الطفل الذي لم يكبر بعد

05.08.2018 05:53 PM

كتبت: مريم الهباش

الهدوء، الخوف، التفكير بما سيحدث غدا، الترقب والانتظار، الأمل الذي نقنع أنفسنا به، جميعها تجتاح بيوت الغزيّين في أخر كل يوم، تذكِّرهم بأنّ المعركة ما زالت مُستمرة.

تُذكِّرهم بأنّ عليهم في صباح اليوم التالي الاستيقاظ لسماع صوت بائع الكعكِ ينادي من جديد وكأنه يترجّى المُشترين بأن يأخذوا منه ولو أقلَّ القليل حتى يُأمَّن قوت يومهِ لعائلته، ذاك المُشتري الذي بالأساس يفكّر طيلة الليل كيف سيدبِّر قوتاً (مالاً) يشتري به الكعك لأبنائه.

عليهم أن يستيقظوا لرؤية وجه ذلك العجوز المُتكئ على بسطته التي فقدت بَهيتها، هذه البهيُّة ذهبت ولم تعد إلى الآن، ذهبت مع تأخُر رواتب الموظفين، ذهبت مع معدلات البطالة التي حطَّمت الرقم القياسي، ذهبت مع شوارع ومباني غزة المُدمَّرة، ذهبت مع هموم المرضى وهم ينتظرون التَّحويلات الطبيَّة، ذهبت مع ترقب الطلبة لمستقبلهم الدراسي المجهول، ذهبت مع الانشغال الزائد بالظهور الاعلامي المُميز، ذهبت مع وجع الأباء والامهات على فقدان أبنائهم، ذهبت مع هجرة الشباب، ذهبت مع موت الأحلام، ذهبت مع يأس الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الاثنا عشر عاماً، من بينهم طفلٌ هو محور هذا المقال.

هذا الطفل الذي ولد منذ اثنا عشر عاما ولم يدخل في يومه الأول بعد، كيف! ربما اسم هذا الطفل سيحل اللغز، هذا الطفل سمي بالمصالحة، عاش الفلسطينيين في انتظار إعطاءه التطعيمات اللازمة لنموه، لكن أين هي هذه التطعيمات ومع من؟!

لا نعلم إن كانت بين يدي طرفين او ثلاثة او أربعة، ولكن من الواضح بأن كل طرف يأخذ ما يهمه من هذه التطعيمات لينمي منصِبه ليس إلا، وبعد ذلك يأتوا في نهاية المطاف ويقولون، للأسف هنالك إشكالية في بعض البنود التي وُضعت في اتفاقية المصالحة.

أيُ غزيٍّ سُيقبل بعد الآن بتلك الورقة المحروقة، بتلك الحجة المهترئة، مَن منا لا يعلم بأن غزة على هاوية الانفجار، إلى أي مدى ستبقى غزة رمزاً للصمود، وتبقى المصالحة عنواناً للفشل، لا نملك بعد الآن سوى إرادتنا لنعيدَ لبسطة تلك العجوز بهجتها من جديد، ونترك الطفل المدلل حتى يكبر براحته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير