خالد بطراوي يكتب "هلوسات" لوطن: الزلمة هذا .. ليش ببهدلنا

27.08.2018 01:26 PM

 لا أعتقد أننا سنتمكن من تحقيق أماني وتطلعات شعبنا الفلسطيني دون أن نبدأ أول ما نبدأ بأنفسنا.

نحن بحاجة الى إنتفاضة إجتماعية أولا على كافة الأصعدة. نحن بحاجة الى تغيير شامل وعلى أسس مدروسة في كل أمر داخلي يتعلق بمنظومة العلاقات بيننا.

إن حصل إختلاف نرى "القبضايات" يحملون الآدوات الحادة والجنازير والمسدسات والبنادق ما يؤدي الى عمليات قتل يتمخض عنها إحراق منازل وترحيل عائلات وتمتلىء مستشفياتنا بالجرحى، وسرعان ما تتدخل الأجهزة ورجالات الإصلاح ويتم تهدئة الخواطر لكن الخواطر في داخلنا لا تهدأ في الحقيقة بل تضمر تداعيات ما حدث لأيام لاحقة أو لسنوات لاحقة.

إن أقمنا بيتا للعزاء يتكلف أهل المتوفى مبالغ لا يستهان بها من نعي في الصحف وإستقبال المعزين وإن أرسل قادة البلد مندوبا أو رسالة تعزية يتوجب الرد في الصحف بشكل منفرد لكل منهم ويجد أبناء المرحوم أو المرحومة أنفسهم في ختام العزاء " منشنشلين" في الديون.

إن أقمنا حفل زفاف أنفقنا عليه ما لو أعطي للعروسين لمكنهما من دفع دفعة أولى لشقة سكنية يبنيان فيها " عش الزوجية" .. طوبة .. طوبة. وإن إنتهى العرس دون إصابات برصاص طائش نحمد الخالق المولى.

إن جرت أنتخابات نردد مقولة "الانسان المناسب في المكان المناسب" لكننا جميعا ننتخب إبن العائلة أو عضو الفصيل ويا " دار ما دخلك شر"، ولا نفكر في إنتخاب إمرأة إلا لمتطلبات الكوتا النسائية.

في التربية والتعليم ننسى " التربية" ونركز على الحفظ والتلقين بدلا من توسيع مدارك الجيل الجديد نحو البحث العلمي التطبيقي. 

في الحياة العملية نحن أبعد من نكون عن التعامل المهني وفصل العلاقة الشخصية عن العلاقة المهنية وتقبل واحترام الرأي والرأي الآخر رغم أننا نردد ذلك كثيرا ولا يناقشك من تحدثه مستخدما الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وإنما يهاجمك شخصيا فينتهي النقاش بعراك في الأيدي وشتائم كما لو أننا على "شاشة الجزيرة" والإعلامي المفذلك "المشهور".

لعل مرد ذلك كله في سواده الأعظم هو التنشئة التي يشكل الخطاب الديني والمنظومة الدينية جزءا كبيرا منها، حيث يربط الكثير من رجال الدين علاقة الفرد بالخالق المولى وبالدين فقط من منظار الثواب والعقاب ونيل الأجر والترهيب من عذاب القبر والنار دون غرس الدين السمح الحنيف من علاقة خالصة نقية مع الخالق المولى والمحبة والتسامح وتأدية حقوق الناس وعدم التعدي قولا أو عملا والحفاظ على النفس والزرع والحيوان والجماد.

وأريد أن أقتبس هنا عن رفيقي عصام عاروري من على صفحته الفيس بوكية حيث كتب يقول :-


"التدين السطحي
1- ان تتنتظم في صلاة الجمعة وسيارتك مسكرة الشارع خارج المسجد.
2- ان تتوضا بماء البلدية والساعة خربانة، أو أنك مخربها.
3-  ان تصوم وتفطر على كهرباء مسروقة.
4-  ان تذهب الى الحج بالواسطة او على حساب غيرك، وعند عودتك تطلق الالعاب النارية في منتصف الليل.
5- ان تقول النظافة من الايمان والشارع امام بيتك مزبلة.
6-  ان تدعو لاحترام النظام والقانون وتبني في حرم الشارع أو تضَيِّق على الشارع طمعا في متر أو مترين.
7- ان تخرج لهداية الناس في الباكستان وابنك صايع في الشوارع.
8-  ان تدعو الى عدم الاسراف والتبذير وتعمل عرس بمصاريف خيالية.
9-  ان تتصدق على فقير وتفضح عرضو بالصور على الفيس.
10-  ان تدعو لصلة الرحم وتحرم اختك من الميراث.
11- أن تبيع بأعلى من أسعار السوق مستغلا  ثقة الناس بك.
12- أن تكذب وتسمي ذلك كذبا ابيض أو اخضر، فالكذب مرفوض بكل الألوان.
واللي عنده اشي يزيد".

على الجهات ذات الاختصاص أن تنتبه للخطاب الديني من خلال المنابر، فقد مللنا الخطب الرنانة المترحمة على التاريخ ذات العبارات الجاهزة والمصطلحات والفذلة اللغوية والتلاعب بالطباق والجناس والمرادفات والسجع بل وحتى ترديد الأبيات الشعرية كما لو أننا في سوق عكاظ، إذ بات الواحد منا يبحث عن مسجد يذهب اليه للاستماع الى بعض الخطباء المتنورين بدلا من الإغفاء في مساجد يتحفنا بها خطباء أخرون بما هبّ ودب كلام لا يسمن ولا يغني من جوع وتجعلنا نغط  في سبات عميق أو تلك الخطب التي "يطاوش" فيها الخطيب الحضور بصوته العالي الغاضب المنفر للكبار قبل الصغار لدرجة أن طفلا قال لأبيه يوما " بابا .. الزلمة هذا ليش ببهدلنا" .... وفي رواية أخرى " عموا ليش بصرخ علينا".

"وهي ذقني " إن تمكنت سيارة إسعاف من المرور من شارع المسجد وإياك أن تتوجه الى الوحدة الصحية للمسجد تلبية لنداء الطبيعة.

الإنتفاضة الإجتماعية هي ما نحتاج إليه هذه الأيام والتي لن يكون تأثيرها فوريا بل للأجيال القادمة التي نريدها أن تتسلح بالمعرفة العلمية الحقيقية لتتفتح عقولها وتتفكر في خلق السموات والأرض.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير