فلسطين في ظل التقلبات البيئية العالمية !!

11.08.2018 12:01 PM

كتب: عقل أبو قرع

ما زالت الحرائق تشتعل في دول مختلفه في العالم، من اليونان الى اليابان، ومن ولاية كاليفورنيا الامريكية الى البرتغال وغيرها من الدول الاوروبية، وما زالت درجات الحرارة تسجل ارتفاعا قياسيا لم يسبق له مثيل في الكثير من بقاع الارض، ومنها منطقة الشرق الاوسط والدول العربية، ومع ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه، بدأ التصحر يزحف الى مناطق جديدة، مهددا بالجفاف والمجاعة والفقر والتشرد ملايين الاشخاص، ورغم ذلك ما زالت الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية تنكر ولا تبالي للتغيرات المناخية وللاحتباسات الحرارية، التي نتجت وما زالت عن بث غازات التلوث الى طبقات الجو، وما زالت ترفض الالتزام بخفض نسب معينه من هذه الغازات من مصانعها ومحطات وقودها، كما تم الاتفاق عليه في مؤتمرات عدة، واخرها مؤتمر باريس. 

وما زلنا نتذكر شدة الاعاصير والكوارث الطبيعية التي حصلت خلال الاعوام الثلاثة الماضية، ومن قرأ عن مليارات الدولارات التي تم ويتم انفاقها للحد ولو بشكل ضيئل من التلوث البيئي في مدن دول كبرى مثل الصين والهند والبرازيل والارجنتين ومصر والولايات المتحدة ودول اوروبا وغيرهما، من الممكن ان يلاحظ حجم التحديات والتقلبات البيئية التي سوف تواجه العالم خلال الاعوام القليلة القادمة، والتي باتت تهدد مناطق كاملة بالانقراض أو بالدمار وتهدد مناطق زراعية هائلة بالتصحر، وتهدد مدن بالغرق نتيجة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيط، ونحن لسنا بالبعيدين عن ذلك، وبالاخص في قطاع غزة، حيث تشير التقارير الى أنه لن يكون صالح للحياة البشرية، وبالاخص من خلال تلوث المياه خلال سنوات قليلة قادمة. 

ومن الطبيعي أن تتنامى هذه التحديات البيئية خلال الفترة القليلة القادمة، بالاخص في ظل القرار الامريكي بالاستهتار بالتغيرات المناخية وبالتالي بالانسحاب من اتفاقية المناخ العالمية، أي انسحاب أكبر اقتصاد في العالم من اتفاقيه تهدف للحد من بث الغازات الى الجو وبالتالي التقليل من التلوث البيئي وأثاره المدمرة، ونحن نعرف أن الهدف الاساسي من اتفاقية المناخ العالمية هو وضع خطة او الاتفاق على آلية عملية، مع برنامج زمني محدد، للحد من انبعاث الغازات والملوثات الى الجو، وبالتالي الحد من التغييرات المناخية والبيئية العنيفة، التي تجتاح العالم، وتهدد الغذاء والتربة ومصادر المياه، وحتى تعتبر من اكثر المخاطر على الاقتصاد العالمي، وعلى الصحة العالمية، وعلى الامن الغذائي، وحتى على الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول ومناطق مختلفة في العالم.

وحسب احد التقارير الدولية، سوف يخسر العالم التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حاليا، خلال ال 60 عاما القادمة، اذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي الى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم امكانية زراعتها، والسبب الاساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يحدثها البشر، وبالاخص الدول الصناعية الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات الى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الارض والتربة، ومن زيادة التصحر، اي عدم القدرة على زراعة التربة، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي حدوث الفياضانات، واغراق مساحات من الارض،  وكذلك بسبب الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة، وكل ذلك سيكون له تداعيات كبيرة على الاجيال القادمة وامكانية توفير الحياه لهم.  

وحسب تقرير دولي اخر نشر حديثا، فان تلوث الهواء فقط، يؤدي الى وفاة حوالي اربعة الاف شخص يوميا في الصين وحدها، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات الى الجو، الذي احدثه النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية،  وما لذلك من تداعيات صحية ومناخية، والحد من التغير المناخي في العالم، يعني الحد من التلوث البيئي، الذي يعتبر السبب الاساسي الذي ادى ويؤدي الى حصول التغيرات المناخية واثارها، والتلوث البيئي يعني بث الملوثات الكثيرة، وبالاخص الى الهواء، من المصانع ومن المعامل ومن محطات الطاقة التقليدية وتكرير النفط وغير ذلك.

وحين الحديث عن الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، فهذا يعني الحديث عن الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني أو يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني محاولة تفسير قرار الرئيس الامريكي المنتخب حديثا بالانسحاب من اتفاقية المناخ التي وافق عليها الرئيس الاسبق، حيث يلعب المال الدور الرئيسي في ايصال او بقاء السياسيين في الحكم وصنع القرار.

ومع التوقع ان يزداد الاستهلاك لمصادر الطاقة غير النظيفة، وبالتالي بث المزيد من غازات الاحتراق الى الجو، وتلويث البيئة واحداث تغيرات مناخية، يعود الجدل والنقاش والاخذ والرد، حول فعالية ما يعرف ب " ضريبة الكربون"، كأداة تهدف الى الحد من استهلاك مصادر الطاقة التقليدية، ومن ثم تقليل انبعاثات الغازات الى الجو، وبالتالي الحد من احداث تغيرات مناخية وبيئية في العالم، من مظاهرها، ارتفاع حرارة الارض والتصحر وذوبان الجليد، والفيضانات والاعاصير وما الى ذلك، وهذا يعني بأن يتم فرض ضريبة، او رسوم، او رفع الاسعار، بشكل مباشر او غير مباشر، على مصادر الطاقة التقليدية، من نفط وفحم وبنزين وديزل وغيرهما، والتي تحوي كربون، والذي عند الاحتراق او الاستعمال يتحول الى " ثاني اكسيد الكربون"، الذي يتصاعد الى الجو، ويعتبر من اكبر الملوثات وبالتالي من اكثر العوامل التي تؤدي الى الاحتباس الحراري، ومن ثم الى التغيرات المناخية والبيئية.

وفي فلسطين، ورغم اننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذو التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، الا اننا قد نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة نسبيا في إعداد السكان، فقد يكون هذا التأثير علينا  كبيرا وملموسا، ان لم يكن الان فسوف يكون بعد فترة، وبالتالي فإن ما يتم في العالم من نقاش او جدل حول اساليب الحد من التغيرات المناخية،  قد يكون له انعكاس علينا، ولو بشكل غير مباشر، سواء في المدى القصير او البعيد. 

ومن المواضيع التي من المفترض ايلاء الاهتمام اليها كذلك، ما يتم نشره عن احتمال وجود بقايا المبيدات الكيميائية في الخضار والفواكه والمنتجات الغذائية الاخرى، وهذا يتطلب أجراء الفحوصات الدورية لعينات غذائية،  حيث من المفترض ان تقوم الجهات الرسمية الفلسطينية بأخذ عينات عشوائية من الاسواق وبشكل دوري واجراء الفحوصات المطلوبة، والعمل على نشرالنتائج وما يتطلب ذلك من توعية للمواطن الفلسطيني.

ومن الامور الملحة التي من الممكن التعامل معها على الصعيد الفللسطيني، هو موضوع النفايات الصلبة، حيث ان ذلك يعتمد وبالتوازي على التوعية والممارسة وتطبيق القوانين، ويبدأ من مبدأ التقليل من النفايات قبل التفكير في وسائل التخلص منها، ومن الامثلة على ذلك هو عدم استخدام الاكياس البلاستيكية عند شراء الاغراض من المحلات، وعوضا عن ذلك استعمال الاوعية من القماش التي يعاد استخدامها ، وان تم ذلك، يمكن تصور حجم النفايات البلاستيكية التي تم تلاشيها، وهذا ما هو متبع وعلى سبيل المثال في المانيا وغيرها من الدول، وبالطبع ومن الامثلة الاخرى لتقليل النفايات هو شراء الادوات التي يتم اعادة استخدامها، ولا يتم التخلص منها فقط بعد مرة واحدة من الاستخدام، اما من الطرق والتي ممكن اتباعها للتخلص السليم من النفايات هو فصلها في البيت، اي وجود سلات منفصلة ، وعلى سبيل المثال سلة لبقايا الطعام، واخرى للبلاستيك، وللزجاج، وللورق وما الى ذلك، وقد يكون ذلك صعبا في البداية ولكن ومع الزمن وكما تم في العديد من البلدان، فأن ذلك سوف يصبح من الامور اليومية الروتينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير