التمسك الإسرائيلي باتفاقية فك الاشتباك مع سورية عام 1974 : دلالات التوقيت والأهداف

06.08.2018 12:54 PM

كتب: فادي قدري ابو بكر

من المثير للسخرية أن تتمسك دولة الاحتلال باتفاقية فك الاشتباك مع سورية عام 1974 ، وأن تدعو على لسان قادتها منذ بداية تموز 2018م إلى وجوب الالتزام بها، خصوصاً وأنها تمتلك تاريخاً طويلاً من الاستهانة بالأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها، أو أي نوع من أنواع الاتفاقات والتفاهمات الدولية. فماذا يعني هذا التمسك الإسرائيلي بالاتفاقية وما هي دلالات توقيته وأهدافه؟.

أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية التي عقدت في الأول من تموز لعام 2018م، بتصريحٍ أكد فيه: "أننا لن نسمح بدخول أراضينا وسنطالب بتطبيق اتفاقية فك الاشتباك من عام 1974م مع الجيش السوري بحذافيرها ". وفي تغريدة كتبها وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على حسابه في تويتر في العاشر من تموز من نفس العام أكد فيها :" أننا سنلتزم بكل فقرة من اتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية من عام 1974، وأن كل جندي سوري يقف في المنطقة العازلة يعرض حياته للخطر وسوف نعمل ضد أي بنية تحتية للإرهاب يتم اكتشافها في المنطقة ".
وفي نفس السياق، فقد تم الاتفاق في أعقاب القمَّة التي جمعت الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في هلسنكي في 16 تموز 2018 على تفعيل العمل باتفاق عام 1974.
تجدر الإشارة إلى أن عودة قوات النظام السوري إلى الحدود مع الأردن جاءت  بموافقة ليس من الأردن فحسب التي تفاهمت مع روسيا على عودة النظام، بل حتى إسرائيل قبلت بهذه الخطوة، وأبلغت موافقتها للأسد بانتشار قواته عند المنطقة الحدودية، وفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" العبرية.

يمكن القول أن التغيير الذي طرأ في الموقف الأميركي حيال إيران يشكل انعكاساً استراتيجياً في وضع إسرائيل، حيث أن إسرائيل تهدف إلى لجم القوة الإيرانية التي تشكل تهديداً كبيراً لها، وذلك من خلال سعيها إلى منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، وكسر آلة الأموال التي منحتها الاتفاقية النووية لإيران. ففي الوقت التي تعمل فيه أميركا على ضرب النظام الإيراني اقتصادياً، تعمل إسرائيل على منع القوات الإيرانية والقوات الموالية لها من التموضع عسكرياً على أي جزء من الأراضي السورية، حتى لو كان الثمن صفقة مع روسيا والتفاهم على عودة الأسد.

في نفس السياق، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية بأن إسرائيل والسعودية تدفعان باتجاه إرساء اتفاق بين ترامب وبوتين، يحاول عبره نتنياهو تمرير عرض إلى موسكو مفاده: (إزالة إيران من سوريا مقابل رفع العقوبات الأمريكية على روسيا)  .
بالنسبة لروسيا، فإن مجرد استعادة الحديث عن اتفاقية 1974م تعني لها الكثير، خصوصاً وأن الاتفاقية شهد عليها الاتحاد السوفيتي، ما قد يعني وجوباً أن روسيا البوتينية اليوم لا تقل جسارةً في عيون إسرائيل وأميركا عما كان عليه الاتحاد السوفيتي إبان فترة ازدهاره. إضافة إلى أن روسيا معنية أن تُظهر أنها طرفاً أساسياً وحاسماً في المعادلة السورية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تستطيع روسيا إخراج إيران من المعادلة حتى لو أرادت ذلك؟.

إن إسرائيل لا يمكن فهم التزامها بأي اتفاقيات إلا من باب الحفاظ على أمنها، وهذا التوجه الإسرائيلي الجديد المتمثل بتمسكها باتفاقية 1974م يدلّل على أن إسرائيل تستشعر خطراً استراتيجياً على أمنها مصدره البقعة السورية، وعلى وجه الخصوص طبيعة التموضع الإيراني فيها.
بالنسبة لروسيا، فإن الكرة الآن في ملعبها، ويبدو أن سياسة الواقعية الممزوجة بروح المغامرة التي تتبعها موسكو تؤتي أُكلها حتى الآن، فهل نشهد استمراراً لهذه السياسة المزدوجة في المستقبل القريب، أم أن الواقعية والمغامرة أحدهما سيفرض نفسه على الآخر؟.
لا شك أن روسيا تُعايش حالياً مرحلة مفصلية في سورية، إمّا تخرج منها قوة عظمى أو تعود إلى مقاعد الاحتياط للقوى الصاعدة.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير