خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": في بيت لحم .. فندق ... يحكي حكايا

03.09.2018 08:31 AM

لأيام خلت، تسنى لي الذهاب مع بعض أفراد العائلة الى مدينة بيت لحم وكان أن عرّجنا على فندق غريب عجيب يحمل إسم "وولد أوف هوتيل" (Walled Off Hotel).

الفندق أو النزل هو عبارة عن مبنى صغير متواضع يقع على مسافة أمتار قليلة من الجدار حيث يفصله عنه زقاق ضيق لا يتعدى الستة أمتار.

إبنتي بيسان قالت لي " ليس جزافا أنني طلبت منك أن تحضر لزيارة هذا الفندق". صعدنا الدرجات القليلة من الشارع  لندلف من خلال باب خشبي بريطاني الطراز يشكل مدخلا الى "نادي الرجال المحترمين" (Gentlemen’s Club) على غرار تلك النوادي البريطانية التي كانت تفرق طبقيا بين طبقات المجتمع الانكليزي والخاصة بالارستقراطيين.
قالت إبنتي بيسان أن الفنان الشعبي البريطاني بانسكي هو أحد أصحاب الفكرة التي تبلورت لأن يكون هناك الفندق الغريب العجيب حقيقة واقعة، وذلك إستنكارا لدور بريطانيا المدمر إزاء القضية الفلسطينية.

مررنا بهذا النادي البريطاني التقليدي الذي هو عبارة عن مقهى لنصل الى مجسم يعمل آليا لرجل ذو شارب كث، يرتدي الملابس البريطانية التقلدية من قميص "منشى" وفوقه بزّة معقودة الأزرار (صدارة) ثم جاكيت بني، ويجلس على كرسي وأمامه طاولة ويمسك بقلمه ليوقع على ورقة ... يا ألله ... أنه وعد بلفور .. بجرة قلم .. يخط هذا الانكليزي المسمى أرثر بلفور توقيعه على وعد ... سببّ كل هذه المعاناة للشعب الفلسطيني. إذا خلف كواليس هذا النادي الانكليزي جرى توقيع وعد بلفور. 

هنا يزداد خفقان قلبك .... أنت في معمان الحدث .. داخل مقهى بريطاني للارستقراط حيث جرى توقيع ما سبب معاناة الشعب العربي الفلسطيني. نحن ندلف من نادي "الرجال المحترمين"  الى الكواليس الخلفية ليصفعنا اللورد بلفور بوعده المشؤوم.

أشاهد هذا الانسان .. كيف يوقع وعده المشؤوم وأنظر اليه مليا فأرى برود الرجل الانكليزي الذي يريد أن يخلد إسمه في التاريخ ولا يأبه بمعاناة الشعوب...  وعلى يسارنا ندخل الى مساحة صغيرة تروي لنا لوحاتها تاريخ إنشاء جدار الفصل العنصري الذي يبلغ طوله 810 كم ويمتد على ما نسبته 85% من الاراضي الفلسطينية المحتلة. ونشاهد نماذج حيه تجسد الفصل العنصري من إختلاف لون لوحات السيارات وإختلاف بطاقات الهوية التي تميز اليهودي عن فلسطيني الداخل وفلسطيني القدس وفلسطيني الضفة الغربية وفلسطيني قطاع غزة. كما ونشاهد نماذج من أدوات القمع الاسرائيلية من الرصاص المطاطي بشتى أنواعه وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي بأنواعه المختلفة وجميعها إستخدمت أثناء الأنشطة المناهضة لجدار الفصل، ونشاهد أيضا مجسمات تمثل آليات بناء الجدار من جرافات وحفارات وغيرها. لننتقل بعدها الى مساحة صغيرة نمر اليها من خلال نموذجا لبوابة الكترونية مكتوب عليها "حضر أوراقك للتفتيش وتقدم نحو الموقع الفارغ" لنستمع الى رواية مقتبضة باللغة الانجليزية حول تاريخ القضية الفلسطينية ونشاهد مجسما لكاميرات الصحافة المهشمة من قبل جنود الاحتلال لنصل الى قسم خاص يجسد العدوان على قطاع غزة، حيث نسمع جرس هاتف إن قمت بالرد عليه يردك صوت باللغة الانجايزية يقول لك  "أنا الكابتن داني من الشاباك الاسرائيلي سوف نقوم خلال 5 دقائق بقصف منزلك عليك الاخلاء" وذلك محاكاة لما يحدث في قطاع غزّة. ثم ننتقل الى القسم الأخير من هذا العمل الفني التاريخي الرائع وهو القسم الخاص بالحياة وتحدي وجود الجدار حيث نشاهد رجلا يحمل فوق رأسه ثلاث بطيخات الواحدة فوق الأخرى وفوقهم قام بتثبيت العلم الفلسطيني، ونشاهد كيف حول الفلسطينيون قنبلة الغاز الى "قوار" وزرعوا بها وردة، ونشاهد رسما للشهيدة ليلى خالد ونشاهد تفصيلا يبين كيف حول الفلسطينيون عبوة زيت عباد الشمس الكبيرة الى قناع واق من قنابل الغاز المسيل للدموع وصورة لعدد من الأشخاص يرفعون شعار " المياه هي الحياة"، بالاضافة الى صورة تبين كيف يتسلق الشباب الجدار وغيرها من الأمور ذات العلاقة.

بعد ذلك نصعد الى الطابق الثاني حيث نجد جاليري للوحات عدد من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين يجري توسيعه حاليا.
خلاصة القول ، لو أن كل منشأة إستثمارية فلسطينية إقتصادية، سياحية، ثقافية أو إجتماعية ، رسمية، غير رسمية، في ركن صغير .. مساحة صغيرة .. تم إقامة مثل ها المتحف المصغر .. تذكيرا .. ربما نصل الى عقل وفكر السائح ليدرك حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. لو في كل قرية وبجهود أهلها تم إنشاء متحف مصغر يروي تاريخ هذه القرية، لو جرى التفكير بإعادة إسطبل خيل الفارعة الى متحف بمثل معتقل الفارعة وكذلك معتقل الظاهرية وغيرها من الأماكن التي خصصها الاحتلال للقمع والتنكيل ... ولو كل واحد منا وثق التاريخ الشفوي لأجداده ووالديه لشكل ذلك كله خدمة جليلة للنضال الوطني الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير