أيام ياسر عرفات

10.11.2018 01:13 PM

كتب: أشرف صالح

كنت طالبا في المدرسة ولا يخطر ببالي أنني سأعمل في السياسة، وأكتب في السياسة، أوحتى أعمل في مجال الإعلام، حين أتى ياسر عرفات الى غزة عام 1994م، ولا كنت أعلم أنني سأكب يوما مقالا في ذكرى رحيله، ولا حتى كنت أعلم لماذا جاء ياسر عرفات الى غزة، فكل ما سمعته حينها من أبي وأمي بأنه سيكون لنا شرطة فلسطينية تحكمنا، وأننا سنتجول في بلدتنا بحرية دون قيود أومنع تجوال، وغيرها من الكلمات التي كانت تعبر عن فرحة أبي وأمي والجيران  لقدوم ياسر عرفات الى غزة، حينها بدأت تتكون شخصيتي بمزيج من حب المعرفة، وتغيير الواقع الذي نقلني من الإنتفاضة الأولى الى عصر جديد، وفرحة الناس والخروج الجماهيري الضخم لإستقبال ياسر عرفات .

كنت من رواد الإحتفالات في إستقبال السلطة وخاصة في وقت المدرسة ، فكنت لا أدخل البيت إلا في موعد الطعام، وتعلق قلبي في هذا المشهد الجديد والذي لم أراه من قبل، كما تعلقت قلوب الناس جميعا في هذا المشهد .

لكن هناك حدث مميز لا زلت أتذكره حتى الآن، كان هناك بعض الأشخاص من أبناء بلدتنا يوصفون وجود السلطة في غزة بالخيانه، ويهتفون ضددها ويقولون "غزة أريحا فضيحة"، فعلمت أنهم من معارضين أوسلو، وبعد أقل من عام رأيت هؤلاء المعارضين يرتدون البدلة العسكرية والنجوم فوق أكتافهم، فكان هذا أول درس تعلمته في السياسة . وكانت بدايتي مع حب السياسة والإنتماء الى حزب سياسي .

أيام ياسر عرفات

في ذكرى الرحيل يعجز قلمي وتعجز كل الأقلام في وصف ياسر عرفات، ولكننا سنكون شهاد على زمن عرفات وما وصلنا اليه من زمن، فحين جاء ياسر عرفات من حندق الحرب الى أرض الوطن، مر بمحطات كثيرة تعلمنا منها دروس ودروس، فكانت الإنتخابات في عام 1996م محرمة، وفي عام 2006 حلال حلال، وكانت المفاوضات مع اليهود خيانة، واليوم المفاوضات مع اليهود في غزة مصلحة وطنية، وكان التنسيق الأمني في الضفة خيانة، واليوم التفاهم الأمني في غزة مصلحة وطنية، وكانت رواتب السلطة مشبوهة، واليوم رواتب غزة حقوق مشروعة، وكانت الدولة على حدود 1967م تنازل عن الأرض، واليوم الدولة على حدود 1967م وثيقة رسمية خرجت من غزة، وكانت المواكب منبوذة، واليوم المواكب تتجول في طرقات غزة ليلا نهارا .

أيام ياسر عرفات

كان الشاب الفلسطيني له كرامة , كان المواطن الفلسطيني له إحترام في الدول العربية، كان الطفل الفلسطيني له مستقبل، كانت المرأة الفلسطينية تجلس في بيت زوجها، ليس مطلقة ولا أرملة ولا عانس، كان إبن غزة يزور إبن الضفة عبر الممر الآمن، وكان العامل الفلسطيني يخرج صباحا الى العمل عبر إيرز، كان طالب الجامعة ينتظر التخرج بفارغ الصبر لأنه سيحصل على وظيفة، كانت الطائرات تزين مطار غزة الدولي، كانت أوراق الميناء جاهزة تنتظر التوقيع، كان السولار يملأ المحطات والدولار يملأ الجيوب دون حزبية وتفرقة بين الناس، وكان مقابل عمل وليس مقابل دماء، كان الشيخ صادقا والمسجد للجميع، كان الطفل سعيدا والمرأة كريمة والشاب خلوقا .

في ذكرى رحيل ياسر عرفات لا أستطيع أن أسرد التاريخ كله، فالتاريخ كتاب مفتوح ومتاح للجميع، وليتعلم من يتعلم ويفهم من يفهم، ولكنني خرجت بخلاصة جيدة ومفيدة، وهي أن تاريخ ومراحل ياسر عرفات مليئة بالدروس تستحق أن تكون منهج للتعليم، ولو تعلمنا منها جيدا لما كنا في هذا الحال الذي يصعب على الكافر .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير