الحرب على غزة والكارثة البيئية؟ - بقلم: عقل أبو قرع

10.07.2014 09:43 AM

وطنحسب الصحافة الاسرائيلية، فقد تم القاء حوالي 400 طن من المواد المتفجرة على قطاع غزة خلال اليومين الاوليين من الحرب الحالية التي تدور رحاها هذه الايام، اي بمعدل حوالي 200 طن او حوالي 200 الف كيلو من المواد الكيميائية المختلفة في اليوم، واذا استمرت هذه الحرب على الاقل لمدة خمسة ايام كما هو يبدو الان، فأن حوالي مليون كيلو من الكيماويات المختلفة تكون قد وجدت طريقها الى الارض والجو والمياة والطعام والبشر في غزة، واذا استمرت الحرب لمدة عشر ايام وبالوتيرة الحالية، فأن مليوني كيلوغرام من المواد المتفجرة تكون قد وصلت الى تلك البقعة الجغرافية الضيقة، اي الى قطاع غزة، بمدنه وقراه ومخيماته، هذا مع العلم ان الحرب على غزة يمكن ان تستمر لاكثر من عشرة ايام، وان الوتيرة الحالية من الهجمات او من القاء الكيماويات وبأنواعها على غزة هي في تصاعد.  

ومعروف ان  قطاع غزة بأكمله، اي من بيت حانون الى جباليا ومدينة غزة  ودير البلح وخانيونس ومن ثم الى رفح، لا تزيد مساحتة عن حوالي 365 كيلومتر مربع، وان عدد سكانه يبلغ حوالي مليون وستمائة وخمسون الف شخص، وبالتالي هو من اكثر بقاع الارض اكتظاظا بالسكان، ان لم يكن اكثرها، حيث يعيش في الكيلومتر المربع الواحد حوالي 4500 شخص، ومعروف كذلك ان المصادر الطبيعية الفلسطينية، في الضفة الغربية وفي غزة ، من مياة وتربة وارض او حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر، وبالاخص في قطاع غزة هي ليست بالحال الافضل، سواء اكانت المياة الجوفية، او التربة، او تلوث مياة البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياة العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف او غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لايلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.

ومع الكميات الهائلة التي يتم القائها على غزة كل يوم، ومع عدم معرفة ما تحوية من مواد بالضبط، فدعنا لا ننسى الاخبار التي تم تناقلها، من الحروب السابقة على قطاع غزة، وبالتحديد عن احتمالات استخدام اليورانيوم المنضب في تلك الحرب، وبغض النظر عن مدى دقة تلك التقارير، وما اذا كان قد تم استخدامة في ام لا، الا ان اليورانيوم المنضب لة عواقب صحية وبيئية بعيدة المدى، قد تكون وخيمة، وللعلم فأن اليوارنيوم المُنضب الذي هو احد العناصر الثقيلة المشعة، حيث تبلغ كثافته 1.6 مرة كثافة عنصر الرصاص، ويُعتبر أحد النواتج الجانبية لعملية تخصيب اليورانيوم، ويدخل اليورانيوم المنُضب إلى الجسم من خلال الجلد أو العيون أو عن طريق الجهاز التنفسي، وينتقل من الآم الحامل إلى الجنين، وينتشر في أعضاء الجسم المختلفة ويصل ويترسب في العظام، ومن الأضرار الصحية الآنية للتعرض إلى اليورانيوم المنُضب هو التأثير على عمل الكلي وعلى الجهاز التنفسي وقد يؤدي الى الموت، أما على المدى البعيد فقد يؤدي إلى الاصابة بسرطان الرئة والعظام والى تغييرات عصبية، كذلك تزداد خطورة اليورانيوم المنضب، اذا تم التعرض له وبشكل مشترك مع مواد كيميائية أخرى متواجدة في البيئة.

أما التأثيرات البيئية لاستعمال اليورانيوم المنُضب فهي وخيمة ويمكن أن يبقى في البيئة لمئات وربما لآلاف السنين، حيث يتراكم في التربة وينتقل في النظام البيئي، ويتحلل ببطء شديد، وبالتالي فإن عملية التخلص منه تبدو غير عملية على الإطلاق، وتتطلب خبرات وتكنولوجيا وجهود وتكاليف باهظة.

ومن ضمن التأثيرات البيئية المتوقعة وبعيدة المدى للحرب على غزة، هو احتمالات تلوث المياة، ومعروف ان اكثر من 95% من المياة في بلادنا هي مياة جوفية، وقبل الحرب الحالية، اشارت تقارير ان اكثر من 90% من المياة في غزة هي مياة ملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية، وتتلوث المياة في غزة بالمواد الكيمائية، سواء الناتجة من المياة العادمة، او من المبيدات والاسمدة الكيميائية، او من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الاخرى، ومن ثم  تتسرب من خلال التربة الرملية الى مصادر المياة الجوفية ، وبعد هذه الحرب يمكن تصور الكميات االكيميائية الهائلة التي تم اضافتها الى التربة في غزة، وبالتالي احتمالات وصولها الى مصادر المياة، ومن ثم زيادة الوضع سوء بالمقارنة ما كان علية قبل الحرب.

وشاهدنا من خلال الصور على التلفزيون وغيرة، سحب الدخان الهائلة بما ما تحوية من مواد، والتي كانت تتصاعد الى الهواء، اي الى هواء غزة، ومن ثم احتمال تلويثة، وبالاضافة الى ذلك فأن معظم بقايا المواد التي تم القائها على غزة تبقى في التربة او على الارض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك ومن خلال تراكمها في التربة تحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي تحد من قدرتها على انتاج الطعام او الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك ان تصل هذه المواد الكيميائة بشكل مباشر او غير مباشر الى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكة من الناس وما الى ذلك من اثار صحية، وبالاخص اثار صحية بعيدة المدى.

وفي خضم كل ذلك، فأنة وان كان الوضع البيئي في قطاع غزة، قبل بدء  الحرب، كان من السهولة وصفة بالوضع الكارثي، فأن يمكن تصور الكارثة البيئية بعد وصول مئات الالاف من المواد الكيميائية الى النظام البيئي في غزة، ومع انتهاء ايام الحرب والتي نتمنى ان تكون قصيرة،  فأننا سنكون الاحوج  الى اعتبار الاوضاع البيئية في غزة من الاولويات الوطنية ، سواء اكان ذلك من قبل الجهات الرسمية او من قبل المنظمات المحلية والدولية الفاعلة في مجال البيئة، وبالادق الاثار البيئية بعيدة المدى المتوقعة من تلك الحرب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير