حماس وسيناريو الهدنة مع إسرائيل: تمهيد لفصل غزة أم محاولة لفرض شروط مسبقة على المصالحة؟

30.09.2018 03:00 PM

كتب: فادي أبو بكر

لم تبلغ التحركات والاتصالات التي جرت حتى الآن لإنجاز ملف المصالحة الفلسطينية خواتيمها المرجوّة، إذ يبدو انّه لا تزال أمام هذا الاستحقاق أشواط طويلة من النقاش، خصوصاً بعد الحديث عن إنضاج اتفاق هدنة منفرد بين حماس وإسرائيل في بداية آب من العام 2018م، الذي لاقى رفضاً قاطعاً من قبل حركة فتح وحتى أطراف فلسطينية أخرى كالجبهة الشعبية، والذي بدوره وسّع من رقعة أزمة المصالحة الفلسطينية. 

على الرغم من تعطّل الهدنة بعد رفض إسرائيل رفعاً كاملاً للحصار عن قطاع غزة مقابلها، إلا أن تحركات حماس السياسية الجديدة، والتي تمثلت أبرزها بجلسة تشريعي غزة التي عُقدت يوم الأربعاء الموافق 26 أيلول 2018م، توجّه رسائل مبطّنة بأن خيار الهدنة مع إسرائيل ما زال قائم وبقوة.

أوصى التقرير الذي أعدّته ما يسمى باللجنة القانونية بالمجلس التشريعي في غزة، إلى "مخاطبة كافة المحافل والمنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة بأن الرئيس محمود عباس منتهي الولاية لا يمثل الشعب الفلسطيني وأية إلتزامات توقع معه غير ملزمة للشعب الفلسطيني ".

يأتي هذا التقرير قبل يوم واحد من توجه الرئيس الفلسطيني لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أكد فيه على أن "القدس ليست للبيع وحقوق الشعب الفلسطيني ليست للمساومة، وأن أي تفاهمات أو اتفاقات جرت سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية لن يتم الالتزام بها فلسطينياً طالما لا يوجد التزام من الطرف الآخر ".

لا يمكن أن يختلف على خطاب الرئيس عباس أي فلسطيني، طالما ما زال صائناً ومدافعاً عن الثوابت الفلسطينية. إضافة إلى ذلك فإن الرئيس قد لوّح في خطابه بإمكانية إلغاء كل الاتفاقات والتفاهمات التي جرت مع إسرائيل أو الولايات المتحدة الاميركية، الأمر الذي يتلاقى مع ما كانت حركة حماس دائماً تنادي به، فما الذي استجدّ على الساحة؟ وما الذي جعل حماس تحارب الرئيس بهذه القوة؟.

أصبح ملف المصالحة الفلسطينية ضرورة وطنية ملحة، بل استحقاق وطني بالنسبة للفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى، نظراً للانهيار الكامل لحل الدولتين وعدم وجود حل آخر في الأفق. حيث تتضاعف الضغوط الاقتصادية والأمنية الإسرائيلية في ظل انسحاب متزايد للمجتمع الدولي من “عملية السلام”، ودعم أمريكي صريح للمخططات الإسرائيلية التوسعية، وتواطؤ بعض الدول العربية مع المخططات الإسرائيلية والموقف الأمريكي الجديد، في إطار ما يسمى بـ “صفقة القرن”، التي رغم غموض ملامحها إلا أن قائمة أبرز ضحاياها والفائزين فيها غير مجهولة للعالم.

في ظل المصالح الحزبية التي يتضح أحد شواهدها في الاستجداء الحمساوي للهدنة المنفردة، والضرورة الوطنية الملحة لإنجاز المصالحة، والهجمة الأمريكية – الإسرائيلية المزدوجة وما يرافقها من تواطؤ البعض العربي والدولي، يخرج السؤال الذي يفرض نفسه على الطاولة : ما آفاق المصالحة الفلسطينية في ضوء التوجهات الحمساوية والدولية المستجدة؟

تتمثل أحد أبرز الأهداف الأمريكية - الإسرائيلية في عدم السماح بتواصل جغرافي حقيقي بين الضفة وغزة وصولاً إلى أن تصبح الأردن وطناً للفلسطينيين، وتصبح القدس عاصمة لإسرائيل اليهودية، وعليه فإن مسألة فصل غزة تمثل ركناً أساسياً في الخطة الأمريكية الإسرائيلية وصفقة القرن المزعومة، وأيضاً مصلحة حمساوية حزبية ضيقة، إذا ما تمت قراءة الموضوع من منطلق المصلحة الحزبية الخالصة.

أما في ميزان المصلحة الحزبية الممزوجة بالضرورة الوطنية، فإن مسألة الهدنة قد تكون مناورة من قبل حركة حماس لتحسين أوضاعها، ومحاولة فرض شروط مسبقة على المصالحة الفلسطينية.

الهدنة من منطلق المصلحة الحزبية

إن ما تمت قراءة الهدنة من منطلق المصلحة الحزبية الخالصة، فإن حركة حماس بالتأكيد تسعى لتعزيز قبضة حكمها في قطاع غزة، وبحاجة إلى التقاط أنفاسها بعد التغيرات الإقليمية التي جرت من سقوط حكم الإخوان في مصر، وفقدان الدعم السوري، وتذبذب العلاقة مع إيران وحزب الله. وحتى قطر الداعم الرئيسي تهلهل نوعاً ما بفعل الأزمة الخليجية المستمرة.

أكد خليل الحية نائب قائد حركة حماس بقطاع غزة في مقابلة له بتاريخ 17 أغسطس 2018م، بأن الهدنة مع إسرائيل وصلت مراحلها النهائية بفعل الجهود المصرية والأممية والقطرية، مشيراً إلى أن الحديث عن التهدئة مبني على تفاهمات 2014م . ولكن تفاهمات 2014 تقتضي أن يرتبط ملف المحادثات بشأن إنهاء الحصار بتمكين حكومة الوفاق الوطني وإتمام المصالحة، وبالتالي فإن هذا يعني وجوباً أن التهدئة هي على مقاس حمساوي بحت ويلغي كل الأطراف الفلسطينية الأخرى.

في تفاصيل الهدنة تناول تحليل لأليكس فيشمان محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن إسرائيل في الهدنة المزمع عقدها مع حماس هي تقدم "بضاعة مستعملة"، فقد سبق أن جرى الحديث عن ميناء صناعي عائم في العريش، وميناء في قبرص ومطار في إيلات وعن بنى تحتية إنسانية واستمرار الحوار على إعادة الأسرى والمفقودين، من قبل اندلاع الإضطرابات. إن هذا يعني أن إسرائيل لن تخسر شيئاً، لأنه أيضاً من ضمن الطروحات أن تدفع قطر الرواتب لموظفي حماس في مسار يتجاوز السلطة وهذا مقصود منه المس بمكانة أبو مازن الشرعية وبالتالي تعزيز الإنقسام أكثر فأكثر واستفراد إسرائيلي أكبر فأكبر.

من منطلق المصلحة الحزبية مرة أخرى، يبقى التخوف الأكبر أيضاً أن يكون هناك إتمام لصفقة تبادل أسرى، بحيث تكون غطاءً تلتحف به حركة حماس أمام الشارع الفلسطيني. بمعنى أن تحاول حركة حماس عبر هذه الصفقة تحقيق إنجاز يغطي عن مصيبة كبرى تتمثل في التمهيد للفصل الفعلي لغزة، مستغلة خصوصية قضية الأسرى كأكثر قضية حساسة لدى الشعب الفلسطيني.

الهدنة من منطلق الضرورة الوطنية

أما في ميزان المصلحة الحزبية الممزوجة بالضرورة الوطنية، فإن مسألة الهدنة قد تكون مخرجاً لحركة حماس في ظل عجزها عن توفير أدنى متطلبات الحياة للفلسطينيين، وأن ذلك يأتي بالتوازي مع كونها  فرصة التقطتها حركة حماس لإلتقاط أنفاسها من جانب، في سبيل تحسين أوضاعها الداخلية والدولية إلى جانب فرض شروط مسبقة على المصالحة،  خصوصاً وأن حركة فتح كانت قد أعلنت موافقتها على الهدنة في غزة وفق تفاهمات 2014 وتصدياً لصفقة القرن.

من هذا المنطلق فإن مسألة الهدنة قد تكون ورقة ضغط تستخدمها حماس ضد السلطة الفلسطينية والأطراف العربية والدولية ذات العلاقة، في سبيل تحسين شروط التفاوض سواء في مجال الدعم المالي الذي تتلقاه، وشكل الانخراط في الهرم القيادي الفلسطيني القادم. بكل الأحوال فإن الضرورة الوطنية المتمثلة برفع الحصار عن غزة وحل الأزمة الإنسانية المتفاقمة يجب أن يرافقها إنجاز المصالحة.

بالنهاية لا يوجد أي طرف منتصر أو مهزوم من بعد المصالحة، فهي ليست معركة كسر عظم إلا مع الإحتلال الإسرائيلي المتلذذ والمنتشي من استمرار هذا الحال.

الهدنة في المعترك الدولي

مع ابتداء الحديث عن الهدنة دخلت الهدنة والمصالحة معاً في المعترك الدولي، ولم تعد المسألة مقتصرة على حركتي فتح وحماس وإسرائيل، وكثرت الأطراف الداخلة على الخط، فيما يبدو أن الهدنة جزء من مخطط ولعبة أكبر من مجرد هدنة.

في الوقت الذي أشار فيه الحية إلى أن هناك "توجه دولي لكسر الحصار عن غزة والمتعنت عن رفعه هما عباس وفتح"، كشف عبدالباري عطوان أن  القطريون والمصريون في حالة عداء غير مسبوق، ولكنّهم وضعوا خلافاتِهم وعداواتِهم جانِباً، واتفقوا على التهدئة، مصر تُخَطِّط، وقَطر تُمَوِّل. من جانب آخر كشف النائب البرلماني المصري مصطفى بكري أن قطر طلبت من إسرائيل لعب دور مصر في المصالحة. كل القراءات تشير إلى أن صفقة القرن هي باتت استحقاق يفرض وضع الهدنة في الفرن في مقابل وضع المصالحة في الثلاجة.

خاتمة

يبقى الرهان على تحركات حركة حماس المقبلة التي عليها إدراك هذا الواقع والامتناع عن التساوق مع تنفيذ المخططات المأجورة. وإن  إتمام المصالحة بكل تأكيد سيجعل كل الصفقات تذهب في مهب الريح، فالتهديدات والإجراءات الأميركية من قطع التمويل وزيادة الحصار على كافة قطاعات الشعب الفلسطيني لن تكون "قاتلة" في حال إتمام الوحدة الوطنية، فكثير من الدول لا تحذو حذو ترامب على الرغم من هيمنة أمريكا على العالم.

لن يتقدم مسار المصالحة الفلسطينية قبل إبرام هدنة إعلامية، خصوصاً في ظل تكاثر الوكالات الإعلامية المصدّرة للإشاعات، والتي تهدف إلى تمييع المواقف والآراء المؤدية إلى حل ملف الانقسام الفلسطيني. إذ تنشر أكاذيب عن لقاءات لم تحدث، ومصادرها مظلمة. لا بدّ من اتباع سياسة الحزم إزاء هذه الوكالات التي تسعى لتمزيق الممزق وشرذمة المشرذم، وأعتقد أنها تقوم بمهمتها على أكمل وجه!.

المصالحة الفلسطينية باتت استحقاق وطني فلسطيني يحتاج إلى أرضية قانونية وتنظيمية متكاملة تؤطره، وفي الختام لا يمكن فصل المصالح الحزبية والضرورة الوطنية والمعترك الدولي عند قراءة المصالحة الفلسطينية، بصفتهم مفاعيل أساسية مرتبطة بمسار المصالحة الفلسطينية. وبالتالي يبقى مستقبل قطاع غزة ومستقبل صفقة القرن المزعومة منوط بمدى طغيان كل واحد من هذه المفاعيل على الآخر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير