جنوب السودان والخيار الاسرائيلي...بقلم: الكسندر بليه*/ اسرائيل اليوم

16.07.2011 11:39 AM

          (المضمون: الاستثمار في بناء الشعب الجديد والدولة الجديدة هو استثمار سليم على المستوى الانساني وكذا بلا ريب استثمار سيعطي نتائج سياسية اذا ما وعندما كانت حاجة الى ذلك).

          استقلال جنوب السودان، الدولة الجديدة التي أعلنت عن استقلالها قبل بضعة أيام فقط، هي بشرى مشجعة لكل محبي الحرية والاستقلال في المنطقة العربية. كفاح امتد لسنوات طويلة انتهى باعلان استقلال متفق عليه من العالم. الدولة تعد أكثر من 8 مليون نسمة، وتقع على مساحة أكبر بقليل من شبه جزيرة ايبيريا وهي ذات احتياطات نفط (المرتبة 23 في العالم) توفر نحو 90 في المائة من المداخيل من العملة الصعبة للسودان الموحد (سابقا). ظاهرا الحرية والاقتصاد الناجح كفيلان، بالتالي، بان يكونا اساسا مناسبا لاقامة دولة مستقرة. لشدة الاسف، ليست هذه هي الصورة السليمة.

          جنوب السودان هي دولة عديمة الاتصال بالبحر وهي متعلقة بشمال السودان لغرض تصدير النفط من اراضيها. ناهيك عن أنه بين الدولتين يوجد اتفاق على التوزيع المتساوي لمردودات النفط، وفي يد شمال السودان الوسائل العسكرية والاقتصادية لفرض تقاسم مختلف ايضا. جنوب السودان ليس خصما اقتصاديا او عسكريا للسودان ومن المعقول جدا ان يستغل نظام الرئيس السوداني عمر البشير ذلك كي يفرض على جارته الجديدة من الجنوب شروطا اقل راحة.

          اضافة الى ذلك، فان جنوب السودان تحاذي عدة دول افريقية شمولية، ليست أمينة بالضرورة على احترام الحدود وحقوق الانسان ومن شأنها ان تغرى لخوض مغامرة عسكرية في ضوء الدولة الجديدة.

          وضع الامور هذا يستدعي من جنوب السودان اقامة تحالف اقليمي لحماية الامن، ايجاد مخرج للبحر وامكانية تمديد خطوط نفط نحو البحر المفتوح. الامكانيتان الوحيدتان القائمتان هما عقد حلف مع اوغندا وتنزانيا أو الانضمام الى الجامعة العربية كعضو اضافي. ولما لم تكن الامكانية الاخيرة معقولة وذلك لان جنوب السودان ليست عربية أو اسلامية، فمطلوبة سياسة خارجية مؤيدة لافريقيا بدعم لاعب أو لاعبين خارجيين.

          مع الاخذ بالحسبان للتراث البريطاني وفي ضوء التخوف الحالي من الولايات المتحدة التي هجرت حلفاء كالرئيس مبارك في الشرق الاوسط. يبدو أن الدولة المفضلة لدى جنوب السودان كدولة حليفة ستكون دولة اسرائيل. وذلك على افتراض ان اسرائيل لن تتخلى الان بالذات عن تراث العطف واحساس المشاركة الذي شعر به الكثيرون تجاه كفاح جنوب السودان. الان بالذات، اكثر من أي وقت مضى، اقامة الحلف مع دولة في بداية طريقها – بل ودولة تحتاج أمس الحاجة الى كل مساعدة ممكنة – كفيلة بان تطمس بقدر ما ادعاءات "الابرتهايد" في دولة اسرائيل. وفضلا عن ذلك، فقد تخلت اسرائيل منذ زمن بعيد، وليس فقط بسبب اخطائها، عن النشاط الاقتصادي والانساني في افريقيا، والذي كان ميزة لوزيرة الخارجية الاسطورية غولدا مائير.

          الجهود الاسرائيلية في افريقيا اعتمدت في حينه على الاساس المشترك للتحرر من الاستعمار البريطاني والفرنسي. خطة المساعدة اليوم، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، يجب أن تقوم على اساس حقيقة ان اسرائيل هي دولة ميسورة اقتصاديا، وان لم تكن غنية كدول اخرى، وفي وسعها أن تعيد بناء مكانتها في افريقيا دون أن تتوقع مردودا فوريا.

* * *

          الاستثمار في بناء الشعب الجديد والدولة الجديدة هو استثمار سليم على المستوى الانساني وكذا بلا ريب استثمار سيعطي نتائج سياسية اذا ما وعندما كانت حاجة الى ذلك. وزير الخارجية تعهد منذ الان بسياسة تتطلع الى افريقيا غير أن بعضا من هذه السياسة فقط تجسد. يجدر به أن يعين موظفا كبيرا، ربما برتبة نائب مدير عام، ليقود عودة اسرائيل الى افريقيا، على أن تكون جنوب السودان شرارة اولى في هذا الجهد الانساني والسياسي. يجدر بكل انسان يعين في هذا المنصب أن يكون ذا تجربة شاملة في اوروبا – منافستنا المحتملة في كل ما يتعلق باقامة العلاقات مع افريقيا – وذا معرفة قريبة بمعايير حقوق الانسان الدارجة اليوم. مثل هذا التعيين والنشاط الحثيث في اعقابه كفيلان ببدء مسيرة تغيير في رؤية اسرائيل في العالم الواسع.

* بروفيسور في العلاقات الدولية، مدير مركز بحوث الشرق الاوسط في جامعة مستوطنة اريئيل.

تصميم وتطوير