العنف ضد الأنثى وحش كاسر بقطبين

26.09.2018 07:52 AM

كتبت: مها أبو عين

ليس غريبا أن تنقطع أنفاس المرأة الفلسطينية جراء العنف الذي يصر على ملاحقتها وكأنه ظلها او جلدها غير المرغوب فيهما من ناحيتها في هذه الحالة مهما كانت الالوان او الظروف الخاصة بهما . فالعنف هو العنف لا يقبل المزاودة التي ترفضها الطفلة والفتاة والسيدة الفلسطينية كالمرأة العربية في أي دولة من العالم العربي وان اختلفت نسب مقاومته والتعبير عنه من امرأة الى اخرى ومن منطقة الى اخرى في ذات البلد الواحد، لتبرز الاختلافات واضحة بين الريف والمدينة والمخيم وبين الشريحة الغنية والفقيرة من النساء وبين الفئات المتعلمة، المثقفة، والأمية حسب ما اشارت اليه واكدته عدة دراسات وابحاث.

يأتي هذا مع ظل اخر تتصارع فيه المرأة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية منذ اكثر من ستين  عاما وهو الاحتلال الاسرائيلي الذي ما زال يضيف عبئا ومسؤوليات جديدة عليها، ليبلغ مستوى العنف في هذه الحالة المركبة اشده ليبلغ الحلقوم وتستوطن اّفاته عصب الدم بدلا من الجلد ليثور البركان بكل عنفوان وبلا تردد . فالعنف يولد العنف حسب ما وصل اليه كثير من الباحثين العرب والاجانب الذين اشاروا الى ان 83% من حالات العنف ضد النساء عامة تتشكل من وراء ان العنف يولد العنف مهما كان نوعه ففي كل الحالات هو وجوه لمجرم واحد وعقرب واحد اسمه العنف.

اما الأخطبوط الاكبر "العنف اللفظي" فهو  قائد مركب العنف وقبطانه الاول والاكثر فتكا هو سم يمشي على أربعثعبان كبير يتناسل بغوغائية وعشوائية لا حدود ولا حساب لها لينفث لسانه اللاذع بالمزيد من صور قتل النفس قبل ولادتها، قتل الربيع في مهده لتنعدم مع ذلك روح الجمال الانثوي في لحظة تزاحم وصراع على البقاء "للأصلح والأقوى" بين المرأة والرجل وكأنه سجال من العداء والداء الأبدي الذي تستفحل اعراضه ومخاطره ليس في فلسطين وحدها وانما في جميع بقاع العالم، فقد اثبتت الدراسات على ان العنف اللفظي "النفسي" هو اشد انواع العنف قسوة على المرأة لما له من اثار وخيمة وكأنه البذرة الاولى لشتى اشكال العنف الاخرى التي لا تولد الا من رحمه ليكون الراعي الاخطر بأيسر الوسائل المتاحة !

اعتقد بأن اثار وعواقب ونتائج العنف اللفظي تلخصها عبارة (يسّم بدنك) الفلسطينية التي يتكرر نطقها في حال نشوب خلاف ما وكأنها تلخص وتمهد الى ما هو قادم (العنف الجسدي ) او (الجنسي) او --- الخ . فالبدن في مفهومه العام والاسلامي كيان واحد ان اشتكى منه عضو تداعت له سائر الاعضاء بالسهر والحمى !.

ومن الكلمات ذات الدلالة الخطيرة (يلعنك) وهي تتردد كثيرا تعكس اشد انواع الايذاء النفسي للمرأة خاصة وانها منتشرة بين الاطفال والفتيات الصغار الذين يرددونها احيانا على الرغم من انهم قد لا يعلمون تماما ما مغزاها , ولكنها طرق التنشئة الاجتماعية التي يتاثر عبرها الابناء والبنات بكل ما يدور حولهم , فهل المرأة شيطان !؟.

"وله"  بفتح الواو وكسر اللام والهاء  كلمة اخرى تقال للمرأة في حال وقوع السم عليها هدفها الحط من مكانتها وتحقيرها واهانتها وتعتبر الكلمات الاكثر سوءا في اسلوب التعامل مع المرأة . واعتقد ان صح لي التعبير بانها نشأت من كلمة (ولد) ولكن باستبدال حرف الدال الى هاء وكأن الأمر مقصود في التفرقة والتمييز !.

"يخرب فنك" عبارة أخرى يبدو انها متأثرة بصفة "التخريب" والدمار السائدة في فلسطين ولكنها هنا تحمل مفهوما اخر(الفن) وهو في معناه الوجود كله!.

"الله يذلك" عبارة تسقط التعاليم الدينية والتخويف منها ويستغلها لالحاق المذلة دون اقتراف أي ذنب اتجاه الله وكأن هذا ضغط للشعور بالذنب من فراغ ودون سبب ! ومثلها "الله لا يجيرك ".

"شو قلة هالعقل " من اشد العبارات اساءة للمرأة وبقدراتها الذهنية، العقلية، الخ . وكأن الهدف منها زعزعة ثقتها بنفسها والعدول عن قراراتها عن طريق التشكيك فيها وبالقرار مهما كان نوعه . وكأن الرجل هو صاحب القرار دون منازع او حتى مناقشة او مجرد الاستماع الى الطرف الاخر وكأنه يريد وقف الحديث واجبار المرأة على الخضوع والسكوت وبالتالي نبذ عقلها ونبذها عن الوصول الى الابداع.

"ولك انت ناقصة " : تخاطب هذه العبارة المرأة من قبل الرجل لتدلل على النظرة الى المرأة (مهما اختلف عمرها او مكانتها الاجتماعية او الاكاديمية )، بهدف اقناعها بأنها مهما بلغت ووصلت الى اهدافها وطموحها فهي صفر لا شيء يبقى ينقصها الكثير حسب مفهوم الرجل والمجتمع معا الذي يدعم المفهوم بعبارة "المرأة تبقى ناقصة عقل ودين !

"المرأة سجادة كل ما دعست عليها بتجوهر " : مثل من الأمثال الشعبية يردد كثيرا يعكس الاذلال الواقع على المرأة من خلال كلمة "دعست التي نهايتها التلاشي والاعدام . والمثل متأثر بعادات المجتمع وقيمه التي تنادي الى ان الرجل صاحب القرار ومن يملك زمام الامور لا بالتشاور والتحاور وانما بالخبط أي الضرب والدليل السجادة!.

لانقاذ المرأة الفلسطينية والعربية من سعار العنف اللفظي لا بد من العمل سويا كنساء في المرتبة الاولى قبل دعوة اي شريحة مجتمعية اخرى لننطلق من ذواتنا ومن داخلنا الى حلقات المجتمع الاوسع بدءا من الاسرة النووية مرورا بالممتدة منها وصولا الى المجتمع مؤمنين بحتمية التجديد طبقا للاسس التالية :

1- المجتمع قوّام على التغيير، الثقافة قوّامة على التغيير، التربية قوّامة على الرجل، هذه هي السبل الكفيلة بمحاربة العنف واستئصال جذوره، خاصة مع عجز القانون امام المجتمع . فالأول (القانون) مهما بلغ الى مستويات جديدة من انصاف المرأة وحقوقها –احيانا- يبقى حبرا على ورق تخالفه أقاويل وخرافات المجتمع .

2-  مواصلة التنسيق بين كافة المؤسسات على ضرورة انشاء مراكز خاصة تتبنى النساء المعنفات وتدعمهن في مختلف المجالات.

3- تكثيف التركيز على التعليم ودعم مؤسساته مع منح المرأة حقها في التعليم، خاصة في مناطق الريف، للحد من نسبة الأمية بين النساء وادماجهن في خطط التنمية الشاملة للمجتمع، مع مراعاة توجيه برامج تربوية لتوعية الفتاة في سن مبكرة قبل الانتهاء من المرحلة الثانوية، لتعزيز ثقتها بنفسها وبكافة قدراتها وتضمن ايضا التركيز على برامج تعزز حق ثقافة الحوار لكل شخص في الأسرة، مع ادخال مفاهيم تبادل الأدوار (الجندر ) الى المناهج الدراسية.

4- دعوة الباحثين والباحثات الى اجراء وتعميق الدراسات حول العنف بشكل تفصيلي يعكس الواقع كما تعانيه النساء . مع دعوة موجهة الى المرأة بضرورة اتباع اسلوب المواجهة المباشرة وعدم اللجوء الى الهروب من اخفاء الحقائق وعدم الالتزام بالصمت، وذلك بهدف الوصول الى علاج يحد من العنف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير