الأزمة السعودية- الكندية مثالاً: لماذا تتراجع مكانة السعودية في الغرب؟

17.08.2018 08:15 AM

ترجمة خاصة- وطن: لن تقف الازمة بين السعودية وكندا عند حد التراشق الاعلامي وسخونة التصريحات الدبلوماسية، كما حدث خلال الايام الماضية، فقد ادى ذلك الى تجميد الصفقات التجارية والاستثمارات السعودية في كندا، كبداية، كما اوردت مصادر سعودية.

فما الذي دفع بالأمور الى مثل هذا التدهور المفاجئ؟ وهل هو بين السعودية وكندا فقط؟ ام ان هناك دولا غربية اخرى ضاقت ذرعا بالسياسات السعودية؟
اما على الجانب الكندي من الازمة، فنادرا ما تعبر كندا عن أزماتها بلغة دبلوماسية قاسية. فهي على الاغلب تستخدم مصطلح "القلق الشديد"، كحد أقصى، للتعبير عن عدم رضاها عن سياسات دولية معينة، كتلك التي قالتها، حتى الان، حيال أزمتها مع الرياض.

وفعلاً تؤشر الدبلوماسية الكندية على سياسة خارجية ثابتة للدولة، وفق الكاتب. ومن الامثلة على ذلك هو استخدام الخارجية الكندية ذات المصطلح (اي "القلق الشديد")، وبشكل موحد في عدة حالات، منها الازمة السورية، وجنوب السودان، والسودان، وازمة  أوكرانيا. كما لجأ الكنديون الى استخدام مصطلح "مضطرب للغاية"، فقط دون غيره، على مدى عدة سنوات لوصف حالات واقاليم ودول معينة. فقد أطلقوا المصطلح على روسيا، وكمبوديا، وجزر المالديف، وفنزويلا، وإيران.

وبالنظر الى السياق الأوسع للنقد الكندي الموجه الى السعودية، ترى السعودية انها فقدت بعضا من بريقها الذي كانت تتمتع به لدى الغرب في الماضي. فعندما توفي الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، في العام 2015، تمت الإشادة به كواحد من أعظم القادة في العالم. ومن بين من وصفوه، كان رئيس الوزراء الكندي الاسبق، ستيفن هاربر، الذي وصفه بأنه "مؤيد قوي جدا للسلام في الشرق الأوسط". اما الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، فقد قام بإلغاء رحلة كانت مقررة له إلى الهند من اجل حضور جنازة الملك عبد الله. وكان وزير الخارجية الأمريكي الاسبق، جون كيري، قد وصفه بأنه "رجل حكيم". كما وصفه رئيس الوزراء البريطاني الاسبق، توني بلير، بأنه "محدّث لمملكته".

اما أحد التصريحات حول الملك عبد الله، فنظر اليه على انه مثير للجدل، وغير واقعي، ويحتوي على الكثير من المبالغة، وربما المعرفة السطحية بالشأن السعودي، وفق الكاتب. التصريح صدر عن كريستين لاجارد، المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي،حيث "زعمت" أن الملك عبد الله كان "زعيما عظيما، ونفذ إصلاحات في بلده، وكان مدافعا قويا عن النساء".

ويضيف الكاتب، "لا شك بان هناك الكثير من علامات الاستفهام، والاستغراب، على شهادة لاجارد، فقد جاءت اقوالها متناقضة مع الواقع. فقد كانت المرأة ممنوعة من سياقة المركبات، وكانت، وما تزال، بحاجة الى أخذ الاذن من أحد اقاربها الذكور قبل التنقل او السفر، حتى في داخل المملكة".

ولكن، وعلى الرغم من تحسن "صورة" السعودية، في العام 2018، بعد السماح للنساء بسياقة السيارة، الا ان ذلك لم ينقذها، او يدفع عنها الهجوم والانتقاد الغربي بعد اعتقال الأثرياء، وسجن النشطاء. فقد هاجمت تقارير ووسائل إعلام بارزة في الغرب، السعودية على سلسلة الاعتقالات التي شنتها في صفوف عدد من الأثرياء، والامراء، والمسؤولين، تحت دعوى "الفساد"، فضلا عن سجن نشطاء الاعلام الاجتماعي، ونشطاء الرأي الاجتماعي والسياسي، فضلا عن الانتقادات الكبيرة للبذخ، والانفاق المبالغ به على زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، وحاشيته الى السعودية، في شهر ايار من العام 2017.بما في ذلك القمة العربية-الإسلامية-الأمريكية التي عقدها السعوديون في الرياض، وما رافقها من نفقات باهظة و"غير جوهرية".

اما الان، ومع تقدم الازمة، فان النقد الموجه الى السعودية يتعمق ويأخذ مساحة أوسع، في السياسة والإعلام، سواء في كندا، او في الدول الغربية بشكل عام.وهذا ما اثار غضب السعودية، التي قامت بدورها بتجميد صفقة اسلحة من كندا، بقيمة (15) مليار دولار، كان قد أعلن عنها رئيس الوزراء الكندي، بنفسه في شهر اذار من هذا العام.

ووفقا للتقديرات، يعود النقد الكندي الى السعودية الى نهج، او تجديد، في التصرف الغربي حيال السعودية، وليس كتصرف كندي فردي. وهو ما يؤشر الى احتمال توجه الدول الغربية، او بعضها، نحو اعادة تنظيم سياساتها حيال الخليج بشكل عام، وفق الكاتب. فعندما قامت السعودية، وحلفاؤها في البحرين والامارات، ومعها مصر، بقطع العلاقات مع قطر، وفرض الحصار عليها، في شهر حزيران من العام 2017، وهو الانشقاق الذي حدث بين دول تعتبر من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، لم يلق هذا الاجماع الخليجي-المصري تاييدا، او حتى تفهما جامعا في الغرب، لأنه خضع للمصالح التجارية والاقتصادية أكثر من خضوعه للتقييم على أساس القيم.

ويبدو ان قطر أدركت هذه النقطة فعملت على الحفاظ على توازن المصالح الاقتصادية والاستفادة المادية من الحصار، فقامت بصرف المال بشكل سخي لثني الولايات المتحدة عن اتخاذ اجراءات عقابية بحقها، مثلما صرفت الكثير من المال في معركة علاقات عامة، لنشر وجهة نظرها، وكسب تفهم وسائل الإعلام، وتعاطف الناس في الولايات المتحدة، فنجحت على ما يبدو في جسر الهوة مع الأمريكيين.

اما السعودية، فقد نحت منحى خشنا حيث دأبت، ومعها حلفاؤها، على توجيه انتقادات لاذعة لرغبة أوباما في ابرام الاتفاق النووي مع إيران. غير ان الحال لم يكن هكذا مع الاتحاد الأوروبي، ومعارضي ترمب، الذين سعوا للحفاظ على الصفقة. ومن هنا بدأت الصبغة السياسية بالانعكاس على كل انواع العلاقات بين الرياض ودول الاتحاد الاوروبي.

وقد فهم السعوديون ذلك منذ هجمات 11 ايلول عندما تبين أن السعوديين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من المهاجمين. ومع ذلك، أخرجت السعودية نفسها من اللوم من خلال انضمامها الى "تحالف مكافحة الارهاب".

ويعتبر موضوع حقوق الإنسان "مصدرا للقلق" الاول للغرب، ليس الان، بل منذ سنوات، غير ان الغرب كان يتردد في انتقاد السعودية كي لا يحسب ذلك على انه بمثابة كراهية للإسلام، كون السعودية موطن المقدسات الاسلامية، وهي الصورة الذهنية التي تحرص السعودية على المحافظة عليها، في وجه طهران وأنقرة، اللتين تحاولان دفع نفسيهما الى اخذ هذه المكانة.

ويرى مراقبون ان السعودية ليست في موقف مريح يؤهلها لافتعال المزيد من الازمات، سواء مع كندا او مع غيرها. فمشكلاتها مع إيران حول نفوذها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا لا تنتهي، ولها تداعيات وتهديدات مختلفة. ومنها تحديدا التهديد القادم من اليمن، لأن الصواريخ البالستية أطلقت على الرياض من اليمن، وما تزال.

وفي ضوء ذلك، يرى المراقبون ان الاجواء ستبرد، وستعود الى طبيعتها، وان لم يكن ذلك قريبا، في ظل ان السعودية اظهرت رسالتها و"خطوطها الحمراء" بشكل كاف، وبصورة علنية، حيال "التدخل في شؤونها الداخلية"، في الوقت الذي لم تقم كندا بالمزيد من التصعيد.

 

ترجمة: ناصر العيسة،عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير