نظرة اعلامية

لماذا ارتفعت وتيرة الاهتمام الاعلامي بعهد التميمي ؟؟

03.08.2018 06:57 AM

( سيلفي) - حسام عزالدين:

حظيت الطفلة عهد التميمي من قرية النبي صالح باهتمام اعلامي كبير، خاصة على الصعيد الدولي، في حين لقيت قضية الاهتمام الاعلامي هذا بانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي المحلية.
وكي لا يفهم المتلقي بشكل مغاير، فان الانتقادات لم تكن توجه الى عهد بقدر ما كانت موجهة الى وسائل الاعلام بشكل عام، ومحور هذه الانتقادات تمثل في سؤال  " اذا كانت وسائل الاعلام مهتمة بهذا القدر العالي بقضية عهد التميمي، فلماذا لم تركز ذات الوسائل على قضايا معتقلات ومعتقلين اخرين؟".

وقبل الخوض في اسباب هذا الاهتمام، لا بد من الاتفاق على ضرورة اخراج الطفلة عهد من دائرة الانتقاد، بمعنى التركيز على ان الجدل الدائر هو حول تعامل وسائل الاعلام مع القضايا الانسانية للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، بحيث بدا ان وسائل الاعلام، بخاصة الدولية تعاملت بمكيالين حينما ركزت على قضية عهد التميمي بشكل اكثر من قصص اخرى، وان القضية ليست عهد  التميمي الطفلة التي ترفض الاحتلال منذ صغرها، وكانت محظوظة بان كثير من جدالها مع قوات الاحتلال منذ ان كانت طفلة تم امام الكاميرة.

من المتحمسين في الانتقاد، من يشير الى قصص تعرضت لها فتيات ونساء لقمع الاحتلال ولم يتم التركيز عليها مثلما تم التركيز على قصة عهد، فالشابة سارة ابو داهوك على سبيل المثال تعرضت لاعتداءات قاسية جدا حينما اعتقلت وعنفت من قبل قوات الاحتلال امام الكاميرات حينما قيدت وضربت واقتيدت الى الاعتقال، لكن الشابة البدوية السمراء لم تحظ بما حظيت به عهد التميمي.
اسراء جعابيص (31 عاما) ، الام، تعرضت لانفجار في مركبتها وشوهت ملامحها، واعتقلت ولا زالت تقف امام محاكم الاحتلال، ولم تحظ بما حظيت به عهد التميمي.
ياسمين ابو سرور( 20 عاما )  التي اطلق سراحها في ذات اليوم الذي اطلق فيه سراح عهد التميمي، ومن المنتقدين من قال بان وسائل الاعلام تناست الفتاة ياسمين  التي قضت نفس المدة من الاعتقال التي قضتها عهد، وتوجهت   لتغطية اطلاق سراح عهد التميمي.

خالدة جرار ، النائبة في المجلس التشريعي، التي تعرضت للاعتقال اكثر من مرة، ولم يشفع لها عضوتها في المجلس التشريعي بهالة اعلامية مثلما كان حال عهد التميمي.
وقد يكون هذا الجدل بحد ذاته، احد اسباب تركيز وسائل الاعلام الدولية على عهد التميمي اكثر من غيرها، حيث دار نقاش مع صحافية من بولندا تسأل عن قضية عهد، وقالت متسائلة عن سبب الاهتمام العالمي بقضية عهد اكثر من غيرها من المعتقلات الفلسطينيات.

في ردها على سؤال عن سبب الاهتمام الاعلامي بقصتها لم تجد عهد نفسها اجابة واضحة عن ذلك، وقالت في مقابلة مع وكالة فرانس برس بانها لا تعلم سبب الاهتمام الاعلامي هذا " لكن يبدو انه لاني كنت منذ صغري وانا اواجه جنود الاحتلال".

نشطاء حول المنزل منذ سنوات وبمختلف اللغات  !!!

منذ العام 2009 ، اي منذ ان كان عمر عهد 9 سنوات، بدأت مسيرات يوم الجمعة في النبي صالح، وكانت غالبية المواجهات تقع بالقرب من منزل عهد المحاذي للتلة المطلة على نبع للمياه سيطر عليه  مستوطني حلميش وقتها، وكانت الغاز المسيل للدموع يصل منزل عائلة باسم التميمي، والد عهد، والذي كان حظي بنصيب من الاعتقال والاقامات الجبرية.
وهذه البيئة التي احاطت بعهد منذ ذلك الحين، وتصدرها مقاطع للفيديو بثها نشطاء، اوجد لديها حب البقاء والمشاركة في كافة المسيرات، بحيث بات يعرفها غالبية الصحافيين الذين قاموا بتغطية احداث النبي صالح.
فتح والد عهد ، باسم التميمي، بيته لنشطاء شبان من مختلف الجنسيات، ومنهم  اسرائيليين، وباتوا على دراية بالمنزل، بل وتربطهم علاقات جيدة مع افراد العائلة في ذلك المنزل.

هؤلاء النشطاء، ومن مختلف الجنسيات، طبعا اضافة الى نشطاء محليين، اوجدوا خلال السنوات الماضية شبكة هائلة من الاتصالات مع مختلف انحاء العالم، وبمختلف اللغات ايضا، وباتت عائلة التميمي تحظى شهرة بين بلدان هؤلاء النشطاء، اضافة الى ان سكان قرية النبي صالح البالغ عددهم حوالي 700 نسمة هم جلهم من عائلة التميمي.
نقل هؤلاء النشطاء مقاطع فيديو لعهد وهي تعاند جنود الاحتلال حينما اعتقلوا والدتها ناريمان حيث كانت عهد في العاشرة من عمرها، ونقلوا ايضا صورة عهد وهي تعض جندي اسرائيلي  في يده لتخليص شقيقها  محمد  من يديه.
ولم يكن لمقاطع الفيديو هذه ان تصل لولا النشطاء الاجانب الذين باتوا معروفين لأهالي قرية النبي صالح، ومنهم الناشط الاسرائيلي جوناثان بولاك.

مر يومين على نشر مقطع الفيديو الذي تسبب في اعتقال عهد، ، ونشر من قبل نشطاء، قبل ان تتنبه قوات الاحتلال للفيديو، ومن ثم اعتقالها ليضيفوا للمشهد مقطع اخر جديد، وهذه المرة اعتقال طفلة من منزلها ليلا، والسبب الفيديو الاول الذي نقل على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تصفع احد جنود الاحتلال امام منزلها.

فقضية  الاهتمام الاعلامي  في عهد التميمي،  لم تكن وليدة يوم اعتقالها او يوم اطلاق سراحها، بل هي تراكمية منذ تسع سنوات، وتسبب فيها نشطاء اجانب مصدقون  لدى دولهم  اكثر من الاعلام الفلسطيني المحلي والرسمي، للأسف.
تواصل اهتمام النشطاء والاعلاميين الاجانب في قضة عهد، حتى وهي تقف امام المحاكم الاسرائيلية، هي ووالدتها، وتم متابعة قضيتها اولا بأول، وبالتالي نقلت جلسات المحاكم ايضا الى دول عديدة من خلال النشطاء الاجانب.
وقبل اطلاق سراح عهد ووالدتها بأيام، واصل النشطاء، وبمختلف اللغات، في التحضير ليوم اطلاق سراحها ووصلت رسائلهم الالكترونية الى مختلف انحاء العالم  ووسائل اعلامه الناطقة بمختلف اللغات، وهو ما تسبب بحالة من الاكتظاظ  الاعلامي الهائل امام منزلها يوم اطلاق سراحها وعلى مدار ايام، ووصلت الصحافة الاسبانية والالمانية واليابانية والفرنسية والامريكية والبريطانية والصينية ...... الى ساحات منزلها تنتظر موعدا من نشطاء فلسطينيين واجانب لتحديد موعد للقاء الطفلة التي باتت رمزا للنضال الفلسطيني لدى دول وسائل الاعلام هذه، اضافة الى شخصيات اعتبارية وصلت من مختلف انحاء الضفة الغربية لالتقاط صور مع " البطلة الصغيرة".

ليس ذلك وحسب، فقد اوضح عاملون لدى وكالات  انباء اجنبية ان وكالاتهم طلبت منهم العمل منذ ساعات الفجر الاولى من يوم اطلاق سراحها ( الاحد) وبعثت بهم  الى حاجز جبارة في طولكرم وحاجز رنتيس، وبشكل اربك سلطات الاحتلال التي غيرت طريقها واقتادت عهد في جيب عسكري لتلقي بها امام قريتها في النبي صالح.
وعلى ما يبدو ان حرب معلوماتية سادت بين النشطاء الذين تولوا متابعة اطلاق سراح عهد وسلطات الاحتلال، وهو ما تسبب في تكرار  انتقال وسائل الاعلام  واهل عهد ما بين حاجزي جبارة ورنتيس على مدار ساعات.
فما تسبب في ارتفاع  الاهتمام الاعلامي الهائل في قصة عهد لم تكن عهد نفسها، وان كانت هي سيدة الحدث، بل كان النشطاء الاجانب وسرعة وجودة اتصالاتهم مع مختلف دول العالم، وتوالي الاهتمام بقصتها منذ صغرها.

عندما نتحدث لبعضنا البعض لن يسمعنا احد غيرنا !!!
هناك اتفاق بأن كثير من القضايا الانسانية  المؤثرة جدا الناجمة عن  الاحتلال، وقد تكون  اكثر انسانية من قضية عهد التميمي، لم تحظ باهتمام اعلامي عالمي، والسؤال المهم، لماذا لا يتم تسويق مثل هذه القضايا اعلاميا وعلى المستوى الدولي؟؟.
فلماذا لم تسوق قضية الأم  جعابيص ، ولا ابو داهوك، ولا ابو سرور ولا حتى جرار مثلما  تم تسويق قصة التميمي؟؟.
الاجابة على هذا السؤال تتمحور حول قضية يعاني منها الاعلام الفلسطيني المحلي، والمتمثلة في اهتمامه بالحديث مع نفسه اكثر من الحديث مع العالم الخارجي، تحت تأثير التحريض الداخلي، وهذا الامر ما لم يفهمه كثيرون بان الرأي العام الفلسطيني ليس بحاجة الى تكرار قصص الاحتلال كونه يعيشها ويعرف تفاصيلها اكثر من وسيلة الاعلام.
ومن يحتاج  التعرف على هذا القصص هو الرأي العام العالمي، وفي هذا الجانب نعيش قصورا هائلا سواء من حيث ضعف القدرة على الاتصال العالمي، او فقدان ثقة العالم الخارجي بلغتنا الاعلامية المحلية المهنية.


لماذا الانزعاج ؟؟؟

كثير من التعليقات  حملتها شبكات الانترنت، او ما اصطلح عليه ب" التواصل الاجتماعي" وكونها احدى وسائل الاعلام العصرية، فقد انتقدت الاهتمام الاعلامي الهائل بقضية عهد،  باتت  التعليقات تفسر على انها تقول " يكفي هذا الاهتمام" وكان هذا الاهتمام الاعلامي بات يسيء للشعب الفلسطيني وقضيته، وتدعوا الى وقفه.

عهد لم تنقل متفجرات ولم  تنسف معبد ولم تلقي حجر ولم تؤذي احد ولم تقم بادنى شيء مما قام به احد قبلها من الاسرى  ضد  الاحتلال،  لكنها حظيت بما حظيت من اهتمام اعلامي عالمي، وتتحدث الطفلة بشكل جميل امام الاعلام عن حلمها بازالة الاحتلال مثلها مثل كل طفل فلسطيني، وان امنيتها ان تصبح محامية تدافع عن الحق الفلسطيني، مثلها مثل كثير من اطفال فلسطين، وانها غير نادمة على  صفع جندي الاحتلال الذي وصل الى ساحة منزلها، فما الذي يزعج المنتقدين لهذه الحالة الاعلامية ؟؟.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير