حنا مينا ... حكاية بحار

24.08.2018 10:11 AM

كتب: حمدي فراج

حين سألوه في مقابلة صحفية  ، بعد ثلاثيته الرائعة "حكاية بحار" ، بماذا ينصح الكتاب الجدد الذين يريدون مواصلة الكتابة عن البحر ، قال لهم : أنا لم أكتب الا الصفحة الاولى من كتاب البحر ، وهذا ليس تواضعا ، فأنا لا أحب التواضع ، وانصح هؤلاء الكتاب ان يذهبوا في البحر ، لا الى البحر .

هذا أول تميز لهذا الروائي العربي الكبير ، ولهذا تكاد لم تخل واحدة من رواياته العديدة من البحر والابحار ، حتى في "نهاية رجل شجاع" كان يطلب فنجاني قهوة ، احدهما للبحر ، الذي يمتد من الاسكندرونة واللاذقية شمالا ، فينحدر عبر بيروت وصور الى عكا وحيفا ويافا وأسدود جنوبا ، ثم ينعطف انعطافته الجامحة الى الاسكندرية فطرابلس فتونس فالجزائر فالرباط غربا ، فيصعد مرة اخرى الى سبتة ومليلة وجبل طارق مع المحيط الاول "الاطلسي" ، اما مع المحيط الثاني "الهندي" عبر السويس وجدة وعدن ومقاديشو في الجنوب ، و في الشرق دول الخليج . فيسأل : أليس عجيبا ونحن على شواطيء البحر ان لا نعرف شيئا عن البحر ، أليست اليابسة هي امتداد البحر ، فلماذا عزف الادباء العرب عن البحر . البحّار لا يصطاد من المقلاة ، ولا ينتظر سمكة التونة على الشط .

ربما اراد  من الذهاب في البحر ، ان يدخلنا الى ميزته الثانية ، وهي "الصراع" مع اللج والموج و"الشراع والعاصفة" ، صراع لا ينتهي ، صراع الخير مع الشر ، الغني مع الفقير ، في الوصول الى "المرفأ البعيد" ، فهم بعد "كيف حملت القلم" عندما ناهز الاربعين من عمره ، ولم يكن قد انهى الاعدادية ، ان باستطاعة فاهم الصراع ان يصبح احد ابرز الرواة العرب على الاطلاق . صراعي طوال حياتي كان مع القروش ووعي الوجود عندي، في "المستنقع" و "بقايا صور" ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي ، مسيرتي الكبرى نحو الغد الافضل كان لها خطوتي الصغيرة الاولى حافيا "على المسامير" لمساعدة الناس في الخلاص من حمأة الجهل والسير بهم ومعهم نحو المعرفة .

كان يعرف ما يريد ، واكتشف ان هذه المعرفة ستظل قاصرة عاجزة لن تقود الا اي اختراق في اي من معاركه مع القروش والمسامير وحمأة الجهل ، اذا ظلت المرأة "نصف المجتمع" مغيبة مضهدة مستغلة ، ولهذا لم تغب المرأة عن اي فصل من فصول رواياته ، أحضرها كما هي في الواقع العربي المهيض ، امرأة من لحم ودم ، بدون رتوش ، في "حارة الشحادين" و "البحر والسفينة وهي" و "امرأة تجهل انها امرأة" و "النار بين اصابعها" ، وقبيل الرحيل قال : كنت سعيدًا جدًا في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذورٌ للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير