الاسرى عنوان المرحلة القادمة ..عصام بكر

17.04.2014 11:00 AM

فجرت قضية الدفعة الرابعة  من الاسرى الذين كان من المقرر  ان يتم اطلاق سراحهم اواخر اذار الماضي المشهد العام بكل تجلياته على وضع جديد بات الجميع يؤكد معه اننا على اعتاب مرحلة  نوعية ومختلفة ومفصلية فيما يتعلق بباقي الملفات الاخرى الداخلية او ملف المصالحة او بطبيعة الحال ملف المفاوضات باعتبار ان مقياس جدية اسرائيل بات يعتمد على الايفاء بالتزاماتها بالافراج عن اسرى الدفعة الرابعة والمماطلة والابتزاز الاسرائيلي  والتلاعب الذي قاد الرئيس عباس الى الانضمام الى خمسة عشرة ميثاق ومعاهدة واتفاقية دولية ردا على هذا التعطيل الذي تم قبل ان تعلن تل ابيب رسميا رفضها للافراج عنهم بحجج ومبررات عديدة وروايات مختلقة جرى فبركتها للدخول في حالة الارباك الحالي والدخول في طور جديد من التفاوض من اجل التفاوض بينما تتواصل عمليات البناء الاستيطاني وغيرها من الممارسات الاحتلالية على الارض ولتستمر المفاوضات الى ما لا نهاية  .

بكل الاحوال لم تكن قضية الاسرى في يوم من الايام مثلما تحتله الان من اهمية على كافة المستويات  فالمنعطف الجديد جعلها تحتل المرتبة الاولى بلى منازع بالرغم من الاهمية التي حظيت بها ايضا فيما مضى  فتوقف المفاوضات ارتبط بهذه القضية ، والشعب الفلسطيني يعتبر قضية الاسرى واحدة من ثوابته الوطنية ، وهي محل اجماع وطني لا خلاف عليه وهي  نقطة  قوة وعامل توحد للجميع بغض النظر عن الجهة او الانتماء او التمثيل ، وقد تدحرجت قضية الاسرى خلال السنوات القليلة الماضية منذ بدء الاضرابات الفردية والجماعية التي خاضتها الحركة الاسيرة ، فشهدت حراكا وتفاعلا من قبل الشارع الفلسطيني ولدى غالبية القطاعات والشرائح المجتمعية في الاراضي الفلسطينية وفي مناطق اللجوء والشتات وكافة اماكن التواجد الفلسطيني  .
والان وامام النقطة الفاصلة وبما للحظة التاريخية من ثقل ومعاني  وبما احدثته عملية التعطيل الحاصلة والمبيته من قبل حكومة اليمين الاسرائيلي تعطيل دفعة ال 30 اسيرا من بينهم 14 اسيرا من الداخل الفلسطيني  ومعها تعطل المفاوضات بعد ان رفعت القيادة الفلسطينية ايديها بالاجماع على الهواء مباشرة من مقر المقاطعة بالتوقيع والانضمام للاتفاقات والمعاهدات الدولية نتيجة استمرار الصلف  والتعنت الاسرائيلي وعدم الايفاء بالالتزامات التي قطعتها للراعي الامريكي ، واستخدام قضية الاسرى وربطها باتفاق الاطار تارة ، وتمديد المفاوضات في ظل البناء الاستيطاني وخلق الوقائع على الارض تارة اخرى ، بعد كل هذا الا يحق لنا التفكير بما يتعدى الدفعة الرابعة  الى ما هو ابعد !!!!  خصوصا ان موقف  قدامى الاسرى الذي مثله عميد الاسرى الفلسطينين والعرب الاسير  كريم يونس الذي امضى 32  واكد فيه  استعداد الاسرى للبقاء  مئة عام اخرى في السجن على المقايضة على الحقوق الوطنية في العودة وتقرير المصير ، العلامة الفارقة الجديدة هي هل بات من المحتمل العودة للمفاوضات بصفقة اخرى مجتزئة ، تفتقر لشروط الحد الادنى للعدالة والحقوق وفي ظل  استمرار عمليات القمع والتنكيل اليومي ، وتصاعد الاعتداءات الاسرائيلية من جهة  ، وفي ظل الاشتراطات الجديدة  التي تضعها حكومة نيتنياهو يوميا في سياق التلاعب الجاري بما يعرف بقضية الدفعة الرابعة من  " اقتراح " بابعاد بعض الاسماء ، الى اقتراح سحب الجنسية الاسرائيلية ثم اطلاق سراحهم لمناطق السلطة ........... الخ وغيرها من الشروط اليومية  ، ناهيك عن التصريحات الداعية لعدم اطلاق سراح الدفعة او المهددة بالانسحاب من الحكومة واسقاطها في حال اطلاق سراح اسرى .
اليوم قضية  الاسرى تتصدر عناويين المشهد  السياسي بامتياز وهي تثبت انها قضية سياسية وطنية من الدرجة الاولى تخشى اسرائيل كدولة احتلال ويروعها مشهد الانضمام للمؤسسات الدولية ، لا سيما محكمة الجنايات الدولية اذا ما تم التوقيع على المعاهدات  التي تمكنا من ذلك بما فيها ميثاق روما ،  ومن هنا تأتي  اهمية اللحظة السياسية السانحة  امام القيادة الفلسطينية والتي قد لا تستمر طويلا  وتتطلب المزيد من الثبات والتمسك باطلاق سراح الدفعة الرابعة ليس هذا فحسب ، وانما بالمطالبة بالاسرى المرضى والاسيرات  والاطفال ، بل ايضا  يتعدى ذلك كله لتصحيح المسار التفاوضي المعوج منذ عشرين عاما باعادة التوازن لمسار تفاوضي مختلف تماما عن السابق  هذه المرة ، يعاد فيه صياغة موازيين القوى على اسس جديدة اهمها اعادة الدور المرجعي والقانوني للمفاوضات عبر الامم المتحدة ومؤسساتها بديلا عن رعاية منفردة ومنحازة  ووفق مفاوضات ثنائية تتم بين القوي والضعيف  ، واستمرار التمسك بتطبيق القوانين الدولية على اراضي دولة فلسطين المحتلة بما  فيها توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الاعزل بما فيها للاسرى والاسيرات في سجون الاحتلال .
وقف المفاوضات او توقفها المؤقت وان كان فرصة لمراجعة نقدية للمسار السابق بروح المسؤولية الوطنية والجرأة السياسية المطلوبة للاجابة على الاسئلة المحرجة التي تطرق ابواب صناع القرار بشكل يومي ، هي فرصة ايضا لبوابة جديدة في التعاطي مع ملف الاسرى عموما بعيدا عن النزق او الترف الفكري او الاستخدام الخاطيء باعتبار ان قضية الاسرى هي دائما قضية رابحة ، وعلينا ان نعد انفسنا لنقلة جديدة تتعاطى مع الحركة الاسيرة ليس فقط  كطليعة وواجهة وخط الدفاع الاول عن شعبنا كلما اردنا ذلك  ، وانما ايضا بالارث الطويل لها وبعمق تجربتها ورؤيتها  واحترامها ،  بالذهاب الى استراتيجية نوعية من طراز مختلف يتوحد خلفها الكل الوطني بجهد مكثف وواحد وخطاب واحد نصرة للاسرى ولاسنادهم بكل الامكانات المتاحة .
قلب الطاولة كما يحلو للبعض ان يوصف ما جرى في ازمة المفاوضات هذه الازمة ان لم تكن مفتعلة مرشحة للانتهاء على تصعيد جديد للمواقف  والاجراءات والقرارات  من اغلاق الحواجز ، سحب V.I P   ، مصادرة اموال المقاصة والضرائب والمزيد من تضييق الخناق  والوصول بالوضع الى شفى الانهيار ، بالمقابل كل ذلك يفتح المجال امام الجانب الفلسطيني لقبول التحدي والذهاب باتجاه الانضمام للمؤسسات والمعاهدات الدولية وطرق المزيد من الابواب  الدولية ، او الاحتمال ومجال التفكير الاخر في سياق التحليل المشروع لصورة المشهد  انتهاء الازمة برزمة جديدة ضمن استحقاقات جديدة في كلا الاحتماليين بقيت وتبقى جوهر الترتبيات القادمة بعض الدفعات مقابل اسئتناف المفاوضات واستمرار الاستيطان ايضا وربما ترتيبات ابعد من ذلك الى مناحي سياسية عديدة باطلاق سراح نواب بضمنهم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي الذي من شانه ان يغير بعض شروط المعادلة  فالشعب الفلسطيني لطالما امتلك عناصر قوة وخيارات عديدة  ، وهنا يمكن الاصرار على جدول زمني لاطلاق سراح جميع الاسرى دون قيد او شرط او تمييز بكسر القواعد الاسرائيلية لان الاسرى ليسوا سببا في الصراع في هذه المنطقة بل  نتيجة له ، وطالما بقي الاحتلال  سيبقى هناك اسرى ، على هذه القاعدة يجب اطلاق سراح دفعات متواصلة منهم في المقدمة الدفعة الرابعة ، ويلها المرضى والاسيرات والاطفال والنواب  ووفق جدول زمني محدد وليس وفق  المعايير  وتحت بند " بوادر حسن النية "
بمناسبة يوم الاسير الفلسطيني وامام هذا المتغير في قضية الاسرى بربطها بالمفاوضات اسرائيليا وهو ما يستوجب موقفا فلسطينيا  واضحا بالرفض جملة وتفصيلا ، وطالما تتضح  الصورة على هذا النحو  فليكن الربط بما يخدم قضية الاسرى التي هي قضية الوطن باسره اي باستمرار التمسك بعدم العودة لاية مفاوضات الا باطلاق سراح الاسرى وفي مقدمتهم اسرى ما قبل اوسلو جميعا دون استثناء  .
السابع عشر من نيسان محطة ليس للوجدانيات والذكريات بل لنقل الملف الى دائرة الاهتمام والفعل المباشر  والعمل بكل الامكانات المتاحة على الصعد المختلفة اولها توحيد الفعل الشعبي  وزيادة الزخم والمشاركة الشعبية في فعاليات نصرة الاسرى ، وايجاد حركة شعبية ضاغطة وفاعلة في الشارع ترتقي لمعاناة الاسرى في السجون ، وثانيا بالعمل على توحيد الحركة الاسيرة نفسها التي تعيش هي الاخرى كانعكاس للازمة في الخارج بعض التراجعات والاختلافات التي تطفو على السطح ، ثم بدفع المسار القانوني  وتدويل قضية الاسرى في كل المنابر والمؤسسات الدولية الفاعلة لا سيما منظمات الامم المتحدة بعد ان اصبحت فلسطين احدى الدول السامية المنضوية والمنضمة للاتفاقات جنييف الاربعة ، وتطوير حالة التضامن الدولي  مع الشعب الفلسطيني وتجريم ممارسات الاحتلال ، وبما يمكننا من  الزام اسرائيل كدولة احتلال  لاستقبال لجان تقصي الحقائق ولجان تحقيق دولية تزور السجون للتعرف على ما يجري داخلها من انتهاكات في مجالات عديدة سواء بالتعذيب او الاهمال  الطبي المتعمد ، او عمليات القمع والعزل وكافة الممارسات التي تندرج كمخالفات جسيمة للقوانين الدولية ، اضافة الى توفر الارادة  السياسية القوية الفاعلة بالتمسك بحرية الاسرى دون قيد اوشرط او تميز ، خلق حالة فعل نضالي  يومي في الشارع ، ومواكبة اعلامية حية من قبل وسائل الاعلام بمختلف  اشكاله لا سيما المحلية منها ، وتسليط  الضوء على المعاناة اليومية للاسرى واهاليهم وعائلاتهم  .
يوم الاسير الفلسطيني ليس مناسبة لتبادل الهدايا التذكارية او التكريم ، او الاشادة بصمود وثبات الاسرى الذين يفنون زهرة شبابهم داخل المعتقلات والسجون الاسرائيلية على اهمية الرمزية في هذا التكريم والتعبير عن روح الاعتزاز بالتراث النضالي لهذه الكوكبة من ابناء الشعب الفلسطيني من الجنسيين ، وانما هي مناسبة للعمل وتكريس الجهد والوقت ، والعمل الاضافي النوعي لكي لا ننتظر 32 عاما اخرى لنجيب على سؤال كريم يونس لماذا امضيت كل هذا الزمن في السجون ؟؟؟  ليس امامنا الكثير من الوقت ولا احد يريد ان ننتظر اكثر من ربع قرن اخرى لكي  يتنسم عبير الحرية  بعد هذا العمر -  عندها سنقول يا ويلنا  يا ويلنا يا ويلنا  !!!! .

بقلم عصام بكر
سكرتير العلاقات الخارجية الهيئة العليا لمتابعة شؤون الاسرى والمحررين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير