نادية حرحش تكتب لـوطن: لماذا ينتحرون ولا يستشهدون؟

23.06.2018 04:47 PM

تكاثرت في الآونة الأخيرة حوادث الإنتحار في قطاع غزة على وجه الخصوص. بالأمس، قصتين لانتحارين مريبتين. الأولى لشاب عشريني تزوج قبل شهور معدودة وانتحر الآن. والأخرى لمعتقل سياسي كان على وشك الخروج ولكنه انتحر.

لن أحاول تكذيب قصة أمن حماس في الإدعاء أنه انتحر. سأتوقف عند الموضوع على انه حادث انتحار. فلا داعي لمحاولة معرفة ما يجري في معتقلات الأمن الفلسطيني بين أجهزته في فتح وحماس. فالحمدلله ..كلاهما في التعذيب والتنكيل بالمواطن المعترض سواسية!

سأحاول التركيز في سؤالي المحوري. لماذا يقدم الشباب على الانتحار، في وقت يعرفون تماما أن هذا العمل يخرجهم من دائرة الآخرة بارتقاب جنة، والعيش في نار لا تقل جحيما عن عيش الدنيا.

لماذا ينتحرون وأمامهم فرصة الشهادة؟ فقناصة الاحتلال على بعد أمتار عن السياج في مسيرات أسبوعية.

في مرحلة العمليات الفدائية قبل أكثر من عقد، خرجت مقولات أن الكثير من الشهداء يخرجون إلى العمليات بدل الإنتحار. قد تكون حسبة كاسبة لمن يريد الإنتحار، يخرج بماء الوجه على الأقل في الدنيا كشهيد، وأمر انتحاره يكون بين يدي خالقه.

ولكن الآن، يبدو من الصعب استيعاب لجوء الشباب المتدين جدا في غزة، والذي يخشى المطوعين في الأماكن العامة ويضبط تصرفاته لإحكامها نحو طريق الآخرة، للإنتحار.

ما الذي كفر به هؤلاء الشباب؟
في السابق كانت فكرة الإنتحار عن طريق الإستشهاد ،إذا ما كانت حقيقة، مصاغة وأقرب إلى الفهم. فعندما تتساوى الحياة تحت الاحتلال بالموت ، يكون اختيار الموت من أجل آخرة يكون المرء فيها بمنزلة الشهداء، اختيار ذات منطق ، لمن يؤمن بأن الموت في سبيل الوطن شهادة تدخله الى الجنة.

ولكن ما الذي يجري الآن، عندما يتنازل هذا الإنسان عن دنياه وآخرته بضربة مميتة ومهينة. يعاقب فيها نفسه وعائلته ووطنه ودينه؟

شباب غزة هؤلاء الذين يقفون بكل بسالة أمام اضطهاد الاحتلال وخنق الحصار، بقوام مبتورة ليقولوا للعالم كلمة حق أمام باطل غاشم. لماذا ينتحر شبابهم وأمامهم فرصة الموت كشهداء أمام العالم؟

في الجهة المقابلة من الإضطهاد، عندما تعلن جهات الأمن في أجهزة حماس انتحار معتقل لديها ، كيف تروج لهكذا ثقافة؟ ثقافة مكروهة ومرفوضة من قبل الديانات جميعها وتنبذها الطبيعة أمام ما وهبنا به من حياة.

هل بات الإنتحار لهذا المعتقل أهون من العيش أمام ما رآه في الإعتقال؟
عندما نرى تزايد الانتحار في غزة ، فالمؤشر الواضح نحو انفجار بدأ لا يحتاج إلى تحليل.
عندما يصل الشاب إلى مرحلة لا يهتم فيها لما سيحدث له بعد الموت ، لا بد أن هذا الشاب عاش جحيما لا يمكن تحمله، ونار جهنم بالكاد يكون فيها تغيير بالنسبة لجحيمه المعاش.

عندما يفقد الشاب انتماءه لدين تربى وعاش وآمن به وكان جزء لا يتجزأ من تكوينه .
عندما يفقد الشاب شعور الأسى لمن سيترك وراءه من أحبة سيعيشون في عار الانتحار.
عندما لا يأبه الشاب بجسده الهالك وعدم الصلاة عليه وإقامة الجنازة من أجل راحة روحه.
عندما يختار الشاب أن ينتحر لا أن يستشهد في وقت الشهادة فيه سهلة ومتاحة.
فإن هذا أكثر هولا مما نتخيله.

ما يحاول هؤلاء إرساله لنا من رسائل.. نحن معشر البشر القابعون خلف جدار الحصار ولا نفهم منه الا بعض الشعارات، أن الموت بجحيمه الأكيد صار أرحم من الحياة.

لم يعد هؤلاء الشباب يشترون آخرة بسبعين حورية وجنات نعيم وأنهار من الخمور. لقد تركوا وعود الجنة مقابل شهادة متاحة في زمن يصدر فيها الحكام صكوك الغفران باسم الله.

لقد فقد الشباب هؤلاء ثقتهم بكل ما يمكن أن يربطهم بالدنيا والآخرة. يريدون قطعها نهائيا . كفروا بكل شيء .. حتى بعدل عاشوا حياتهم القصيرة ينتظرونه بآخرة.

ما يحدث مؤلم ، موجع ، مفجع.

حوادث الإنتحار هذه مصيبة أكبر من مصاب الحصار والاحتلال... الإنتحار يعكس حالة نذهب إليها ، بعضنا تداركها فانتحر.. وبعضنا كفر فألحد... وبعضنا خرج عن دينه وإيمانه وأدمن على التريموديل والسموم.. وبعضنا هج ورحل... وبعضنا رمى نفسه في قوارب الموت عل البحر يكون فيه نجاة من هشيم حياة الحصار.... وبعضنا رمى طوبة الوطن وأغلق على نفسه بيته وتنسك بانتظار موت رحيم.

ما يحاول هؤلاء قوله.. أنهم كفروا بمن يديرون هذا الوطن، وسيؤثرون على جحيم من رب البشر على استنزاف واستحواذهم لمماتهم كما استنزفوهم بحياتهم.

إنا لله وإنا إليه راجعون.
فلتكن رحمة الله عليهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير