اتفاقية "سيداو" مرحلة متقدمة في نضال المرأة لتحقيق المساواة

المرأة الفلسطينية ومعيقات تطبيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"

31.07.2018 10:08 AM

كتبت: منى الخليلي

امينة سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية

منسقة الائتلاف النسوي الاهلي لتطبيق اتفاقية سيداو في دولة فلسطين المحتلة

شكل انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيدوا" في الأول من نيسان عام 2014 دون إيراد أي من التحفظات على موادّها، والوعد الذي قطعته الحكومة  الفلسطينية بالانضمام الى البروتوكول الاختيارى للاتفاقية، يمثل التزاما بالمساواة  بين المرأة بالرجل، ووقف كافة أشكال التمييز ضدها. وشكلت اداة هامة وغير مسبوقة في تاريخ نضال المرأة الفلسطينية من اجل المساواة، كما أنها تشكل أيضا محطة كبيرة من اجل رفع وتيرة الضغط والتأثير تجاه قضايا المرأة والمطالبة بحقوقها المختلفة. حيث ان تبني دولة فلسطيني للاتفاقية "سيداو" يلزم الدولة بوضع آليات محددة وواضحة لتنفيذها لتصبح مساءلة من قبل مؤسسات المجتمع الدولي عن مسؤولياتها وواجباتها تجاه مساواة المرأة، وحماية حقوقها في كل مجالات الحياة.

ولكن بالرغم من هذا الالتزام لدولة فلسطين الا اننا نواجه تحديات كبيرة لجهة تنفيذ اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في ظل استمرار منظومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي وعدم وفاء دولة الاحتلال بتعهداتها، وعدم تطبيق ما وقعت عليه من اتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم التزامها بقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، ومواصلة ممارسة سياساتها الاستعمارية الاستيطانية الممنهجة من عمليات التطهير العرقي والفصل العنصري "الابراتايد" والعقوبات الجماعية بما في ذلك مصادرة وسرقة الأرض والموارد، وهدم المنازل والتهجير القسري، وبناء جدار الفصل العنصري ، وارهاب وعنف المستوطنين ضد ابناء شعبنا المدنيين الآمنين وخاصة من النساء بحماية وحصانة مطلقة من قوات جيش الاحتلال، والاعتداء على المقدسات المسيحية والاسلامية، وحرمان النساء من اداء الطقوس والشعائر الدينية بسبب سياسة تهويد وعزل مدينة القدس ، والحصار التام على قطاع غزة لاكثر من 11 عاما، والعدوان العسكري على القطاع والمتكرر الذي برز في أبشع صوره خاصة  في الأعوام 2008 ،2012 ،2014، وعمليات إطلاق الرصاص المستمرة ضد المواطنين منذ مطلع مارس 2018 مما أوقع الآلاف من الضحايا من الجنسين شهداء وعلى وجه الخصوص من الاطفال، وتشريد أكثر من نصف مليون فلسطيني/ة،  جرح عشرات آلاف الجرحى الذين تحولت جراح المئات منهم إلى إعاقات دائمة، بالإضافة لما خلّفه ذلك من دمار كبير في المباني والممتلكات الخاصة والعامة والبنية التحتية والأراضي الزراعية والمشاريع الصناعية والتجارية.

ان سياسة الاحتلال الإسرائيلي هذه أدت الى إعاقة المسار الطبيعي للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما اعاقت عملية استقرار عمل المؤسسات الرسمية وغير رسمية الفلسطينية ذات الصلاحيات السياسية والتشريعية للقيام بالمهام المنوطة بها، الامر الذي انعكس سلبا على النساء، وأدى الى إبقاء قضاياهن في أسفل سلم الاولويات، مما أدى إلى الفصل ما بين النساء الفلسطينيات في أطر قانونية مختلفة تبعا لواقع السيطرة السياسية لكل منطقة جغرافية.

كما أن عدم احترام دولة الاحتلال الاسرائيلي لاتفاقية السلام والاتفاقيات الدولية أثّر بشكل كبير على برامج وخطط فلسطين في الوفاء بالتزاماتها لتطبيق معاهدات حقوق الإنسان بوجه عام، و بوجه خاص على واقع المرأة وقدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي واستمراره بممارسة القمع والعدوان، بما في ذلك تحملة مسؤولية إعاقة حق النساء في التنقل والسفر والصحة والتعليم وحقوق المواطنة وجمع شمل العائلات الذي يتناقض مع التوصية 30 الصادرة من لجنة سيداو. وبناء على هذه التوصية العامة نطالب لجنة "سيداو" بدعم مطلب النساء الفلسطينيات بتوفير حماية دولية لهن الى حين تطبيق قرارات الشرعية الدولية   ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. وانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي الفلسطينية التي احتلت في الخامس من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبناء على ما تقدم، تدور الكثير من التساؤلات حول مصير العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وإمكانيات تطبيق بنودها ونصوصها على واقعنا الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. وربما تدور بعض التساؤلات أيضا حول الجدوى من هذه الاتفاقيات في ظل رفض إسرائيل وإصرارها على ضرب كل هذه الاتفاقيات بعرض الحائط، والاستمرار في انتهاكاتها المختلفة تجاه الشعب الفلسطيني.

أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كاملة عن توفير الحماية والأمن والسلم للنساء الفلسطينيات، وتحقيق العدالة والمساواة لهن عبر العمل والتأثير على مختلف المستويات من اجل وقف أية انتهاكات لحقوق النساء أولا، وثانيا توفير الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكفل لهن العيش في بيئة آمنة تتيح للنساء تطوير دورهن وتعزيز مكانتهن وتحقيق العدالة والمساواة..

ونحن اليوم في مقر مجلس حقوق الانسان واللجنة المعنية بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الأخذ بالتوصيات الواردة في تقرير الظل لتطبيق اتفاقية "سيداو" في دولة فلسطين المحتلة الذي جرى اعداده بدقة وموضوعية وشفافية عالية بهدف الكشف عن واقع المرأة الفلسطينية ومكانتها القانونية والمجتمعية. ونطالبكم الضغط على دولة الاحتلال وإلزامها بالاتفاقات الموقعة وقواعد القانون الدولي وانهاء الاحتلال لتمكين دولة فلسطين من الوفاء بالتزاماتها إزاء إزالة التمييز ضد المرأة خلال السنوات القادمة.

ان مسؤولية إسرائيل كدولة احتلال تجاه النساء الفلسطينيات بموجب الاتفاقية، هي المسئولة عن الأمن الإنساني للمجتمع الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال بناءا على الاتفاقيات الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

ومع التقدم المحرز في دولة فلسطين في الانضمام الى الاتفاقيات الدولية فهي مطالبة العمل على بناء سياسات وطنية تأخذ بالاعتبار توفير الحماية للمرأة الفلسطينية، ووقف التميز والعنف ضدها، وضمان حقها في المساواة وتكافؤ الفرص، وتوفير بيئة قانونية ومجتمعية مواتية لزيادة مشاركة المرأة في الحياة  العامة والسياسية وصنع القرار دون تمييز،ووصولها للخدمات الأساسية دون تمييز، ووضمان أوسع مشاركة لها في سوق العمل.

ومن منطلق حرص الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وائتلاف النسوي الاهلي لتطبيق اتفاقية سيداو في دولة فلسطين، ونضال المرأة الدائم على مدى سنوات نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر الوطني من الاحتلال الاسرائيلي والتحرر الاجتماعي. المطلوب من دولة فلسطين سرعة العمل على موائمة القوانين المعمول بها في دولة فلسطين وخاصة قانوني الأحوال الشخصية وقانون العقوبات الفلسطينيين مع مضامين اتفاقية "سيداو".

حيث هناك فجوة واسعة جدا في القوانين الفلسطينية، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل وفجوة بين القوانين ذاتها في قطاع غزة والضفة الغربية، وبالتالي نحن اولا بحاجة لتوحيد هذه القوانين ومن ثم موائمتها مع نصوص اتفاقية "سيداو".

والسؤال الذي يطرح نفسه حول نجاح تطبيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في دولة فلسطين المحتلة وما يدور هنا حول إمكانية تحقيق المساواة للنساء الفلسطينيات في ظل واقع الاحتلال والقهر والمعاناة وانتهاك الحقوق الذي تعيشه النساء، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو من داخل المجتمع الفلسطيني نفسه. ومما لا شك فيه أن الإجابات يمكن أن تتراوح بين السلبية المطلقة واليأس من إحداث تغيير، والاستسلام للواقع. وبين التفاؤل ورؤية الواقع والإمكانيات المتوفرة من اجل تغييره، وكيفية القيام بهذا التغيير.

التوصيات العامة المقدمة من ائتلاف النسوي الاهلي لتطبيق اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة "سيداو":

بناءا على المعطيات التي تم ايرادها في هذه االورقة فاننا نطلب:

اولا: من المجتمع الدولي:

التوصية 1: العمل على توفير الحماية الدولية للمرأة الفلسطينية من انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي ضدها.

التوصية 2: محاكمة ومحاسبة دولة الاحتلال الاسرائيلي على جرائمه الذي يرتكبها ضد الشعب والمرأة الفلسطينية.

ثانيا: المطلوب  من دولة فلسطين العمل على القضايا الجوهرية الاتية لضمان حقوق وكرامة النساء والفتيات الفلسطينيات على اساس المساواة والعدالة :

التوصية 1: التزام دولة فلسطين بتعديل وتغيير التشريعات ووضع السياسات بما ينسجم مع ما ورد في اتفاقية "سيداو".

التوصية 2: التزام دولة فلسطين بعمل مسوحات وإحصائيات خاصة بالتمييز والعنف الموجه ضد النساء والفتيات وذوات الإعاقة.

التوصية 3: حث دولة فلسطين المصادقة على البروتوكول الاضافي لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة  والاعتراف بالاتفاقية في القانون الاساسي بنص واضح وصريح.

التوصية 4: نشر المصادقة على الاتفاقية في الجريدة الرسمية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير