اللاشرف وجرائم الشرف

31.08.2018 12:01 PM

كتبت: نادية حرحش

قبل أعوام كثيرة قرأت رواية للجزائري ياسمينة خضرا بعنوان سنونوات كابول. استوقفني مشهد بالرواية لم يفارقني ابدا. يجسد الراوي فيه قصص الرجم حتى الموت للزناة من النساء (والرجال). توضع المرأة (والرجل) في قعر حفرة وسط الميدان وتغمض عيونها ويبدأ الناس برجمها. تبدأ عملية الرجم من قبل السجانين الذين حكموا برجم المرأة، ومن ثم يتناوب المارة من كل طيف على الرجم. نساء ورجال، أطفال وشيوخ، حتى تسقط المرأة ميتة. وتستمر حمية الرجم حتى بعد الموت وتصبح المرأة في معصيتها المفترضة، عدوة عابر السبيل، ويشارك الجميع في قتلها. فأي حجر كفيل ان يكون هو الحجر القاتل في التناوب على رجم رأسها.

منذ أعوام ونشهد تفاقما ملحوظا في جرائم قتل النساء، وتطور الامر الى السكوت حتى عن جرائم تتعلق برجال ونساء تحت مسميات الشرف. فأسهل قتل هو ذلك المرتبط بالشرف. والاسهل من ارتكابه، هو حشد الدعم له. فكلنا حماة الشرف عند قتل الشرف!

نعم قتل الشرف!
فما يقتل هو شرفنا كشعوب. نقتل شرفنا في كل مرة نشارك في هكذا جرائم.
القاتل فيها ليس من يضغط على الزناد فيطلق الرصاصة، وليس من يشد على الرقبة فيخنق الروح، وليس من يضرب خنجرا قاضيا فيه على الحياة. الجناة كل من يشاهد ويصفق لهكذا جرائم.

الجاني ليس ذلك الذي ارتكب المعصية او الجريمة مع المرأة او ضدها.... الجاني هو المجتمع الذي يربي الذكر على السلطة والبلطجة والتنصل من مسؤولياته امام من هو أضعف.

قبل اقل من شهر، لقي شاب وامرأة حتفهما في الخليل، واغلق الموضوع بتخريجة لا يقبلها عقل، انهما ماتا اختناقا بسبب اغلاق النوافذ في السيارة ولم يكن هناك خلفية جنائية! انتهى الموضوع واغلق وحسم، واتفقت العائلتان على السكوت.

قبل أيام تم قتل رجل وزوجته من الخليل في مدينة يعبد امام اطفالهما، والموضوع مختوم بوصم الكلمة السحرية "شرف" ما هناك في الموضوع فلنسكت!
في النقب، في الجليل، في يافا، وفي أماكن من كل صوب، ترتكب الجرائم ونصمت عنها تحت اسم الشرف.
هبت صور باهر في حرب دامية بين عائلتين .... والقضية .... شرف.

قضية نيفين عواودة..
هذه المرة قررت المغدورة أخذ حياتها بيديها وترك رسالة، تعترف فيها عن حقيقة ما لم تستطع الكلام فيه عند حياتها، لأن ما باحت به كان سيؤدي بلا شك الى قتلها.

ولكن ما يجري في هذا الموضوع خرج عن المعقول، واخذني الى مشهد كابول والرجم. استطاعت المغدورة ان تأخذ زمام الأمور وتحظى بتعاطف الجمهور المتعود على الرجم. فكتبت قصة بدمها ورحلت... لا يمكن محاسبتها فلقد قدمت نفسها قربانا لجرم المجتمع الذي لا يرحم، وتركت من هتك عرضها ليكون بدلا منها على مذبح المجتمع.

هناك رجل وهناك امرأة اخرى في القضية.... اخت الرجل الذي كتبت انه وراء ما جري معها. دعوات بإعدامه واعدام اخته هي لسان الحال المجتمع الذي يريد الثأر لجريمة جعلت اما تأخذ بحياتها وتيتم ابناءها. نسي هذا المجتمع انه لم يكن ليرحم هذه الام لو واجهته بحقيقة ما جرى. كانت ستكون الجانية والزانية.

مشهد اقل دموية رأيناه في القاهرة عندما قامت امرأة بتصوير المتحرش بها وبثه على وسائل التواصل. تحول المجتمع الى مدافع عن المتحرش، وصار هو الضحية واضطرت الانسانة في نهاية الامر عن الاعتذار عما جري.

مجتمع يريد من نسائه ان تكن فقط ضحايا لكي يرأف بهن. وان تحولن الى مقتولات ميتات فهيهات.. سيقف الجميع وراء النعوش الباردة بكاء.
المصيبة ليست في الذين يرتكبون هذه الفظائع. الرجل ليس مجرما وحيدا في هذه الجرائم. الجهل والتربية القامعة والخوف من البوح والتلويح بالعيب والحرام مع كل حركة تقوم فيها الانثى في هذا المجتمع.

نقف اليوم جميعا مع "نهى"، وكنا مشاركين في ظلمها لو علمنا انها مشت وراء صديقة السوء وادمنت المخدرات. كنا سنفتي بذبحها وكنا سنسكت عن قتل زوجها لها. فهي ام وواجبها التواجد في البيت مع ابنائها!!!

اليوم في دعوات الإعدام للشاب واخته ننهج نفس النهج ونؤكد أن المصيبة فينا. سمعنا القصة من جانب المغدورة واعجبنا دور الحكام فيها. لنعدم الجاني والجانية. نقوم بقتل روحين ونأخذ القصاص بأيدينا ونترك القانون ونعزف عن العقل ثم نتساءل كيف وصل المجتمع الى هنا.

"هديل" التي يتناوب الناس على بث صورها والدعوة بإعدامها مع اخيها، لم تشفع لها نداءاتها بأنها بريئة. وأعدمها المجتمع الذي أعجبه ان يأخذ حق الميت بدل التفكير بتصحيح امر الحي والتفتيش عن العدالة.

الجميع ركض وراء رسالة الانتحار، ولا يختلف المشهد من ذلك الذي رأيناه قبل أيام عندما خرجت "صور باهر" عن بكرة ابيها في صراع العائلتين. كلنا نهرول مشاركين في هدر الدم واستباحة العروض بدل التروي وترك التحقيق والعدالة بأخذ مجراها.

الدعوة لإعدام الشاب في ميدان "المنارة" لا يجسد الا همجيتنا ..

من يخاف على الاناث منا، فليربي بناته تربية تكون الاخلاق عنوانها. الوعي هو مركبها الأساسي.
من يخاف على الإناث منا، فليربي الذكر كما يربي الأنثى. أن هناك حلال وحرام. أن هناك عقاب ومحاسبة ومسؤولية.
الشرف هو مسؤولية تبدأ في تربيتنا ...وتنتهي فيها.
التربية التي تغيب في البيوت وتترك لوسائل الاتصال والمدارس المنهكة والحارة والشارع، ونرسم ملامحها في حجاب على العقل والجسد لبناتنا.
الشرف غاب في مجتمعنا لحظة تركنا القبلية والعشائرية تحكمنا ... فتنتهي الجريمة بفنجان قهوة وصك عشائري يغلب القانون والمنطق.
الشرف غاب في كل مرة نقمع فيها بناتنا ونرهبهم من مغبة الوقوع في الخطأ .... فيقع المجتمع في خطايا...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير