أجل تنبغي المقاطعة...بقلم: جدعون ليفي/ هارتس

16.07.2011 11:06 AM

(المضمون: يدعو الكاتب الى المقاطعة مع القوى غير الديمقراطية في المجتمع الاسرائيلي لا مع المستوطنات ومنتوجاتها فقط قبل أن يفوت الوقت وتعجز القوى المؤيدية للديمقراطية عن مواجهة الطوفان).

          لم أدعُ قط الآخرين علنا الى المقاطعة مع منتوجات المستوطنات. كل واحد وضميره. فكما أجهد في أن أشتري منتوجات اسرائيل أجهد ايضا ألا أشتري منتوجات مسودة: منتوجات يرتفع فوقها علم أشد سوادا من السواد، هو علم الظلم والسلب. إن قانون المقاطعة الذي تم اتخاذه هذا الاسبوع يجعلني أُغير الاتجاه، فمنذ الآن سأدعو الآخرين علنا الى عدم شراء منتوجات سوداء. أجل، سأدعو الى المقاطعة!.

          "يا، برعخ عن!"، هكذا ارتفع العنوان فوق مقالة زئيف جابوتنسكي التي نشرت في صحيفة حركته في وارسو "هاينت" في الرابع من تشرين الثاني 1932. "نعم، إكسروا!"، ارتفع العنوان فوق ترجمة المقالة الى العبرية والتي ظهرت في الصفحة الاولى من صحيفة "حزيت هعام" في الثاني من كانون الاول 1932 قبل أقل من شهرين من تولي أدولف هتلر الحكم. دعا جابوتنسكي آنذاك الى كسر "طلب الاحتكار والسلطة" لهستدروت العمال في ارض اسرائيل. فقد حان وقت أن ندعو بدعوة لا تقل تأثرا: نعم إكسروا! طلب الاحتكار والسلطة بغير قيود لليمين والمستوطنين في اسرائيل.

          الحديث عن دعوة لا تقل مصيرية عن دعوة جابوتنسكي. فسيطرة المستوطنين وحلقات اليمين المعادي للديمقراطية تُعرض الدولة لخطر أكبر مما عرضتها له الهستدروت التي حاربها جابوتنسكي.

          لا نشتري سلعة مسروقة. قُضي الامر. يجوز ويجب أن نقول هذا بصوت عالٍ قبل أن يُقبل قانون العار هذا وبعد أن يُقبل وبقدر أكبر. على حسب القانون الجديد لاسرائيل الجديدة التي أخذت صورتها تُشوه بسرعة مرعبة إزاء أعيننا (وأعين العالم) الدهشة، سيكون من المحظور قول هذا. الآن من لم يقرأوا دائما الحروف الصغيرة على كل علبة سلطة وكيس كعك من بركان، وفطر من تقوع ونبيذ من الجولان مدعو الى المقاطعة مع هذه المنتوجات. ليست هذه الآن منتوجات المستوطنات فقط بل المسألة مسألة نظام الحكم.

          لا يُدعى الى المقاطعة الآن من يرون أضرار المستوطنات حاسمة بل من يخافون على صورة الدولة والمجتمع اللذين يعيشون فيهما. فالمقاطعة فالمقاطعة فالمقاطعة، لا مع منتوجات الظلم وحدها، بل مع نظام الظلم ايضا. يجب أن نقطع مع هذا القانون الآن. هل يتلعثم المستشار القانوني؟ لا يجوز لبقايا الجمهور ممن يعنيهم الامر أن يتلعثموا مثله. ومن هذه الجهة يوجد قيمة لقانون المقاطعة وجميع أشباهه، تلك التي سبقته وتلك التي ستأتي بعده: فكلما كثرت سينفجر الغضب والاحتجاج. ربما تهز الاسرائيليين في نهاية الامر من عدم اكتراثهم إزاء ما يُفعل باسمهم وما يُفعل بهم. ليس الامر أمر المستوطنات أيها الأحمق بل أمرنا جميعا. لم يعد الحديث الآن عما يجري في ارض الاحتلال فقط البعيدة عن العين وعن القلب، أصبح الامر الآن قريبا من البيت، وهذا البيت يحترق.

          يوجد معنى مهم واحد فقط لقانون المقاطعة فهو يرسم للاسرائيليين ما يجوز لهم قوله وما لا يجوز. لقد أصبح الموضوع الذي كان مختلفا فيه جماهيريا والأشد عصفا بالمجتمع الاسرائيلي، الى أن التف بعدم اكتراثه ويأسه وعدم اهتمامه، أصبح الآن أمرا محظورا بقوة القانون الأبعد عن القانون مما سنّت الكنيست منذ كانت.

          هكذا يضعضع الذخر الاستراتيجي الأهم لاسرائيل – ذخر كونها مجتمعا مفتوحا ديمقراطيا. يدرك هذا اصدقاء اسرائيل في امريكا واوروبا، لكنهم في اسرائيل لم يبدأوا الفهم بعد: فثمن حفاضات الاولاد ما زال يعصف هنا بالنفوس أكثر من ثمن حفاضات الخنق هذه التي لفت بها الكنيست الخطاب العام في اسرائيل.

          اذا استسلم الجمهور (ومحكمة العدل العليا) الآن لهذا القضاء فسيأتي على أثره مطر أقضية لا يتوقعه أحد. اسألوا الدانونيين والالكينيين ماذا يوجد بعد في جعبتهم، الجعبة التي تطلق السهام مباشرة الى قلب الديمقراطية. لا تجوز اليوم الدعوة الى مقاطعة وستُمنع غدا الدعوة الى انهاء الاحتلال. لا يجوز اليوم أن ندعو الى عدم شراء حلاوة "أحفا"، ولن يجوز غدا أن ندعو الى الأخوة (أحفا) بين اليهود والعرب.

          انتظروا، انتظروا وسترون. إن الخطاب الاسرائيلي الضئيل سيتضاءل الآن أكثر بفعل قوانين الاسكات. لهذا فان هذا هو الوقت وربما الدعوة الاخيرة الى المقاطعة. الى مقاطعة من يقطعون مع الديمقراطية الاسرائيلية.

تصميم وتطوير