هي في يوم الجمعة الكاتب: حذيفة سعيد جلامنة

16.04.2014 08:35 AM

هي ليست هي، وأنت لست أنت، الفرق بين " هي " في كل الأيام وبين يوم الجمعة، تماما كما الفرق بينك أنت في يوم الجمعة وبين كل الأيام... هي ( رام الله ) وأنت ( أنا ) ( هو ) ( نحن ) خليط من البشر الفضوي غير المتجانس، لكنه في يوم الجمعة أقرب ما يكون إلى التعبد، والزهد، والتنسك. ويهيئ لمن يراه للمرة الأولى أنه ولد من المهد متصالحا مع نفسه.

في يوم الجمعة يجبر الشخص قسرا على غض البصر، وتذهب الشهوة في سبات شتوي ليوم واحد، تبدو مركبتك فرحة وهي تسير الهوينا دون إزعاج ومقاطعة المارة، فتتركها تمضي في شوارع المدينة حتى تكاد تنسى وجهتك. وتفرح قدماك بالأرصفة غير المحشوة باللحم البشري، تكاد لا تصدق أنك تسير دون أن يصطدم بك ألف كتف، وترمقك ألف عين.

تفتقد تلك الجموع، ثم ما تلبث أن تطرد تلك الهواجس، وأنت تنتشي باللآزحمة، تختار موقف سيارتك بلذة عجيبة طالما أفتقدتها، تبتسم وأنت ترقب بإندهاش عصي على التفسير عشرات الأشخاص يسيرون بهدوء مفرط، متصالحين مع النفس واللحظة، والمكان، يا لهذه المدينة المعجونة بالسحر، كيف تلقي بتعويذتها فتغيير الأمزجة بين لحظة وضحاها.

بل يا لغرابتنا، كيف نمتلك هذه القدرة الهائلة على التشكل، أهو تأثير المكان واللحظة، أم تأثيرنا نحن على المكان واللحظة ؟ لماذا لا يمكننا أن نكون نحن في كل الأيام ؟ .

هي مرتاحة من تلك الجموع المتدفقة، رئتاها تستمتع بهواء نظيف، مع بقايا سعال خفيف، تستمتع بهدوء ما قبل العاصفة، زاهدة ورعة، متسامحة ورقيقة، لكنها في ذات الوقت شرسة إذا ما لبست قناع المحارب، هي واحدة ونحن آلاف، ومع ذلك تهزمنا في كل يوم. تتشح بالسواد والسكون، ونغادرها نجر أذال الخيبات الكثيرة، بذاكرة متكدسة، وقليل من الفرح.

هي قطار نركض خلفه ولا ندركه، نئن من التعب، نلهث ككلب عطش، نحاول التعلق به دون جدوى، وعندما يتوقف في يوم الجمعة نغادر المحطة. قلة من يستمتعون بجماله، وأناقته، وسحره وكأنهم أدمنوا الركض واللهاث في تفاعل أمسى طبيعيا بين الذات والمكان.

هي غير مكترثة بتقدم المفاوضات أو تعثرها، أو إنتهاء الفترة المضروبة لها، تشيح بوجهها عن كل المؤتمرات وورشات العمل، تخشع لصوت أذان الظهر، وترمق بطرف عينها زاجرة بعض الباعة الذين تعالت أصواتهم عقب صلاة الجمعة، لكنها كريمة ومبتسمة مع بعض أصحاب المحلات التجارية الذين سعوا إلى رزق مشروع.

في يوم الجمعة تأخذ دفاتر المخالفات للشرطة المنتشرة في ركن، والمختبئة عند كل منعطف إستراحة محارب، وقد جف الحبر، وأمتلأت الأوراق ... ولا بأس من بعض التجاوزات، فالإشارات المروية مطفأة أغلب الوقت، وقال البعض: أنه ترشيد للكهرباء، بينما عزا السبب إلى قلة المركبات، وغفلوا عن إدراك حالة التصالح بين الذات، واللحظة، والمدينة.

في يوم الجمعة يمكنك أن تتحاور مع رام الله دون أن يخسر أحدكما الآخر، ويمكنك أن تفاوض وتصل لنتيجة دون وسيط، يمكنك أن تتعلم بشكل ذاتي لو أردت، يمكنك الحصول على بعض ما تريد دون واسطة، وتفرض عليك طقوس المدينة أن تكون متسامحا، وأن تشاهد وجه المدينة الحقيقي وتستمتع به بكل إندهاش.

لنتذكر دائما أنها ذات قلب كبير، تغفر لنا تفكيرنا الشقي الماكر، وأفعالنا القبيحة، والمخجلة، والمؤذية، أخشى أنه – بعد أن نصحو - لن نغفر لأنفسنا هذا التفكير، وهذه الأفعال، في وقت نبحث فيه عن رام الله فلا نجدها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير