نادية حرحش تكتب لـوطن: سمك – لبن – تمر هندي

15.07.2018 10:37 PM

التحالف السعودي يرتكب مجزرة جديدة في اليمن، وفرح ليمني في العاصمة الأردنية يشارك في إحيائه إسرائيلي ـ يمني. والجمهور العربي يحلل مباريات المونديال، بينما يتوغل اردوغان بطموحه إلى الشام والعراق، هكذا بدأ موسم المونديال، وانتهى بفوز غير مفاجئ لفرنسا ليحطم أحلام العرب من جديد بفوز كرواتيا.

يعني هناك الكثير مما يمكن ان يقال عن كرواتيا بالإضافة إلى رئيستها الحسناء، بالنهاية نحن مع الشعوب المسحوقة الى آخره، وكرواتيا حالها كحالنا .... هكذا نحلم... المهم خسرت كرواتيا.

علنا نرجع الى الواقع.

غزة يتم دكها منذ يومين، ونعد الشهداء ونسمع عن القصف ولغزة أهلها ...متعودون على تحمل القصف والموت، فماذا هناك الحصار بعد؟

لم تعد المآسي الحقيقية هي ما يشغل بال الشعوب العربية، يبدو أن الأمتع لها هو الجلوس أمام شاشات التلفاز، متخيلين أنفسهم على مقاعد الجماهير المتابعة للمونديال، فينتصرون ويهزمون ويغضبون ويفرحون لكل ما لا يمت لهم بصلة، الا بقائهم كسلع استهلاكية.

في حمى المونديال، والتي تأتي بعد انتهاء حمى المسلسلات الرمضانية، وضع السبات لم ينته من قبل المتابع العربي، الا أننا أصبحنا جميعا محللين ونقاد وخبراء بين الملاعب الرياضية واستوديوهات الأعمال الفنية.

يحدث كل هذا، بينما تستمر السعودية وتحالفها العرباني الأمريكي بقتل الشعب اليمني وتدمير ما تبقى من عمران وبنيان وحضارة، اجتياحات ومحاولات لاحتلال اليمن واستنزافها حتى آخر طفل فيها على ما يبدو، ونحن بالكاد نعلق، فعيوننا محدقة في محطات الترفيه بين رياضة ومسلسلات.

في غزة يستمر الشعب المحارب نحو رمقه الأخير في الوجود بالصمود، وتتعزز القيادات بين تفكيك ومحاولة للاستيلاء على حكم سلطوي يأكل ما تبقى من وطن على مأدبة أمريكية صهيونية عربية.

في الضفة، يخرج الحراك الشعبي ويضبط وتوزع الماء والأعلام من قبل الأمن ، وفي المقابل يفصل صحافيين وتقمع حريات وتهاجم المؤسسات ويخون الشعب غير المنتمي للفصيل الحاكم.

تحارب ألمانيا بقوة ماكيناتها من أجل بقائها في المونديال، ويخرج العرب على حسب قدرتهم، وتحول التجربة إلى مهزلة تضاف إلى تاريخ العرب المهين.

تخرج الأرجنتين بهزيمة نكراء، وتتلوها الفرق الكبيرة متلاحقة.. تتموضع إيران بتحدي لا منتهي، وتنتهي.

تصنع قوى جديدة ويخرج لاعبون لمستقبل كروي قادم ، ومحمد صلاح يتحول إلى إلى مصاب.

نتحول في التشجيع من استقواء إلى احتواء وتبرير للهزائم الواضحة، وينتهي أملنا بانطفاء توقعاتنا التي تشتعل وتنطفيء كما الالعاب النارية التالفة.

نرجو فرحة في انتصار مستحيل في كرة القدم، وننسى الإضطهاد والقمع ، والغلاء والجوع، والحرب والظلم، ونرتفع بأبصارنا نحو ملعب لكرة القدم لا يقدم الا لأصحابه ولا يؤخر إلا من تركيزنا على واقعنا المشتت.

يتقدم العالم الي الأمام، بالرياضة، وبالفن، وبالسياسة، وبالعلم، وبالثقافة، وبالصناعة، والعرب حتى بمنتخباتهم الرياضية يرجعون بأنفسهم وبالتاريخ الى الوراء.

نشجع ألمانيا ام البرتغال ام الدنمارك، ونتراهن على من سيحمل اللقب، اسبانيا، هولندا او صربيا ربما هذه المرة؟ ففاجأتنا كرواتيا بتأهلها الملفت، ورئيستها البطلة، وقصصها الخيالية، وصورها بالمايوه.

الدول كلها بشعوبها تنافس على وجودها الا نحن، متمسكين بموقعنا الرجعي في كل شيء، إذ نبالغ في فرحتنا فيكون مصابنا جلل عند الخسارة، ونستفيض بالأمل فيطفح بنا الخذلان فيخنقنا، ونطير في الحلم فيرطمنا الواقع على الأرض.

كوشنر يبدأ بإعلان مفرزات صفقة القرن.. جريدة القدس تتصدر الحدث.. تتفرد بالحديث مع كوشنير ...يا للشرف!! ، وعريقات لا يزال يندد وينادي بإطاحة صفقة القرن، ويعلن أن امريكا لم تعد وسيطا نزيها. تخبط سياسي لا يتغير عن فراغه وعلله وقصر النظر فيه والإستدامة على التنديد والضوضاء كردود أفعال.

والرئيس الفلسطيني يخرج من وعكته الصحية ويؤكد لنا المقربون على تأكيد حضوره لركب الحشود الى روسيا والمباراة النهائية لتشجيع الدولة الرابحة القادمة، ويهنئ فرنسا مباشرة من ملاعب المونديال.

اردوغان يسيطر بالانتخابات على تركيا ويعلن زحفه نحو حلم السلطنة العثمانية المديدة، ونحن نرحب أو نندد بمزايا وشخصية اردوغان.

انتصاره وكأنه انتصار لنا ، كما هو خسارة مدوية لنا، معتمدين بالطبع على الصف الذي نقف فيه من حيث المشاهدة. علماني أم اسلامي، ما يهم انه استمر الى الأمام وكسب انتخابات ونحن في سلطتنا لا نزال نلعب في بطاقات الرئيس المحتمل القادم.

تنافس وتوزيع ادوار محتملة، حل للمجلس التشريعي غير المفعل ، ونقل صلاحياته للمجلس المركزي. طبعا ليس من الضروري فهم اي مجلس مركزي واي مجلس وطني، فالسلطة يختلط فيها كل شيء.

سوريا تسير قدما ، تستمر في حربها ضد ما اجتاحها من مؤامرات وارهاب وقوات وهجوم، ونحن نتابع المونديال ونشجع فريق لأن أحد لاعبيه سوريين، هكذا ندعم سوريا.

حرب طاحنة تدور، وسوريا برئيسها وجيشها وشعبها الصامد تقاوم ، ولا نزال نندد بدكتاتورية الأسد.

في وطني يقتل المعتقلون ويختفون، ويفصل الصحافيون وينكل بالمواطنين وتوزع المناصب وتحتكر الوظائف والأموال ونندد بدكتاتوريات الدول، ويختطف الأطفال، وتسرق المقابر، ويهود تراثنا أمام أعيننا.

نحلل وننتقد. ننتمي ونعترض. نمشي في حراك ونعتصم على دوار، والحال لا يتغير ، بصوت هافت يقمع إذا ما علا، الا صوت تشجيع الفرق في المباريات.

الدول بفرقها تمثلنا وتعبيء وجداننا وتشعرنا بنشوة الإنتصار، فبالمونديال أمل من لا أمل له من شعوب المتفرجين المستهلكين. نحن تماما كما خلطة الفيلم المصري سمك- لبن- تمر هندي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير