خالد بطراوي يكتب لـوطن: ولن تجد لسنة الله تبديلا

29.10.2018 07:32 AM

من الطبيعي وضمن سياق تطور البشرية أيها الأحبة أن تنتقل الراية من جيل الى جيل ليس بعقلية عسكرية إنقلابية، وأنما بعملية إنتقال سلسلة.
من بديهيات الفلسفة نفي النفي، بمعنى أن الجديد يبني ويراكم على القديم وينفي السلبي ويستفيد من العبر المستخلصة، ومن بديهيات الفلسفة أيضا التحولات الكمية الى النوعية، أي أن نسعى دوما الى تحويل الزخم الكمي نحو تحسين في النوعية، ومن الطبيعي أيضا وضمن علم الفلسفة أن نعي أهمية وحدة وصراع الأضداد، فكل شىء يحمل في داخله ضده، وبهذا فإنني أستطيع أن أتفهم ذلك الذي يقاوم التغيير ويترتح بالموقع الذي يحتله فنراه يتشدق بأهمية التغيير "ويلعن سنسفيل" أي شخص يطالب بالتغيير.

في عالمنا العربي نجد دوما رفضا لفكرة الاحلال السلس للجيل الجديد مكان الجيل الأقدم. ففي العسكر إن أردت أن "تشيل" عسكري فإنك تمنحه رتبة أعلى وتحيله الى التقاعد، إذا لم يكن مصيره الموت جراء " حادث سير" أو بإدعاء "إنتحار" أو غيرها من المسميات فقد تعددت الحالات والموت واحد.
في السياسة يقولون لك فلان مخضرم وصاحب خبرة فقد إعترك العمل السياسي منذ عهد الاستعمار المباشر البغيض وعهد الادعاء بالاستقلال الشكلي وعهد الاستعمار الجديد ولا تفوته أية شاردة أو واردة بل ويرث البعض معترك السياسة أبا عن جدا، وآخرون ليس لهم من مصدر رزق إلا " طق الحنك السياسي" والصالونات السياسية تحت مختلف المسميات.

في الاقتصاد هناك جهابذة البنوك وقطاع الخدمات وقلة يهتمون بقطاع الانتاج والعدد الأكبر جل حنكتهم الاقتصادية تتجسد فقط وفقط في الاستيراد بعيدا عن التصدير وتركيزا على السلع الاستهلاكية وتكريسا لحالة التبعية الاقتصادية ويسلطون كل طاقاتهم ورؤوس أموالهم لتكريس ذلك، مع محاربة أي محاولة شابة لاقتصاد وطني فتي وسعي للاعتماد على مصادر البلد والطاقات الشبابية المبدعية، بل يبعدون أكثر من ذلك بالتلذذ باستعباد العاملين تحت إمرتهم ويحاولون إستغلالهم في التحركات التي تخدم غرض ملء جيبوبهم بمزيد ومزيد من النقود.

في المجتمع والاجتماعيات هناك الاباطرة والشيوخ وتكريس مفاهيم أن الجيل القديم هو الجيل الأكثر وعيا ومعرفة وعراقة والتصاقا وترسخا وأن الجيل الجديد ما هو إلا جيل تابع، قليل الخبرة والدراية، منفذ ومطيع لآوامر الجيل الأكبر كيف لا وقد دغدغ مسلسل " باب الحارة" وأججّ هذه المفاهيم والمشاعر وكرس تبعية الجيل الجديد للجيل القديم وكرس رجولية المجتمع ودونية المرأة وتحلقنا جميعا لمشاهدة أجزاءه جميعها بكل ما تحمله من أفكار سلبية، بل وطبق العديد من بعض تصرفات وسلوكيات أبطاله كتصرفات "العقيد" و" الحدعشري" و "عصام" متعدد الزوجات.

في المؤسسات التعليمية فإن كلمة المحاضر الجامعي والأستاذ هي الكلمة الصحيحة بالمطلق والكلمة العليا، وإياك أن تشحذ فكرك أيها الطالب وتفكر، فالتفكير ممنوع وأن يكون لك روح أيضا ممنوع وإن جادلت المحاضر والاستاذ .. فعلامة الصفر هي علامتك، إن لم تنهال السياط والكرباج على جلد ظهرك وإن لم يقرّعك أهلك لأنك " حمار" وإياك أن تذهب الى معرض للكتاب، بل أهرع الى محل البيتزا وإلتهم حضارتها وحضارة الماكدونالدز ..فذلك " أفيد لك".

في سوق العمل بعد التخرج، فأنت أيها الخريج كي يرضى عنك من هم أكثر "معرفة وخبرة" .. عليك أطاعتهم ز" مسح أحذيتهم" .... إن معظم من يمارسون هذه السادية المطلقة عليك لا يعرفون أساسيات تكنولوجيا العصر وليس لديهم الجاهزية لمعرفة كيف يطبعون رسالة على الحاسوب لذلك يتمسكون " بالسكرتيرة الجميلة اللعوب" كي تؤدي المهمة.

في المنظمات الآهلية والنقابات المهنية هناك اباطرة العمل الأهلي الجاهزون لترديد مقولات حقوق الانسان والديمقراطية والشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص وغيرها من المصطلحات الرنانة ويقمعون في ذات الوقت أية محاولة شابة حتى لابداء الرأي كما ذكرت لي صبية شابة واعدة حتى أن بعضهم إنتقد إسمها مؤكدين أنه يهودي المنشأ ورافضون لتأكيدها بأن إسمها كنعاني.

كيف سنسلم الراية في عالمنا العربي والفلسطيني ....  لماذا يستمر ذلك على كافة الأصعدة .... لماذا لا ندرك أن تلك هي معادلات الحياة.. ولن تجد لسنة الله تبديلا.

أقول لزميلتي المهندسة الشابة سعاد ... التي تواصلت معي ويعتمر داخلها هما وخوفا على أولادها وأترابهم .... التي تريد أن تستفيد من ما أسمته "معرفتي وتجاربي" ... إنني أرى الأمل والمستقبل لك وبك .. ولا أخاف مطلقا من أن هذا الجيل والأجيال القادمة ستنتفض علينا ... نحن المتحجرون المتشدقون دوما بضرورة التغيير والمعادون والمناهضون في دواخلنا لهذا التغير.

قال تعالى " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" – صدق الله العظيم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير