نادية حرحش تكتب لـوطن: حجُ البيتِ لمنْ ....أراد دعم آل سعود وترامب

09.08.2018 05:26 PM

في ظل وضعٍ مأساوي تعيشُه معظم البلاد العربية المسلمة، من كوارث مثل التهجير والقتل، وأزماتٍ اقتصادية، ويزيدُ علينا الفقر الطين بلة. تلك المشاهد التي نعيشها و نتداولها جميعا كمتدينين، علمانيين، فتحاويين، حمساويين، دحلانيين، عباسيين، مسيحيين، مسلمين، جبهة النصرة، نظاميين، إخوانيين، سلفيين، قاعدة ، داعشيين، أو شيوعيين.  ربما نتفق جميعاً على بؤس تلك  المشاهد، والظلم الواقع على أناسها. فلا تزال صور الحروب التي يشنها المسلمون على بعضهم البعض، عالقة في أذهاننا لا تتحرك من هولها. بين غارات على سوريا من كل الاتجاهات وغارات على اليمن وأخرى على العراق. دمارٌ مستمر يعنون المرحلة ويرسمُ اتجاهاتها. كلنا نرفع نفس الصوت وبنفس الحرقة، لنتساءل أين الحكام وأين العدل وأين الدين وأين الإسلام الصحيح، مما يجري للمسلمين؟.

ويأتي موسمُ حجٍ آخر، ليتسابق المسلمون من كل الألوان والأعراق والأقطار ، للحظي بحجة  لبيت الله، علها تقربهم لربهم، ويكملون بها دينهم. لا أتنكر أبدا للسعي لهذا الشعور في قمة الوصول إلى التقرب من الله أيام الحج. وأفهم حلم كل مسلم بالحج الى بيته الحرام. ولكن حج البيت مرتبط بالاستطاعة. والاستطاعة لا تكمن فقط بالاستطاعة المالية. فمن غير المعقول بأن نجوع من أجل الذهاب إلى الحج، وأن نحرم أبناءنا وذوينا من أجل ذلك. فالله وضح في كتابه العزيز "لمن استطاع " والحج اليوم ليس كما كان في السابق، فهو مكلف بتكلفة الإعمار الذي يجري للمكان. وما تحتاجه الخزينة السعودية للتملق أكثر للرئيس ترامب. فمن أجل الحج يحتاج الانسان العادي ما بين خمسة الى عشرة آلاف دولار ليحظى بحجة محترمة كريمة، أي خدمات الفندق والطائرة. والإنسان غير المقتدر تكلف حجته أقل بقليل من الخمسة آلاف دولار في أحسن الاحوال. ناهيك عن الحجات المتميزة ذات النجوم الخمس ،والتي تتعدى تكاليفها العشرة آلاف دولار، وتلك الملوكية والرئاسية، وغيرها التي تقفزلاعن تلك الارقام و مؤشرات بورصات شعوبنا الفقيرة بكثير. ويترتب على الحج مصاريف آخرى و التي تأتي بعده من هدايا واستقبالات وولائم، وطبل وزمر، وغيرها. كل حاج حسب مستواه وبورصته المالية . فاذا ما ذهب مليوني حاج هذه السنة بمتوسط الخمسة آلاف دولار، ستكون تكلفة الحج (عشرة مليار دولار) بأضعف حسبة ممكنة.

نصف هذا المبلغ هو بأقل تقدير من أموال الفقراء الذين يعيشون معظم حياتهم من أجل هذه اللحظة. ولن أتكلم عن وصف التوسيعات الذي آل إليه بيت الله الحرام من تحديث، حتى أزعج الغير مسلم كذلك في وصفه، لانعدام روح المكان القدسي منه وتحول المنطقة الى ما يشبه التجمعات التجارية السياحية.

فإذا ما كنا كمسلمين مؤمنين بأن هذا الموسم هو زيارة وحج لبيت الله. موسم الحجيج لبيت الله حيث يكون الله أقرب وملائكته للمؤمنين، فلم يبتعد الله عن بيته في هذه الايام؟ أيعقل ربما غضب الله على أمة الاسلام الذي وصل كفرها ذروته ؟ أيعقل بأن يرضى الله بأن تقصف اليمن من قبل العرب المسلمين وقيادتها ؟ أيعقل ان يرضى الله بأن يرمى ابناء ملة حبيبه محمد بالبحر كمن يرمي الطعم للسمك بالآلاف؟ أيعقل أن يرضى الله عن أمة، تهرب شعوبها طلبا للحياة في وقت يدعم قادتها الموت من كافة الاتجاهات؟
في خضم كل ما يجري من مآسي متلاحقة علينا كأمة تتوجه بكل ما لديها إلى الله في هذه الايام الفضيلة، من أجل طلب مغفرة وغسل ذنب، والسعي إلى طلب في دعاء. نفكر وكأن الله لا يرى إلا الشخص الآني منا. وكأن الله لا يهتم لماأصبحنا إليه كأمة تتقاتل فيما بينها وتتآمر على نفسها، ولا تتوانى عن الأذى والأذية.
نستعد للوقوف أمام الله بخشوع ، ولا نخجل الطلب.... نرفع الأيدي للدعوات والاستغاثة.... 

في وقت تعاني الدول من فقر، بات يصل إلى المجاعة بين ابنائه. غلاء لا يحتمل. فرص عمل تنعدم أمام الشباب وغيرهم. والشتات الملحق بكل أولئك اللاجئين الفارين نحو حياة مبهمة يحيطها الفقر ويلفها العوز...

أليس من الحق والدعوة الحقيقية للإسلام، بأن تذهب تلك الأموال لردء شتات الملايين، الفارين من سوريا. والتي تلاطمهم أمواج البحر، وجبروت ظلم الإنسان، في غربة موحشة ولجوء بارد؟

لإعادة إعمار البيوت التي لا يزال أهلها في انتظار، إعادة إعمار بطيء في غزة، لمستشفيات. و وقود، وعلاج، وكهرباء؟
لإغاثة المنكوبين في اليمن، للأمراض التي ضربت أجساد المساكين، للمجازر التي يرتكبها الأخ المسلم تجاه أخيه المسلم ،ضد الأبرياء؟
لإطعام الفقراء في دول العروبة، من المحيط للخليج ؟

كم هو بريء الإسلام من مسلميه فقراء وأغنياء، ظالمون ومظلومون. فالكل يمشي على نفس النهج من الجهل، والله بريء من أفعالنا، ومن هواجسنا ومن نفوسنا المريضة ،الجاهلة التي عمت بصيرتها، فيعميها الله اليوم عن رؤية الحق وعمله..

فبينما نكيل المسبات والشتائم ،على الحكام وظلمهم ،وندعو عليهم سرا وعلانية ، ونتمنى الخلاص منهم. نحن الشعوب لا نختلف عنهم. فهل من مسلم مؤمن يفكر ويتفكر ،للحظة ويهدي تكاليف حجته هذا العام، للاجئ  أو فقير مريض، أو محتاج معدم؟

هل من مسلم مستعد بأن يقتطع، ولو جزءًا بسيطًا من مصروفات حجته التي عقد الرحال إليها لمساعدة اللاجئين؟ فلو تم اقتصاص مئة دينار من كل حاج من أجل اللاجئين لانتهت أزمتهم. فهذه المائة دينار، ستكون مئتي مليون دينار. ستكفل حتى بعدم نزوح الشعوب عن اراضيها.

في فلسطين يتزايد عدد الفقراء وتعلو أصوات الاستغاثات .أليس سد احتياجات عوز المحتاج ،أقرب إلى الله من العبور إليه ، هو تنكيل بالإنسانية، تسرف وتهدر أموالاً ،لمن يستطيع  تدمير ما تبقى منا لأجل خاطر عيون إسرائيل ؟
أتساءل عن الدعوات التي سيلقيها خطباء الحج في الأيام القادمة في صلواتهم.

هل سينادي الخطيب بتخليص الله لنا ،من "داعش" في عقر داره، أم سيكتفي بالنيل بدعواته من بشار؟ هل ستكون الدعوات شاملة الدعوة على اليهود، بأنهم أبناء القردة والخنازير، والعلاقات السعودية الإسرائيلية في أحسن أحوالها. هل سيدعو الشيوخ لإحتضان صفقة القرن ،ويدعو بالتقدس من ايفانكا ويبارك ترامب لأنه من الأولياء والصالحين؟ نتانياهو بات المبادر والمنقذ للعرب من السوريين؟ هل ستكون الدعوات في لم شمل المسلمين ،وقد أغلقت العرب أبوابها عليهم؟
أم هناك دعوات على كندا بتلك الدعوات،و التي تجرأت على الاعتراض عن وضع حقوق الإنسان في بلاد الله التي تحتضن بيته.
هل ستكون الدعوات على الشيعة لدرء الخطأ في الدعوات؟ كيف سيرفع المسلمون أيديهم الى الله تضرعا،وقد منعت أيديهم عن تقديم الخير لأنفسهم؟

أم الله بالنسبة لهم مشروع شخصي، لا يرى ولا يسمع إلا ما نخبره به. فالفقير يزحف إلى الغني، والمريض بالشفاء والمخطئ بالعفو وكأن الله حساباته شخصية ستصرف لهم هناك..
بالله يا أمة الإسلام ...
لقد أصبحنا بكم شر أمة، تعود بالشر على نفسها وعلى كل الأمم
لقد أعدتم قدسية الحج لزمن الوثنية بدل التقرب إلى الله!
كل من يتوجه إلى الحج يساهم في دمار نراه بأعيننا ونشهد عليه . فمن يرضي بهدر أمواله من أجل أن يزيد ملوك السعودية وأمراءها البطش بالأمة المسلمة...لا ملامة عليه ...فكما تكونوا يولى عليكم.
وحجاً مبروراً وسعياً مشكوراً

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير