أية دولة فلسطينية؟...بقلم: مايكل بروننج

27.08.2011 11:40 AM

في اللحظة الحالية يستعد “الإسرائيليون” والفلسطينيون لمواجهة وشيكة في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ أيلول، عندما تتقدم القيادة الفلسطينية بطلب للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن الحدود التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة عام 1967 (عندما استولت “إسرائيل” على الأراضي التي كانت تحت سيطرة الأردن) . ولا تزال تفاصيل العرض غير واضحة حتى الآن، كما ينطوي هذا الجهد على مخاطر عظيمة . ولكن التقييم الواقعي لما قد يترتب على تصديق الأمم المتحدة على حدود دولة فلسطين يسمح لنا ببعض التفاؤل الحذر .

فعلى ضوء الطريق المسدود الذي بلغته المفاوضات الثنائية مع “إسرائيل”، قد يؤدي التركيز الفلسطيني على محاولة إقامة دولة غير متمتعة بالعضوية لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تعظيم احتمالات حصول هذه العملية على دفعة قوية للانطلاق من جديد . والواقع أن الخطة الفلسطينية أسفرت بالفعل عن نوبة غير مسبوقة من الجهود الدبلوماسية المحمومة . ففي حين يسافر الفلسطينيون إلى مختلف بلدان العالم لالتماس الأصوات المؤيدة، ينهمك المسؤولون “الإسرائيليون” في جهود حثيثة في اللحظات الأخيرة لثني الدول عن دعم ما يعدونه جهوداً أحادية فلسطينية .

ولقد أسفرت هذه الدَفعة الدبلوماسية عن نتائج كانت متوقعة إلى حد ما . ففي حين أعلنت الولايات المتحدة عن اعتزامها استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، تعتزم عِدة دول أوروبية، ومنها المملكة المتحدة وفرنسا، دعم هذا التحرك إذا ظلت المفاوضات مع “إسرائيل” على حالها من المداورة والمراوغة .

وتعكس هذه الخلافات العالمية التقديرات المتضاربة لتحرك الأمم المتحدة في “إسرائيل” والمناطق الفلسطينية . ففي القدس، حَذر وزير الدفاع إيهود باراك مراراً وتكراراً من “تسونامي الدبلوماسية” واندلاع موجة جديدة من العنف إذا لم يغير الفلسطينيون مسارهم . ومن ناحية أخرى، هددَت أصوات من اليمين “الإسرائيلي” بالرد على تحرك الأمم المتحدة بإلغاء اتفاقات أوسلو التي تم إبرامها عام 1993 على الفور .

وحتى وقتنا هذا كان لهذه التحذيرات أثر محدود في رام الله، مقر السلطة الوطنية الفلسطينية، ويظل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عازماً على الاستمرار في تنفيذ الخطة . ففي يوم الأربعاء أكد عباس المضي قُدُماً في المحاولة لدى الأمم المتحدة “حتى ولو استؤنفت المفاوضات” .

ويرى عباس أن الأرض ممهدة الآن، فقد عملت جهود بناء الدولة على إصلاح المؤسسات الفلسطينية المعطلة سابقاً، كما مكّنت قدراً كبيراً من النمو الاقتصادي . لا شك أن الأمر لا يخلو من مشكلات خطرة متعلقة بالميزانية . فتسديد الفواتير ليس بالمهمة السهلة، ليس فقط لأن “إسرائيل” تتباطأ في تحويل عائدات الجمارك، بل أيضاً، لأن المساعدات التي تَعِد بها الدول العربية كثيراً ما لا تصل على الإطلاق .

بيد أن البنك الدولي أعلن في ربيع هذا العام، أن المؤسسات الفلسطينية “في وضع جيد يسمح لها بإقامة الدولة في أي وقت من المستقبل القريب” . فضلاً عن ذلك، فإن تغيير المسار في آخر لحظة أمر بالغ الخطورة على الصعيد السياسي في ضوء الدعم الشعبي القوي والتوقعات العالية في المناطق الفلسطينية .

وفي الوقت الحالي، يتأرجح الفلسطينيون بين خيارين، فإما مخاطبة مجلس الأمن في محاولة للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وإما التقدم بطلب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما أن الفيتو الأمريكي من شأنه أن يجعل النجاح في مجلس الأمن مستحيلاً . ففي حين تكفل موافقة مجلس الأمن للدولة الفلسطينية الحصول على العضوية الملزمة قانوناً، فإن موافقة الجمعية العامة من شأنها فقط ترقية الكيان الفلسطيني إلى وضع “الدولة غير العضو”  على غرار الفاتيكان .

وفي مواجهة احتمالات الفيتو الأمريكي، فإن عدداً متزايداً من المراقبين الدوليين يعارضون بشكل قاطع الخطة الفلسطينية، على اعتبار أنها من غير المرجح أن تولد مكاسب سياسية ملموسة، ولن تسفر إلا عن صرف الانتباه عن المتطلب الأساسي المتمثل لصناعة السلام في الشرق الأوسط: العودة إلى طاولة المفاوضات .

ولكن الفلسطينيين من الممكن أن يتجهوا إلى تحرك يتجاوز عقلية الممارسات ذات المحصلة صفر ويتعامل مع المخاوف “الإسرائيلية”، بل قد يزيد من احتمالات العودة إلى المفاوضات البناءة . ومثل هذا التوجه يقتضي عدم اعتبار التصويت في الأمم المتحدة بديلاً للحل القائم على التفاوض، بل بوصفه خطوة مهمة نحو عملية سلام ثنائية قابلة للحياة . وفي الأسبوع الماضي تحرك عباس في هذا الاتجاه عندما أعلن أن الفلسطينيين “سوف يظلون على استعداد لاستئناف المفاوضات حتى بعد التصويت في الأمم المتحدة” .

وهنا يتيح الافتقار إلى التفاصيل عن قرار الأمم المتحدة المجال للمناورة، إذ يبدأ هذا التوجه بالتراجع عن فرض التصويت الفوري  وتجنب الفيتو الأمريكي الدرامي  في مجلس الأمن . وبدلاً من ذلك، فإن التقدم بطلب جيد الصياغة للحصول على وضع الدولة غير العضو إلى الجمعية العامة من شأنه أن يمهد الطريق إلى الأمام .

فبصياغة هذا الطلب بالإشارة إلى قرار الأمم المتحدة رقم 181 (الذي قضى بتقسيم فلسطين في عام 1947)، يعيد هذا الطلب الإصرار على تأسيس دولة فلسطينية ودولة أخرى للشعب اليهودي، استناداً إلى حدود ،1967 في ظل تعديلات حدودية وترتيبات أمنية متفق عليها بين الطرفين .

ورغم أن هذا التوجه لن يلبي المطالب الفلسطينية الكاملة بكل تأكيد، فإنه يتوافق تماماً مع المعايير التي رسمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في شهر مايو/ أيار . ومن شأن هذا التوجه أيضاً أن يعالج بشكل غير مباشر مطلب الحكومة “الإسرائيلية” باعتراف الفلسطينيين “بالدولة اليهودية” .

وهذا التصويت كفيل أيضاً بمعالجة الأصوات الدولية المطالبة بالدبلوماسية الثنائية . وبدلاً من إغلاق الأبواب فإن إعادة التعريف على هذا النحو للدولة في الأمم المتحدة، من شأنه أن يزوّد الزعامة الفلسطينية بالنجاح الرمزي الذي تحتاج إليه بشدة، بما في ذلك إيجاد الإطار المناسب لاستئناف المفاوضات، وهو المطلب الفلسطيني الدائم .

وعلى هذا النحو فإن هذه المحاولة في الأمم المتحدة من شأنها أن تحول المواجهة إلى أداة دبلوماسية بناءة . لا ينبغي للتركيز على المواجهة الوشيكة في سبتمبر/ أيلول أن يمنع صناع القرار من التطلع إلى الأمام، ذلك أن أي تصويت في الأمم المتحدة سوف تترتب عليه عواقب، ويتعين على الفلسطينيين و”الإسرائيليين” أن يستعدوا الآن للتعامل مع تلك العواقب .

مؤلف كتاب “سياسة التغيير في فلسطين: بناء الدولة والمقاومة السلمية” . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير