مبادرة مجلي .. الطريق من غزة الى "سنغافورة" تمر عبر نزع سلاح المقاومة

01.07.2018 03:27 PM

رام الله - وطن:  ما زال سلاح المقاومة في قطاع غزة، في عين العاصفة ودائرة الاستهداف، وان اختلفت ادواته وتنوعت ادواته، سواء بشن الاحتلال لثلاثة حروب على القطاع، او بالمبادرات السياسية التي تهطل من كل حدب وصوب على القطاع مغرية اياه بالتحول للنموذج السنغافوري.

وشن الاحتلال في السنوات الماضية 3 حروب متعاقبة على غزة، تحت عنوان عريض ومعلن هو اجتثات سلاح المقاومة، لكنه فشل في ذلك، ليتم الاستعاضة عن فشله بمبادرات سياسية تدس السم في العسل .

ولطالما مرت على القضية الفلسطينية والمنطقة العربية مثل هذه المبادرات منذ عقود وكانت جميعها تهدف للاطاحة بسلاح منظمة التحرير، وما مشاريع روجرز وكيسنجر عن الذاكرة ببعيدة، الى ان وقع الفلسطينيون في شرك اوسلو، التي اغرتهم في الجزرة، فلم يحصلوا الا على بصلة كما قال الشاعر نزار قباني.

ومع ازدياد الحديث في الاوساط الاعلامية الاسرائيلية والدولية عن امكانية عقد هدنة طويلة بين قطاع غزة وحماس، بالتزامن مع توجه الادارة الامريكية لطرح صفقة القرن، في ظل تعثر المصالحة وتوقف الجهود لاستئنافها، بدأ النقاش في الصالونات السياسية حول مبادرة طرحها رجل الاعمال الفلسطيني عدنان مجلي، الذي التقى امس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في قطاع غزة.

المبادرة التي يروج لها مجلي لـ"تحقيق المصالحة الوطنية وترتيب البيت الداخلي" والتي وصفها على حد قوله بـ"الفرصة التاريخية" للشعب الفلسطيني تحمل في طياتها الكثير من الريبة وعلامات السؤال الكبيرة، وتعيد لتذكيرنا بالجزرة التي طالما تدلت امام عيون القضية الفلسطينية من اجل اختلاس ما يمكن اختلاسه منها.

ووضع مجلي من اجل تحقيق المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني طريقين يمكن المرور من خلالهما،  هما فتح باب منظمة التحرير أمام كل القوى الفلسطينية وفق شراكة وطنية تستند إلى انتخابات عامة أو إلى استطلاعات رأي مهنية محايدة أو أية وسيلة أخرى تتفق عليها الأطراف، وقيام حركة حماس بتجميد العمل في تطوير السلاح ووقف حفر الأنفاق والموافقة على تحويل كافة القوى والتشكيلات العسكرية في قطاع غزة إلى قوات أمن وطني تحت إدارة تامة من قبل الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تحظي بثقة الأطراف وتكون مهمة هذه القوات حماية القطاع من أي عدوان خارجي بحسب المبادرة.

وتبدو التساؤلات حول استهداف هذه المبادرة لسلاح المقاومة مشروعة لكل فلسطيني، لكن لماذا خصت مبادرة مجلي حركة حماس بالمقاومة فقط، على الرغم من ان حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية وبقية الفصائل تملك امكانيات عسكرية مختلفة، فهل تخصيص حماس بالمقاومة للتغرير بها واعطاءها حق القرار بهذا الملف، ام انه تعويل وظن منها انها قد تقبل بمثل هذه المبادرة.

وحسب مبادرة مجلي فأن على حركة حماس وقف تطوير سلاح المقاومة وتحويل كافة القوى والتشكيلات العسكرية في قطاع غزة إلى قوات أمن وطني تكون مهمتها حماية القطاع من اي عدوان خارجي، لكن السؤال هو بماذا ستدافع هذه القوات اما العدوان الخارجي اذا كان تطوير السلاح المحلي البسيط قد توقف في غزة، ام ان مبادرة مجلي ستضمن عقد اتفاقيات شراء اسلحة من دول العالم، وماذا عن الضفة الغربية، من سيدافع عنها امام اي عدوان خارجي، ام انها محصنة من ذلك، وللتذكير، هل يقصد مجلي بالعدوان الخارجي الاحتلال الاسرائيلي الذي يستبيح كل الارض الفلسطينية المحتلة.

ولم تكتف المبادرة بذلك، بل حملت في طياتها الكثير من المغالطات غير البريئة، حين وصفت قطاع غزة بـ"الجزء المحرر من الوطن"، متناسية ان الاحتلال يطبق بفكيه على القطاع ويفرض حصارا بريا وبحريا وجوي، وان صاحب المبادرة لم يكن ليصل الى القطاع دون تصريح واذن من الاحتلال.

ورسمت المبادرة الدور المطلوب نضاليا من غزة، بحيث سيكون دورها في المرحلة المقبلة  "مؤازرة النضال الوطني في الضفة الغربية مع الاتفاق على أن حاجة القطاع للسلاح لا تتعدى الأهداف الدفاعية"، وهنا يبدو الامر غير مفهوم في تقسيم نضال شعب واحد تحت الاحتلال، فهل دور غزة مؤازرة الضفة الغربية او العكس، ام ان يكون هناك برنامج نضالي موحد ومشترك ليس بين الضفة وغزة فقط، بل مع جميع الفلسطينيين في الداخل المحتل والشتات.

وتنطلق المبادرة من قاعدة مريبة حين تشدد على  "ان حاجة القطاع للسلاح لا تتعدى الاهداف الدفاعية"، فهذا يعني انها ترى ان سلاح المقاومة ليس للدفاع عن شعب محتل اعزل يعيش القتل والتهجير منذ 70 عاما، وانما للهجوم وهو ما روجه الاحتلال خلال السنوات الماضية، او انها تظن ان الماء الثقيل ومعامل تخصيب اليورانيوم تنتشر في احياء غزة كما تنتشر الشطة في بيوتها ، متناسية ان ما تملكه المقاومة من سلاح وامكانيات عسكرية استطاعت تطويرها خلال السنوات الماضية بعد ان كان الحجر هو سلاحه.

وفي الوقت الذي تفترض به المبادرة ان حركة حماس لديها قرار بعدم الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الاحتلال، تناست ان فصائل المقاومة رسخت في الايام الماضية معادلة "القصف بالقصف" وباتت ترد على كل اعتداء على غزة باطلاق الصواريخ، لكن لماذا وباي هدف تروج المبادرة ان حماس ملتزمة بهدنة مفتوحة مع الاحتلال في غزة؟

وفي خضم الحديث عن صفقة القرن، وما يصاحبها من تسريب لما تحتويه من فتات ستمنح للفلسطينيين، فأن مبادرة مجلي تطالب الفصائل بالاستناد الى " السياسة الواقعية الممكنة" وهي نفس السياسة التي اوصلتنا الى اوسلو، والان نحن على اعتاب صفقة القرن، وهذه "السياسة"  يجب ان تكون وفق " القواسم المشتركة بين مختلف القوى والفئات وحاجات ومصالح الشعب ومواقف الأطراف المؤثرة في الحالة الفلسطينية"، وهل من مؤثر في الحالة الفلسطينية اكثر من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية؟

ولطالما كان تحويل غزة الى سنغافورة جديدة، الجزرة التي دُغدغ بها الفلسطينيين منذ سنوات، ولم تغب هذه الجزرة عن مبادرة مجلي،   لكن اشترط ذلك بأمرين هما " الاستقرار السياسي والامني وهذا غير ممكن دون عودة السلطة إلى العمل بصورة تامة في القطاع وتحويل القوى والتكشيلات العسكرية فيه إلى قوات أمن وطني تحت سيطرة وإدارة الحكومة."

ولطالما ردد قادة الاحتلال ان يحولوا قطاع غزة الى سنغافورة، حيث قال وزير جيش الاحتلال افيغدور ليبرمان في 2017، انه "  يمكن جعل القطاع سنغافورة الشرق الأوسط إذا تخلى سكان القطاع عن حركة حماس أو إذا تخلت الحركة عن ميثاقها الداعي إلى القضاء على دولة إسرائيل وإذا أعادت جثماني الجنديين الإسرائيليين المحتجزين لديها."

وقال النائب عن حركة حماس النائب الحاج علي لوطن " ان السلاح هو الروح " ومن يفرط بسلاحه يفرط بروحه، وان الدعو لنزع سلاح المقاومة هو "كلام فراغ".

واكد الحاج علي ان كل ما يطرح هو لتخدير وخداع الفلسطينيين، مشيرا الى ان المقاومة في غزة تسمع كل ما يقدم، ولكن نحن نفهم سلفا ان ما يقدم ليس لصالح غزة وفلسطين، والهدف منه خدمة الاحتلال.

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حماس مصطفى الصواف لوطن ان ما الافكار التي طرحها مجلي هي حول جملة الاوضاع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وان طرح تجريد تطوير المقاومة هو مصطلح صهيوني ليس له صلة بالواقع الفلسطيني، لاننا شعب محتل ومن حقه ان يدافع عن نفسه بكل الادوات والمقاومة هي احد تلك الادوات.

واضاف الصواف ان ما طرحه مجلي لن يتم التوافق عليه ولن يكون مادة للحديث بين المقاومة، والمصالحة لها اصول وطرق تم الحديث عنها في اتفاقيات 2017، و 2011 ولكن حالة الخوف بين الطرفين حالت دون تنفيذها.

وتابع "ان ما يطرحه مجلي مجرد افكار ليس بالضرورة الاخذ بها او الموافقة عليها، وم حق اي انسان يطرح رؤية ولكن المهم ان الموافقة لن توافق على ما طرحه".

واضاف ان الحديث عن نزع سلاح المقاومة ليس اغراء بل هو قتل للمشروع الوطني، ولذلك لن يلتفت فيه، وان ما يطرح من اغراءات لتحسين الوضع الانساني ليس لها صلة لان القضية قضية وطنية وكرامة وشعب يبحث عن كرامة، وان الازمات التي يعاني منها القطاع هي ازمات مفتعلة ، ولذلك رفع الحصار مقابل اثمان سياسية مسألة لا بد يعاد النظر فيها لمن يريد ان يقدم طروح ومبادرات.

تصميم وتطوير