كلام في الديمقراطية في بلدان العرب!

06.07.2018 08:16 AM

كتبت: ثريا عاصي

لا أوافق المراقبين والمثقفين اللبنانيين والعرب في القول من خلال نظرة سطحية على الساحة اللبنانيّة، إن في لبنان ديمقراطية تعددية سياسية . الحقيقة هي أنه ليس في لبنان دولة واحدة وليس اللبنانيون متساوين في الحقوق وإنما يوجد في هذه البلاد عدة دويلات (إمارات لبنانية متحدة) طائفية وإقطاعية يحرص زعماؤها على تحصيل  حصة الطائفة أو الإقطاعة، حيث يتولى كل منهم  توزيعها على الانصار والمحاسيب بطريقة تدعم بقاءه زعيماً. بكلام آخر لا يوجد في لبنان دولة وطنية ونظام سياسي إلا إذا كان "نظام المقاطعجية" القديم معترفاً به في هذا الزمان . ليس صحيحاً أن في لبنان "ديمقراطيّة" تعكسها التعددية السياسية و"التعددية السيادية" كما يدعي بعض دعاة الكيانات الدينية .

أغلب الظن أن النظرة السطحية ذاتها على مستوى فضاء أوسع، قادت إلى إعتبار  "الثورات العربيّة" بأنها نتيجة طموحات جماهيرية خرجت هذه الأخيرة للتعبير عنها في مواعيد متقاربة كأنها استجابة لنداء، رغم طول المسافات الفاصلة وإختلاف الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، ولكن يا للأسف كما يقول أصحاب النظرة السطحية التي أشرنا إليها، جاء من استطاع أن يستولي على قيادتها وأن يبدل إتجاهاتها فتحولت طموحات الجماهير إلى عملية انتحار جماعي !

يحسن التذكير حتى لا نضيع في متاهات نظرية بأنه يمكننا إختصار العوامل الفاعلة في المجتمع العربي باربعة :
1- سلطة حاكم يدعي أحقية في السلطة مدى الحياة ولوريثه من بعده
2- سلطة دينية "دين الدولة الإسلام" واستطراداً  يجب أن يكون الحاكم مسلماً، هذا يتطلب فتوى توكيداً لشرعيته، علماً أن فتوى رجل الدين تـُنقض  بفتوى يصدرها رجل دين آخر فيظهر على الساحة حزبان متعارضان باسم الدين أو أكثر، أي ان كل منهما يكفر الآخر ويأمر بالجهاد ضده ضمنياً أو جهاراً نهاراً . بكلام أكثر وضوحاً وصراحة تظهر هذه السلطة الدينية من خلال العلاقة التي تربط بينها وبين سلطة الحاكم .
3- لا بد من أن يُحسب حساب أيضاً إلى عامل ناتج عن كون المجتمعات العربية مختلطة طائفياً ومذهبيا وإثنياً وهذه مسألة تختلف مقاربتها بمفهوم  رجل الدين  عن مفهوم  رجل الدولة الوطنية بناء على الفرق الجوهري بين دولة رجل الدين وبين الدولة الوطنية ! فالاولى هي دولة أتباع الدين أما الثانية فهى دولة المواطنين!
4- دور الدول الخارجية في المجتمع العربي من خلال الثغرات التي تخلقها حاجة الحاكم لها في "مجتمع ليس موحداً ومتوافقاً على مفهوم الدولة والوطن" بالإضافة إلى سعي رجل الدين إلى تقوية  نفوذه.

أكتفي بهذه التوطئة لا سيما أن الغاية من "فصول الربيع العربي" التي تكررت من بلاد إلى أخرى  إنطلاقاً من تونس حتى اليمن وسورية اتضحت وتكشفت معالمها إلى درجة كبيرة، فلا جدال أن القاسم المشترك بينها هو أنها تسببت بتدهور الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، أي أنها كانت على عكس "الطموحات الجماهيرية" ولكن بالرغم من ذلك لم ترجع  هذه الجماهير عن ضلالة، كأنها تنكر أن تكون صاحبة هذه الطموحات !

أعتقد أن الصورة سوف تظهر بجلاء اذا استعرضنا آلية بزوغ  "الربيع العربي" حيث لا أظن أنها اختلفت من حيث الجوهر، من بلاد إلى أخرى أو تأثرت بالأجواء السائدة فيها . هذا بحسب رأيي دليل على أن هذه الآلية جرى تشغيلها بواسطة العوامل الأربعة الثابتة التي ذكرناها أعلاه (سلطة الحاكم + سلطة رجل الدين + المجتمع المختلط + دور الدول الأجنبية)، بالإضافة إلى إني على يقين من أن المشغل هو نفسه كان حاضراً في جميع البلدان التي عصف بها "الثورات العربيّة" .

ووضعاً للإمور في نصابها أرتجع بشيء من التبسيط  والإختصار هذه الآلية إلى الأساليب والوسائل  التي كان بالإمكان ملاحظتها بصرف النظر عن  المكان :
1- تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن الحاكم  المنوي استبداله (باسوأ منه، حيث لم يكن الهدف إلغاء الدولة نهائياً، وتقسيمها وبالتالي خلق عدة مناصب حكم : البرزاني في العراق مثلاً) وذلك عن طريق كشف ملف الحاكم في الفساد والعربدة والمجون والبؤس الفكري، والسياسات العشوائية  والقمع  والسجون والتعذيب الخ بدرجات تتجاوز ما هو معروف عنه . هنا نذكر بمهزلة "ويكيليكس" التي أظن أن البعض أنخدعوا بها في حين أن البعض الآخر تظاهروا بأنهم أنخدعوا وصدقوا . كانت الغاية أظهار السلطة منفرة ومقززة تستحق الكراهية والمقاطعة على سلوك منحرف ومستغرب .
2- تفاقمت هذه الكراهية وهذا النفور من الحاكم نتيجة انضمام النخب أو  ما تبقى منها إلى الحملة ضد الحاكم حيث تحالفت هذه النُخب مع منظمات وحركات "المجتمع الأهلي"، مطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير، وبالإعتراف بحقوق المرأة ، وحق  العيش بسلام . لا بد هنا من الإشارة إلى دور الأشخاص الذين ظهروا دائماً على  رأس هذه المنظمات والحركات بعد أن خضعوا لدورات تدريبية في تنشيط وتوجيه ردود الفعل  الشعبيّة، في مؤسسات تمتلكها الولايات المتحدة الاميركية  في بلدان عديدة وتضع  في تصرفها  أمكانيات كبيرة .

3- كان ملاحظأ في البلاد التي حل فيها الربيع العربي أنه كان يوجد "فتيل" قابل للإشتعال، وعملاء مدربون في حقل الدعاية والعلاقات العامة، على إثارة الحدث وتضخيمه إعلامياً على الصعيد الداخلي ومن ثم نقله بالصوت والصورة  إلى وسائل الإعلام في الغرب التي بدت وكانها تنتظره ومستعدة لإستخدامه في حملات دعائية واسعة النطاق، تحريضا للراي العام الدولي بهدف  إعطاء دول "الثلاثي الغربي" التأييد والمصداقية  في تأدية "الواجب الإنساني الحضاري الغربي" في  دعم الديمقراطية الوليدة التي تنبت في صحاري العرب المُقحلة .

4- في موضوع المواد القابلة للإشتعال، او التي أستخدمت في قدح "نار الثورة"، نذكر البوعزيزي  في تونس، وارسال الحكومات الغربية عناصر تخريب إلى ليبيا (إلى بنغازي) وسورية التي سرت  فيها قصص كثيرة انطلاقاً من درعا، وفي مصر  قتل الشاب خالد السعيد في ظروف مثيرة للإستغراب وظهر كما هو معروف رجل إسمه وائل غنيم بالإضافة طبعاً إلى السيد محمد البرادعي  الحائز على جائزة نوبل للسلام، وهذه حازت على  مثلها الناشطة اليمنية في حركة الإخوان المسلمين توكل كرمان !

5- من المعلوم أن الغاية التي كانت الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى بلوغها هي تحريض  الجماهير الشعبية وايهامها بأن الثورة تفجرت على الحكم المسؤول عن الفقر والبؤس وأن الواجب يقتضي النزول إلى الشارع دعماً لها . ساعدها في تحقيق ذلك غباء اليسار الوطني أو مخلفاته وعمى السلطة، هذا ليس جديداً، وحركات "المجتمع الأهلي" التي أنشأتها الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت بحاجة للتظاهرات الشعبية وللفوضى العارمة لكي تعمل تحت غطائهما على إستبدال  حاكم سيئ بحاكم أسوأ لا يتررد في تنفيذ ما يطلب منه، وما سيطلب منه سيكون شديد الخطورة لا يقدم عليه إلا حاكم أهوج قليل التجربة والحيلة.

6- لم تكن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في أوروبا يخشون الجماهير التي تحتشد في الساحات العامة وأمام المساجد ومرد ذلك إلى أن الثلاثي الغربي كان متحالفاً مع الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية المتفرعة عنهُم، وهؤلاء مدربون ولديهم خطة عمل والسلاح اللازم، بالإضافة طبعاً إلى أن هذا الثلاثي يمسك كلياً أو جزئياً بالجيش.

تجسد ذلك بأن الجيش التونسي عزل الرئيس بن علي وأجبره على التوجه إلى السعودية، وفي ليبيا انشق الجيش وأحرق الإسلاميين قائد الجيش المنشق عبد الفتاح يونس وتدخلت قوات الحلف الأطلسي كما هو معروف إلى جانب الجماعات الإسلامية . أما في مصر فلقد تحالف الجيش والإخوان قبل أن يتفرد الجيش بالحكم . ولا جدال في أن الإخوان المسلمين كانوا رأس الحربة ضد سورية حيث جاء لنصرتهم المرتزقة وجيوش الجيران وقوات التحالف الدولي، أما عن العراق فحدث!!

هذه بالخطوط العريضة قصة الثورات العربية، التي لم تكن بالقطع تعبيراً عن طموحات الجماهير العربية أو بمبادرة منها، ولا أعتقد أنها فاجأت الأميركيين والأوروبيين الذين شاركوا فيها، بالضد من مزاعم الذين ينسبون عادة "الإنتصارات" او "نصف الإنتصارات" إلى أنفسهم .  مجمل القول أن هذه الثورات أعادت البلدان التي عصفت بها إلى عصر الحجر وهذا كما هو معروف هدف من أهداف "الثلاثي الغربي "!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير