قميصُ "المصالحة" بريءٌ من تأجيل الانتخابات المحليّة.. بقلم: هاني المصري

30.08.2011 04:48 PM

وَقَعّ المرسوم الرئاسي بتأجيل الانتخابات المحلية لحين توفر الظرف المناسب كالصاعقة على رؤوس معظم فصائل المنظمة وقطاعات سياسية ومجتمعية واسعة، حيث أجمعت المعارضة الواسعة لهذا المرسوم على أنه قرار إداري وليس مرسومًا، ويتناقض مع أحكام قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية، ويتجاوز الصلاحيات المحددة للرئيس في القانون الأساسي، فضلًا عن تعارضه مع روح القرار الصادر عن محكمة العدل العليا بتخطئة قرار الحكومة السابق بشأن تأجيل موعد الانتخابات.

ولا ينسجم هذا القرار الإداري مع قرار اللجنة التنفيذية الذي أكد على ضرورة المضيّ بإجراء الانتخابات رغم تعذر إنجازها في قطاع غزة، وبصرف النظر عن التعثر في مسيرة المصالحة.

ويتجاوز القرارُ الحكومةَ التي أعلنت أنها ماضية في التحضير لإجراء الانتخابات، كونها الجهة صاحبة الصلاحيات بتحديد موعد الانتخابات كما ينص القانون، وكما يتجاوز لجنة الانتخابات المركزية التي يعطيها القانون صلاحيات بتأجيل الانتخابات لمدة قصيرة  (أربعة أسابيع).

ولا يمكن قبول استخدام قميص "المصالحة" لتبرير تأجيل الانتخابات المحلية إلى أجل غير مسمى؛ لأن حجة المصالحة لا تُقبل لتبرير التنصل من استحقاق الانتخابات ذات الطابع المحلي وممكنة التنفيذ على مراحل، وفي ظل الانقسام، خصوصًا أن الانتخابات حق دستوري وديمقراطي مفترض أن يكون مكفولًا للمواطنين بموجب القانون الأساسي للسلطة والنظام الأساسي لمنظمة التحرير، مع العلم بأن قطبي الانقسام، اللذين جاء مرسوم التأجيل انسجامًا مع قرارهما الثنائي، هما اللذان يتحملان المسؤولية عن التعطيل والمماطلة في تنفيذ اتفاق المصالحة من خلال التعامل معها كعملية دون مصالحة.

وليس مقبولًا أيضًا تبرير التأجيل بحجة استحقاق أيلول، لأن التدويل يتطلب، على العكس، تعزيز الموقف الفلسطيني من خلال تجسيد الركائز الديمقراطية للنظام السياسي، فضلًا عن تنفيذ اتفاق المصالحة وتطويره بحيث يحقق وحدة وطنية حقيقية، وهو ما كان سيؤكد للمجتمع الدولي جاهزية المؤسسات الفلسطينية لاستقلال وطني.

وإذا نظرنا إلى الفترة القانونية لمعظم المجالس المحلية التي جرت فيها الانتخابات، فإنها انتهت منذ ثلاث سنوات، وبعض المجالس كالخليل لم تجر فيها انتخابات منذ زمن طويل، ما أدى إلى استقالة بعض المجالس المحلية، وإلى تعيين وزارة الحكم المحلي للجان بلدية بديلًا عن المجالس المنتخبة، ما أسهم، وفقًا "أمان"، في تعزيز وانتشار الفساد بشكل أكبر بكثير جرّاء فقدان الرقابة الشعبية التي تعتبر أهم وأفضل أشكال الرقابة، ولا يمكن تجسيدها إلا من خلال ضمان دورية ونزاهة وحرية الانتخابات على كل المستويات والقطاعات بما فيها الانتخابات المحلية.

وإذا كانت مسألة تأجيل الانتخابات بصورة فردية وفئوية هي الخطأ لوحدها لهان الأمر، إذ يمكن انتظار استحقاق أيلول وبعض الوقت لتحقيق المصالحة، التي تم التوصل إليها ثنائيًا ويتم البحث في تطبيقيها ثنائيًا كذلك. لكن المعضلة أخطر وأعمق بكثير، حيث أنها تتعلق بـ: عدم تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وعدم تفعيل المجلس التشريعي، وعدم انعقاد الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، وعدم تغيير حتى حكومة تسيير الأعمال رغم وجود شبهات بالفساد أو عدم الكفاءة تحوم حول عدد من وزرائها ومستوى تمثيلها.

 في نفس الوقت الذي أوقفت فيه القيادة المفاوضات الثنائية العقيمة، وقررت تدويل القضية، وهذان أمران حميدان يستحقان الدعم والتأييد؛ لأن المفترض أن يكونا جزءا من إستراتيجية جديدة تتضمن وقف العمل بالالتزامات المترتبة على أوسلو، إلا أنها تدوّل القضية كرد فعل اضطراري وكوسيلة تكتيكية للضغط للإسراع في استئناف المفاوضات الثنائية بغض النظر عن النجاح أو الفشل لمبادرة التوجه إلى الأمم المتحدة.

لقد سقطت إستراتيجية المفاوضات ورُفضت أو عُلِّقت إستراتيجية المقاومة، ولم تتوفر الإرادة السياسية اللازمة لاعتماد إستراتيجية جديدة شاملة وقادرة على التحرك السياسي الفاعل وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وتنظيم مقاومة شاملة فاعلة والالتزام بالاستحقاق الديمقراطي، ورفض العودة إلى مسار المفاوضات الثنائية بأي حال من الأحوال، لأنه خيار أوقع أضرارًا وخسائر لا تُحد بالقضية الفلسطينية.

للمرة الرابعة تكررت مسألة تحديد موعد الانتخابات المحلية والتراجع عنه، ما يدل على تخبط وارتباك شديدين. وتكمن الخطورة في أن تأجيل الانتخابات المحلية تم بصورة فردية تعسفية تتجاوز المنظمة والحكومة ولجان الانتخابات ومحكمة العدل العليا، ما يجعله مظهرًا لاستمرار الانقسام والتعايش معه، ودليلًا على قيام أنظمة بوليسية في الضفة وغزة يتعايش كل منها مع الآخر في ظل غياب القيادة الواحدة والإدارة الفاعلة، واعتماد سياسة البقاء وانتظار ما سيحدث حتى نقرر خطواتنا وليس المبادرة باستمرار.

ويكمن الخطأ في أن الذهاب إلى الأمم المتحدة، والمفترض إقراره منذ عام، لم يُحضَّر له أيضًا بشكل جماعي ومؤسسي جيد، فالفصائل التي هي خارج المنظمة استُثنيت بالكامل، رغم أن توقيع اتفاق المصالحة كان يمكنه فتح باب الحوار والتشاور والتنسيق معها حول المعضلات الرئيسة التي تهم الجميع، وليس الاتفاق على احتفاظ كل طرف بما لديه انتظارًا للمجهول.

وأما فصائل التي هي داخل المنظمة تقوم بدور شاهد الزور، بحيث يتم الاكتفاء بإعلامها بالإطار العام لهذه المسألة ولكل المسائل، إذ نشهد بأن الفصائل جميعها استُثنت من كل المشاورات للعودة إلى مسار المفاوضات الثنائية، كما أن نص ومضمون القرار الذي سنقدمه للأمم المتحدة غير مطروح على أحد سوى على بعض البررة فهو من الأسرار المقدسة، رغم أن أيلول على الأبواب، ومسألة إلى أين سيتم التوجه وأي سيناريو سيُعتمد لنيل العضوية لدولة فلسطين، مع عدم الانتباه الكافي لمخاطر أن يؤدي التوجه إلى الأمم المتحدة إلى الضياع في ظل الانقسام والاعتداء على الحقوق والحريات العامة في الضفة وغزة التي وصلت إلى حدّ إيقاف "وطن على وتر" رغم كل ما يمكن أن يقال فيه، ووقف البروفيسور عبد الستار قاسم عن العمل في جامعة النجاح واعتقاله بتهمة الذم والتشهير قبل إطلاق سراحه، في حين أن مئات القضايا خصوصًا التي تتعلق بالفساد لا يصدر بحقها أي قرارات في غالبية الأحيان.

وإذا أضفنا إلى ما سبق شلل المنظمة وانشغال العرب في صراعات داخلية في مرحلة الربيع العربي الذي لم يزهر بعد، وارتهان السلطة والمنظمة لاتفاقيات أوسلو والتزاماته بشروط اللجنة الرباعية والدعم المالي رغم تجاوز إسرائيل له تجاوزًا يكاد يكون كاملًا منذ زمن بعيد، ندرك خطورة الوضع الذي نحن فيه.

لا يمكن الانتصار في أيلول إذا لم  يدخل الشعب إلى المعركة وإذا لم نستعد لما بعد أيلول، وهناك في القيادة من يقول إن تشرين الأول هو بعد أيلول، أي لا شيء سيتغير! ومن يقول لك لا يوجد تشرين الأول في خارطة القيادة لإبقاء أوراق اللعبة مخفية، والتهديد الضمني باللجوء إلى خيارات دون تحديدها. وهناك من يقول، لكن صوته ضعيف حتى الآن، بضرورة تغيير المسار واتباع إستراتيجية شاملة طويلة الأمد، تعتبر أيلول نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة.

تأسيسًا على ما سبق، نجد أن الشعب الفلسطيني غير مكترث بما يجري، لأن الهوة بينه وبين القيادة والقوى واسعة جدًا وتتسع باستمرار، بحيث لم يعد يثق بما يطرح وبجديته واستمراره.

قد يقول قائل ما الذي أدى إلى تأجيل الانتخابات؟ إن هذا يرجع إلى خشية حركة فتح من الهزيمة في الانتخابات المحلية أو من عدم قدرة القوائم التي تدعمها على الحصول على أغلبية كبيرة رغم مقاطعة حماس والجهاد الإسلامي للانتخابات المحلية، وحاجة فتح إلى إرضاء حركة حماس للحصول على موافقتها للاستمرار بتعليق تطبيق اتفاق المصالحة؛ لأن حماس لا تريد الذهاب إلى الانتخابات في ظل الحصار والتجويع والعدوان والملاحقات الأمنية لعناصرها وكوادرها في الضفة، وتفضل الانتظار مراهنة على الربيع العربي وما سينتهي إليه، خصوصًا في مصر.

وأخيرًا، إذا كانت الفصائل والقطاعات المعارضة للتأجيل جادة في معارضتها، فعليها اتخاذ خطوات جادة مثل الامتناع عن حضور بعض اجتماعات اللجنة التنفيذية كإنذار لما سيكون بعده، ودعوة المجالس المحلية إلى الاستقالة ورفض تعيين مجالس جديدة، وتنظيم تحرك سياسي وجماهيري وقانوني مستمر لا يكتفي بتسجيل الموقف للتاريخ أو بمجرد رفع دعوى مجددًا أمام محكمة العدل العليا.

إن الخطأ ليس محصورًا في نهج وقرارات القيادة، بل تتحمل المسؤولية عنه أيضًا حركة حماس التي رفضت تمكين لجنة الانتخابات المركزية من التحضير للانتخابات المحلية في قطاع غزة، مع حق حماس وغيرها من الفصائل التي تتعرض للقمع والاعتقال المطالبة بتوفير أجواء مناسبة لإجراء انتخابات بعيدًا عن الاعتقالات وإغلاق المؤسسات وفصل الموظفين وتهديد كل من يتعامل أو يؤيد الفريق الآخر، ولكن اشتراط إنهاء الانقسام لتحقيق أي شيء فيما يتعلق بالحقوق والحريات والديمقراطية والمفاوضات والمقاومة سيسهم إسهامًا كبيرًا بتعميق الانقسام وتكريسه.

[email protected]

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير