل لضغوط دولية لنزع سلاحها. وردا على ذلك، أدلى أوباما بتصريح عام يتماشى مع محتوى الرسائل السرية، دون الكشف عنها. فقد قال أوباما بعيد اجتماعه مع نتنياهو، في 6 تموز 2010: "لقد ناقشنا القضايا التي نشأت عن مؤتمر حظر الانتشار النووي، وأكدت لرئيس الوزراء أنه لا يوجد أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بهذه القضايا. إننا نؤمن بشدة أنه نظرا لحجمها وتاريخها والمنطقة التي تقع فيها إسرائيل، والتهديدات الموجهة ضدها، فان لها متطلبات أمنية فريدة، ويجب أن تكون قادرة على مواجهة التهديدات في المنطقة. وهذا هو السبب في أننا ما نزال ثابتين على التزامنا بأمن إسرائيل، ولن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل اتخاذ أي خطوات من شأنها تقويض المصالح الأمنية الخاصة بها".

اما المشهد المتوتر في الجناح الغربي للبيت الأبيض، فقد جاء في أعقاب انتقال "فوضوي" للملفات، من مستشاري أوباما إلى خلفه ترمب. لم يثق مستشاريهم ببعضهم البعض. ومن غير الواضح ما إذا كانوا قد ناقشوا الرسائل الإسرائيلية قبل تنصيبهم، وقبل استلام الملفات من اسلافهم.

ولذلك، عندما جاء السفير الإسرائيلي إلى البيت الأبيض للتحدث إلى مايكل فلين حول ترتيبات ترمب لتوقيع الرسالة، وجد مساعدي ترمب مرتبكين، وقالوا في البداية أنهم بحاجة إلى المزيد من الوقت. وقال المسؤولون الأمريكيون إن الإسرائيليين أرادوا حصر عدد المشاركين في مناقشة الرسالة الى اقل عدد ممكن، وانهم كانوا مصرين على إبقاء الرسالة السرية طي الكتمان التام.

وفي نهاية الامر، تراجع الأمريكيون. غير انهم اشتكوا من أن السفير الإسرائيلي تصرف كما لو كان يملك البيت الأبيض. وأطيح بفلين في ذات الليلة. ووقع ترمب على الرسالة في ذات الليلة، ليصبح الرئيس الأمريكي الرابع الذي يقوم بتوقع رسالة الولايات المتحدة لعدم المس بترسانة دولة الاحتلال النووية.

ومثل مستشاري أوباما، أثارت الأهمية التي يعلقها نتنياهو على توقيع خطابات الرؤساء الأمريكيين، بهذه السرعة، دهشة مستشاري ترمب أيضا. وقال كوهين إن القضية أساسية ولا تنازل عنها بالنسبة لنتنياهو، لأن الترسانة النووية تغذي "إحساسه بالإفلات من العقاب، والشعور بأن إسرائيل قوية للغاية، بحيث يمكنها أن تملي شروطها الخاصة في المنطقة، كما في خارجها".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي نيويوركر"

تصميم وتطوير