ما بين حراك الضمان الاجتماعي والحملة الوطنية للضمان

راس المال يحرك موظفيه ضد الضمان

16.10.2018 03:38 PM

 كتب وسام  رفيدي : بتنظيم اعتصام حراك الضمان الاجتماعي يوم الاثنين السابق على دوار المنارة، تنطرح سلسلة من الأسئلة الحامضة التي يبدو غابت عن العديد من المهتمين وخاصة عمن شاركوا في الاعتصام.

اولاً: لماذا الحراك؟ ليس هذا سؤلاً يلمّح لرفض النضال النقابي من أجل قانون ضمان اجتماعي عادل للعمال والمستخدمين، بل سؤلاً يطرح موضوعة الأداة التنظيمية الضرورية لخوض هذا النضال. فطالما أن الأداة موجودة منذ 2016 وهي الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي، أداة تشكلت شرعيتها من كونها ممثلة لعشرات المؤسسات والاتحادات والنقابات والهيئات، وتوجت نفسها كأداة شعبية نقابية في تنظيمها فعالية شعبية ضمت حسب أقل التقديرات بين 12-15 آلاف متظاهر في اول فعالية نقابية بهذا الحجم في التاريخ الفلسطيني المعاصر، نعود للقول: فطالما أن الأداة هذه موجودة لماذا تشكل الحراك أصلاً؟

    لا ينفع هنا التمترس خلف المأثور الدارج: زيادة الخير خيرين، فهذا في أحسن الأحوال إخفاء للهدف الحقيقي، كما نعتقده وراء تشكيل الحراك، وفي أسوأ الاحوال استغفال للعقول. ما ينفع هو إثارة التساؤل حول الهدف الحقيقي وراء التشكيل وهو ما نعتقده ضرب للحملة الوطنية خدمة لرأس المال الفلسطيني المعبر عنه في المصطلح (أصحاب العمل).

فمنذ انطلاق فعاليات الضمان في العام 2016 ضد قانون المجدلاني حول الضمان الاجتماعي كان واضحاً أن الصراع بات صريحاً وعلنياً بين الحكومة ممثلة بالمجدلاني واضع القانون ومن خلفه راس المال وبين جموع العمال والمستخدمين الذين عبرت عنهم الحملة تعبيراً أميناً ومخلصاً، ومع ذلك أعلنت الحملة، بعد نجاحها بتعديل القانون في 17 مادة فيما يشبه اسقاطه وإعادة كتابته، أعلنت أنها مع ذلك تتحفظ على بعض بنوده وأولها نسب المساهمة وثانيها الإصرار على صرف شهر واحد عن كل سنة كتسوية لمن يلتحق بالضمان. لم يرضِ هذا أصحاب العمل، وسنوضح ذلك.

ثانياً: مَنْ يمثل الحراك؟ هل يمثل العاملين بمختلف فئاتهم، عمال ومستخدمين، أم يمثل رأس المال صراحة؟ ظواهر عديدة تشير أنه يمثل اساساً مصالح رأس المال/ أصحاب العمل. مَنْ نشط بتأسيسه كان من كبار الموظفين والصحافيين الموظفين والمتعاقدين مع الشركات الكبرى، الحملة المنظمة التي شنها صحافيون عبر برامج ممولة من تلك الشركات ضد الحملة الوطنية، والحملة عبر شبكات التواصل وكأن ضالتهم ليس القانون وضرورات تعديل بعض مواده فقط بل الحملة، شعارهم الطاغي في اعتصامهم الاثنين الماضي ( إسقاط القانون) علماً أن الشركات وبعض المؤسسات ومنها مدارس خاصة حشدت موظفيها بقرارات إدارية للمشاركة في الاعتصام معلقين شارات التعريف بشركاتهم، لدرجة أن تندر أحد الصحافيين ان كل موظفي الوطنية وجوال على المنارة فإذا ضربت الشبكة ليس هناك مَنْ يصلحها!!!!

والأهم من كل هذا بتقديري هو تلك البكائيات التي ظهرت في مداولات الحراك على شبكات التواصل حول مصير أصحاب العمل إذا ما طبق القانون.

تلك البكائيات حقيقية إذا تم فعلا تطبيق القانون حسب مطالبة الحملة الوطنية، وخاصة صرف شهر عن كل سنة للعاملين كنهاية خدمة، وهو الخط الأحمر للحملة في موقفها من القانون، سيعني تقليل مستوى الأرباح لرأس المال خاصة أن إحصاءات مركزية تشير أن 75% من العاملين لا يحصلون على نهاية الخدمة حتى لو وُجدت في العقود!!! كما أن الانضمام للضمان سيعني تقديم كشوفات رواتب الموظفين علماً أن 120 الف عامل وعاملة يتلقون أجوراً تحت الحد الأدنى للأجور، ما يستوجب رفع الأجور لردم تلك الثغرة!
من حق رأس المال عبر ممثله في اتحاد الغرف التجارية والصناعية والحراك ان يرفضوا القانون إذ أن إله رأس المال هو الربح كقانون اقتصادي معروف، فليس من رأسمالي يسعى بقدمية نحو قانون سيخفض من مستوى أرباحه!

ثالثاً: ماذا يريد الحراك: بدأ الحراك منذ أعلن عن نفسه بطرح مطلب ( اسقاط القانون) ثم تدحرج لشعار ( تجميد القانون)، وهذا لا يختلف عن الشعار الأول، حتى وصل لشعار ( تطبيق متدرج وتعديلات). هذا التدحرج في المطالب لا يعبر عن إرباك قيادي فحسب بل عن عدم قدرة على تسويق موقف رأس المال. فإذا كان الحراك يستهدف تعديل القانون وردم ثغراته، فالحملة في بياناتها المتتابعة أعلنت ذلك، وإذا كان الحراك يستهدف التدرج في تطبيقه فهذا ما وافقت عليه الحملة في لقائها مع الوزير تقديرا منها لبعض الصعوبات لدى بعض المؤسسات ولإعطائها الفرصة لتصويب وضعها المالي وكذا لمتابعة تدريجية للقانون بغية متابعة التقدم بتعديلات حوله وفقاً للتجربة...إذا كان هذا ذاك فلماذا الحراك مرة أخرى؟

ليس إلا إجابة واحدة: الدفاع عن مصالح رأس المال مشغلهم من جهة وطعن الحملة الوطنية وتمثيلها وموقفها من جهة ثانية.
هل نجح الحراك؟ ربما، أخذا بعين الاعتبار شقه لوحدة موقف العاملين والمستخدمين المتمثل في العام 2016، وبغض النظر عن محدودية حشد اعتصامه على المنارة مقارنة بمسيرة الحملة التاريخية في العام 2016، ولا ينفع هنا التبرير الساذج بانهم لم يحشدون كل الطاقات نظراً لحرصهم على بقاء المؤسسات والشركات عاملة لخدمة الاقتصاد الوطني (الاقتصاد الوطني!! مقولة تستثير الفحص العلمي حول صوابيتها كما تستثير السخرية)، مع ذلك فقد نجح الحراك في استقطاب قطاعات واسعة من الموظفين لحشدهم إما عبر إلزامهم بالخروج أو عبر قدرتهم على التلاعب والتشويه، حد الكذب، على العاملين عند طرح بنود الضمان. ولكن هذا لا يعفي النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وقوى اليسار، المدافعة قولاً عن حقوق العاملين، من أن تراجع مستوى اهتمامها وحرصها على الوصول لقطاعات اوسع فأوسع من العاملين والموظفين، كما نجحت فعلاً في العام 2016. وهنا ينبغي الملاحظة أن فقدان الثقة العالي المبرر بالحكومة وسياساتها المالية يطرح لدى العاملين سلسلة من التحفظات المشروعة حول مدى الثقة بأن تكون الحكومة ضامن لصندوق الضمان وهذا ما نجح الحراك باستغلاله لحشد قطاعات ضد القانون، الأمر الذي يستوجب لا رفض القانون بل إعمال الذهن في خيارات وضمانات تطمئن العاملين على أموالهم، إن كانت إجراءات رقابية جدية ومؤتمنة أو إجراءات مالية/ سياساتية يمكن للاقتصاديين والخبراء الماليين الموثوقين التقدم بها.

وبعد، ليس من عامل أو موظف لا يريد قانوناً للضمان إلا إذا أجّر عقله، أما إن باع عقله فسيعتقد أن رأس المال سيتحرك دفاعاً عنه كعامل لا عن مصالحه الطبقية في الربح الأقصى لمشروعاته. ومطلب قانون للضمان الاجتماعي مطلب نقابي شعبي عمالي قديم، وهذا شيء أما رفض القانون من الأساس فشيء ثاني، أما إذا صار المطلب، بالتعديل والتدريج جامع لكل الفئات الشعبية ونقاباتهم فالحملة موجودة ويمكن عبرها النضال لتعديل القانون عير أداة موحّدة تخوض نضالاً تاريخياً لصالح العمال والمستخدمين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير