"هآرتس": هذه هي الدولة التي وضعت حداً لإسرائيل!

28.09.2018 12:40 PM

وطن- وكالات: في مقاله بصحيفة «هآرتس»، يسلط الصحافي اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي الضوء على التداعيات التي تسبب فيها إسقاط طائرة روسية ومقتل فردًا من طاقمها على يد الدفاعات الجوية السورية أثناء تصديها لطائرات إسرائيلية تحلق في أجواء سوريا، وما تلى ذلك من غضب روسي انصب على الإسرائيليين، الغضب الذي يراه ليفي خطوة إيجابية لكبح جماح «الغطرسة» الإسرائيلية وردها إلى معطيات الواقع.

ويفتتح ليفي كلامه بالقول: «ثمة بريق أمل يلوح في الأفق أخيرًا»، هناك من يضع حدودًا لإسرائيل، فللمرة الأولى منذ سنوات تقرر دولة ما أن هناك حدودًا للقوة الإسرائيلية، إن إسرائيل ليست مفوضة بفعل أي شيء تريده، وأنها ليست الطرف الوحيد في اللعبة، تأكد إذًا أن الأمريكيين لا يستطيعون التغطية على الأفعال الإسرائيلية إلى الأبد، وأن هناك حدًا للأذى الذي يمكن أن تسببه تل أبيب للآخرين، وإسرائيل – في الحقيقة – تحتاج بالفعل إلى من يضع لها حدودًا كهذه، بالضبط كما تحتاج الأوكسجين للتنفس.

ساعدت الغطرسة الإسرائيلية، وفق ليفي، والواقع الجيوبوليتيكي في المنطقة في استفحال هذا الأمر. تحلق الطائرات الإسرائيلية في أجواء لبنان كما لو كانت أجواءها، وتقصف في المجال الجوي السوري كما لو كانت في أجواء غزة، وتدمر غزة نفسها بانتظام، مبقية إياها تحت حصار مستمر لسنوات، كما أنها تحتل الضفة الغربية. لكن فجأة يقف أحدهم ليصرخ : «أوقفوا هذا الآن»، هذه هي النهاية إذًا، على الأقل في سوريا، «شكرًا ماما روسيا»، يقول الكاتب، لأجل وضع القواعد لطفل لم يكن توقفه أي قيود لسنوات طويلة.

الغيبوبة التي أصابت إسرائيل من جراء الرد الروسي، والكلام لليفي، والشلل الذي أصاب حكومتها، يظهر إلى أي حد كانت إسرائيل تحتاج شخصًا راشدًا مسؤولًا لردها إلى صوابها. هل يجرؤ أحد حقًا على تهديد حرية الحركة الإسرائيلية في دولة أخرى؟ هل يملك أحدهم منعها من التحليق في أجواء ليست بأجوائها؟ هل يحرمها أحد من القدرة على قصف أي مكان تريده؟ لعقود طويلة لم تواجه إسرائيل ظاهرة غريبة كهذه. تفسر صحيفة «إسرائيل اليوم» الظاهرة بأن العداء للسامية يتصاعد في روسيا، قررت إسرائيل إذًا أن تلعب بورقة الضحية مجددًا، لكن تأثيرها فيما يبدو لم يعد فعالًا.

في أبريل (نيسان) الماضي، أوردت وكالة «بلومبرج» للأنباء تهديدات على لسان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يدلين وضباط آخرين يؤكدون فيه أن سلاح الجو الإسرائيلي سيقصف أنظمة الدفاع الجوي «إس-300» إذا سلمتها روسيا لسوريا، لكن الآن يبدو أن لهجة التحدي تلك تخفت في إسرائيل، على الأقل مؤقتًا.

لدى كل دولة الحق في امتلاك أسلحة للدفاع ضد الطائرات المقاتلة، بما في ذلك سوريا. وليس لأي دولة أخرى أن تمنعها من ذلك بالقوة. لكن يبدو أن تلك الحقيقة البدائية غريبة على أسماع الإسرائيليين. ليس هناك معنى لسيادة الدول الأخرى بالنسبة للإسرائيليين، حيث يمكن انتهاكها بالقوة متى أرادوا، فقط السيادة الإسرائيلية يجب أن تظل استثناء ويجب احترامها.

أما إسرائيل، فيرى ليفي أنها تعتبر أن بإمكانها التدخل في شؤون المنطقة، بما في ذلك عبر استخدام القوة العسكرية، دون أن تدفع أي ثمن، وكل ذلك باسم الأمن القومي – سواء كان ذلك الأمن حقيقيًا أم متخيلًا – لكن ذلك كله اصطدم فجأة بصرخة «لا» روسية، وكم كان الإسرائيليون بحاجة إلى تلك الـ«لا» حقًا، ليستفيقوا أخيرًا إلى حجمهم الحقيقي.

برأي الكاتب، وصلت الرسالة الروسية في الوقت المناسب تمامًا، رئيس حي يقبع في البيت الأبيض يرسم سياسته إزاء الشرق الأوسط بناء على تعليمات داعميه في لاس فيجاس و«بلفور ستريت»، حيث تشعر إسرائيل بأنها تحلق أخيرًا في السماء السابعة، وحيث السفارة الأمريكية تنتقل إلى القدس وحيث الأونروا تنسحب من مواقعها.

فجأة يأتي الضوء الأحمر من موسكو ليرد إسرائيل إلى رشدها، ويذهب عنها سُكرة القوة التي تملكتها في السنوات الأخيرة، ربما تلك بداية الطريق لرد إسرائيل إلى طريق الحكمة والعقل إذًا. أصبحت روسيا – بدون أن تقصد ربما – أكثر فائدة لإسرائيل من كل الدعم المجنون والفاسد التي تلقتها من الإدارة الأمريكية الحالية ومن سابقاتها.

وضعت إسرائيل خطوطًا عريضًة للعالم للتعامل الأمثل مع إسرائيل، باستخدام اللغة الوحيدة التي تفهمها تل أبيب، فلندع إذًا أولئك الذين يهتمون حقًا برفاه إسرائيل، وبقيم العدالة أيضًا، يتعلمون كيف يجب أن تجرى الأمور: بالقوة وحدها، إسرائيل فقط تفعل الشيء الصحيح حينما تتلقى العقاب المناسب أو تدفع ثمنًا لأفعالها. ومن الآن فصاعدًَا سيفكر سلاح الجو الإسرائيلي مرتين -وربما أكثر- قبل أن يقرر قصف أهداف في سوريا.

ويختتم الصحافي الإسرائيلي كلامه بالقول: من يدري؟ لو كانت الـ«لا» الروسية تحلق في أجواء غزة أيضًا، لربما كان بالإمكان تجنب الكثير من القتل والدمار. لو كان الاحتلال الإسرائيلي قد ووجه بقوة دولية لانتهى منذ زمن.لكن بدلاً من ذلك، لدينا دونالد ترامب في واشنطن، وإدانات الاتحاد الأوروبي المثيرة للشفقة لعمليات الإخلاء في خان الأحمر.

 

تصميم وتطوير