التعليم أهم أداة بيد الفلسطينيين في معركة البقاء

23.06.2018 04:31 PM

القدس- وطن: بعد خسارة الأرض، شكل التعليم بالنسبة للفلسطينيين مرتكزا أساسيا وأداة هامة في معركة الصمود والبقاء، التي خاضوها وما زالوا أمام عدو أراد لهم أن يكونوا "حطابين وسقاة ماء"، بعد أن اعتمد التجهيل كسياسة رسمية ترجمت بتدمير جهاز التعليم الفلسطيني ومؤسساته خلال النكبة، وإلحاق ما تبقى منه بجهاز التعليم الإسرائيلي الرسمي كشعبة ثانوية يشرف عليها "الشاباك" في إطار ما عرف بسياسة الضبط والسيطرة.

وخلال سنوات الحكم العسكري العشرين التي دامت حتى حرب 1967، كانت قلة قليلة من الفلسطينيين ترتاد الجامعات الإسرائيلية بسبب سياسة تضييق الخناق الاقتصادي، التي تمثلت في مصادرة الأرض كمصدر رزق أساسي نتج عنها حالة إفقار منقطعة النظير ترافق مع حصار سياسي وتحديد حركة التنقل، وصعوبة انتقال الطلاب بين المدارس والجامعات طلبا للعلم.

لقد تفاجأنا، نحن الذين اعتقدنا أن وضعنا سيكون أفضل من أهلنا في مخيمات اللجوء في الدول العربية، من الكم الكبير من المتعلمين، ذكورا وإناثا، بينهم وفي كافة دول اللجوء، وما شكله لهم من رافعة نقلتهم من بؤس المخيم إلى"نعيم" دول الخليج وحواضر الدول الذين يعيشون في كنفها.

وقد اكتشفنا لاحقا أن نسبة التعليم بيننا، نحن الذين بقينا في الوطن هي الأكثر تدنيا بين تجمعات الشعب الفلسطيني كافة، وتعزز هذا الشعور أكثر ونحن نرى الجامعات والصروح التعليمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين ما زالت مسألة إقامة جامعة عربية في الجليل تتراءى لنا حلما بعيد المنال.

كل ذلك يثبت أن سياسة التجهيل ليست فعل ماض ناقصا، بل هي فعل سياسي ما زال يمعن بمصادرة استقلالية جهاز التعليم العربي، ويغلق أبواب الجامعات الاسرائيلية أمام الأكاديميين والأساتذة العرب، ويحرمهم من تشييد مؤسستهم الأكاديمية الوطنية التي تترجم قدراتهم البحثية والعلمية إلى منتوج فكري وتشكل منارة لمجتمعهم.

في ضوء هذا الواقع فإن الإنجازات التي يحققها مجتمعنا في الآونة الأخيرة على هذا الصعيد، والتي تتمثل في ما يمكن اعتبارها طفرة في أعداد ونسبة الطلاب الملتحقين بالجامعات والمعاهد العليا في البلاد وخارج البلاد، تلك الانجازات تحدث، رغما عن، وبعد تخطي الكثير من الحواجز والعراقيل التي تنصبها السلطة لمنع الطلاب العرب من تحقيق حلمهم الأكاديمي، باللجوء إلى طرق التفافية مثل الكليات الأكاديمية ذات الأجر المرتفع، أو الدراسة خارج البلاد، وهي ظاهرة آخذة في الاتساع، وتشمل أساسا دراسة المواضيع ذات "الهيبة العلمية والاجتماعية"، مثل الطب والصيدلة، بتعبير د. قصي حاج يحيى.

حول موضوع التعليم العربي ودور التعليم خارج فلسطين، في ضوء واقع التمييز الذي يعانيه الفلسطينيون، أجرت "عرب 48" حواراً مع الدكتور قصي حاج يحيى الباحث في هذا المجال والمحاضر في كلية "بيت بيرل".

اتخاذ دراسة الطلاب العرب خارج البلاد كموضوع بحث، يؤشر قبل كل شيء إلى أننا أمام ظاهرة لها أسبابها وحيثياتها ونتائجها وتستحق الدراسة؟

لا شك أن الهروب إلى الخارج يشي أولا بوجود مشكلة في الداخل، وهذه المشكلة تنبع في سياقنا من كوننا "أقلية تعاني التمييزعلى أساس عرقي/ قومي، ما يغلق أمامها الكثير من الأبواب، وخاصة أبواب الجامعات والمعاهد العليا، وهو ما يضطر أفرادها إلى البحث عن أبواب أخرى مفتوحة خارج البلاد.

وقد بدأت عملية الدراسة خارج البلاد في وقت مبكر، حيث بعثت الكثير من العائلات الميسورة أبناءها للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حتى في عهد الحكم العسكري، جريا على تقليد فلسطيني ساد قبل النكبة أيضا، ولكن الظاهرة بدأت تتسع في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، بمحورين، الأول، هو المنح التي كانت تعطيها الدول الاشتراكية عن طريق الحزب الشيوعي الإسرائيلي والتي بلغت 60 منحة سنويا، والثاني، هو الدراسة في ألمانيا التي استقطبت في تلك الفترة مئات الطلاب.

 الدول الاشتراكية سابقا، قضية مفهومة ومحمودة وتندرج منحها في سياق سياسة دعم شعوب العالم الثالث والمساهمة في التنمية البشرية لديها، ولكن لماذا ألمانيا؟

ألمانيا كانت الوجه الآخر، أو الوجه الجميل للدول الرأسمالية، فيها يحظى الطالب بمجانية التعليم ويمكنه الحصول على منح دراسية، وهي تمنح حرية العمل للطلاب في العطل الدراسية، والأهم أنها ترتبط بعلاقات خاصة مع إسرائيل وعلاقات جيدة مع العالم العربي، وهي ما زالت إلى اليوم مستقبل ودود للغرباء واللاجئين.

لقد وصل عدد الطلاب العرب من البلاد في ألمانيا في نهاية السبعينيات ونهاية الثمانينات إلى أكثر من ألف طالب، وكانت ظاهرة تستحق الدراسة أجريت بحث البوست دكتوراة، التي قدمتها في جامعة تل أبيب، حولها وذلك في سياق التعليم العالي والهجرة والهجرة المؤقتة.

 ما زال التعليم خارج البلاد يحتل نسبة كبيرة، رغم ما يجري الحديث عنه من سياسة انفتاح في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية تجاه الطلاب العرب؟

 معطيات 18-2017 تشير إلىوجود 47 الف طالب عربي يدرسون في الجامعات والمعاهد العليا الإسرائيلية، وهم يشكلون 16% من مجمل الطلاب، علما أن نسبتنا في تلك الشريحة العمرية تتجاوز الـ 20% ما يعني أنه برغم الانفتاح وانتشار الكليات الأكاديمية و"شعبية التعليم العالي" لم نصل بعد إلى ما يعادل نسبتنا من السكان، علما أنه في كليات ومواضيع معينة مثل الطب والهندسة وغيرها تهبط هذه النسبة إلى أدنى المعدلات، كذلك الأمر في الألقاب المتقدمة – الماجستير والدكتوراه.

بالمقابل هناك 14 ألف طالب يدرسون في جامعات خارج البلاد (بضمنها الجامعات الفلسطينية)، معظمهم يدرس مواضيع نوعية أو ذات هيبة علمية واجتماعية مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة ومواضيع الطب المساند. ومن الجدير التنويه في هذا السياق أن العرب يرفدون المستشفيات والجهاز الصحي الإسرائيلي سنويا بعشرات وربما مئات الأطباء ومهن الطب المساند، بفضل الدراسة خارج البلاد، في حين ما زال امتحان القبول للطب "مور" يشكل عائقا أمام قبول الطلاب العرب لموضوع الطب في الجامعات الإسرائيلية.

كيف يتوزع الطلاب الدارسون في الخارج، وما هو نصيب الأردن والجامعات الفلسطينية؟

حسب إحصائيات 2013 كان 9300 طالب يدرسون في الخارج، منهم 5400 طالب في الأردن في حين يتوزع البقية على ثلاث دول رئيسية هي مولدوفا ورومانيا وأوكرانيا.

في السنوات الأخيرة بدأ عدد الطلاب في الأردن يتناقص لصالح زيادة في الجامعات الفلسطينية، حيث يدرس اليوم في الجامعة الأميركية في جنين 5400 طالب، وفي جامعة النجاح الوطنية في نابلس 1500 طالب، حتى بدأ البعض يتحدث عن جنونة التعليم (نسبة إلى جنين) وجميع هؤلاء يدرسون مواضيع الطب وطب الأسنان والطب المساند، كما أن جامعة الخليل تستقطب الكثير من طلاب النقب في مواضيع التربية والتعليم وكذلك دارسي الشريعة الإسلامية.

 يبدو من الأرقام التي تتحدث عنها أن العرب سيحتلون المستشفيات قريبا؟

 ليس بعد، فالإحصائيات تشير إلى أن العرب يشكلون 18% من الكادر الصحي الذي يضم أطباء وممرضين ومساعدين وغيرهم، علما أن النسبة بين الاطباء هي أقل من ذلك، ولكن يمكن القول إن الوزارتين الوحيدتين التين يتطابق فيها نسبة العاملين العرب مع نسبتهم من السكان هما التربية والتعليم والصحة.

وبالمجمل فإن فالعرب يتفوقون على اليهود ( المقصود تفوق عددي وفق نسبتهم من السكان) في ثلاثة مواضيع هي التربية والتعليم، حيث يوجد لدينا فائض عشرة آلاف معلم، وبدأنا نتفوق مؤخرا في الطب المساند- التمريض والفيزيوترابيا وغيرها، وفي العلوم الأدبية حيث تصل النسبة إلى 66% من مجمل الدارسين العرب.

 إذا، مع كل الزيادة الملحوظة في المهن الطبية وصلنا بالكاد إلى تطابق مع نسبتنا من السكان؟

 نعم، ولكن هناك دالة تصاعدية، وهناك إقبال كبير بين العرب على مواضيع الطب والمهن الطبية ونسبة كبيرة ( 60%) من الذين يدرسون في الخارج وفي الجامعات الفلسطينية يتخصصون في هذه المجالات، علما أن السنوات الأخيرة سجلت زيادة ملحوظة أيضا في مواضيع الهندسة والهايتك، حيث تفيد المعطيات أن 22% من الدارسين في معهد "التخنيون" هم من العرب، وبدون شك فإن تلك الزيادة هي نتيجة فتح تلك المجالات التي كانت مغلقة أمام عمل العرب لأبوابها أمامهم، وإن بشكل جزئي.

في الختام ما هو الاستنتاج الرئيسي الذي خلصت إليه من بحث موضوع دراسة الطلاب العرب في الخارج؟

 في غالبية البلدان هناك دولة هدف، وهي عادة ما تكون الدولة المستعمرة سابقا، فالليبيون يسافرون إلى ايطاليا والجزائريون إلى فرنسا، أما الطالب الفلسطيني فلديه هدف، وليس دولة هدف وهو مستعد للسفر إلى أي دولة في العالم لتحقيق حله وحلم العائلة، والأهم من ذلك أنه بعكس أبناء الأقليات والشعوب التي تتعرض لأوضاع شبيهة، يعود إلى وطنه بعد إنهاء تعليمه، وهو بذلك يشكل حالة فريدة تستحق الاحترام.

 

تصميم وتطوير