في الشجاعية.. طفل يرسم المجزرة

22.07.2014 10:07 AM

وطن- ديالا الريماوي: في غزة رغم الحرب وتتابع النكبات، تناقض تعجز عن وصفه، فأصوات ضحكات أطفال صغار تعلو أصوات قصف الطائرات والمدفعيات. في غزة إذا قصف البيت تسمع صاحبه يقول:" في المال ولا في العيال"، وإذا ارتقى شهيد تسمع زغرودة أمه تستدعي له وتقول:" ربي يرضى عليك، الحمد لله كلنا فداء للوطن".

من رحم المعاناة يولد الإبداع


سنوات عديدة وغزة ما زالت تعاني من الحصار والدمار، لكن من رحم المعاناة يولد الإبداع، في غزة وتحديدا في حي الشجاعية الذي شهد مجزرة بشعة في صفوف النساء والأطفال قبل أيام، رُسم الظلم والحصار والقتل بريشة طفل.

الطفل هو محمد قريقع (13 عاما)، إذ لم يكن يعرف معنى الحصار والمعاناة، إلا أن خمس سنوات كانت كافية لتنجب المعاناة مولودها، ففي سن الخامسة رسم قريقع رسمة فاجأت أخيه الكبير مالك، الرسمة كانت لأم فلسطينية ترفع يدها وتقول كفى! "كفى للظلم، كفي للحصار، كفى للاستعباد".

لم يصدق مالك أن تلك الرسمة من صنع أخاه الصغير محمد، فطلب منه أن يعيد رسمها، ليتفاجأ بقدرته على الرسم، وليدرك أن الموهبة بحاجة الى من ينميها ويرعاها، فكان الداعم الأساسي لأخيه، حيث أصبح يعرض رسومات أخيه الصغير على الفنانين، الذين بدورهم آمنوا بموهبته.

بأنامله الصغيرة وريشته الرفيعة، كان قريقع يبحر بأفكاره ويرسم ما يجول في خاطرته في تلك الورقة البيضاء الصغيرة، بدأ قريقع بالرسم باستخدام قلم الفحم، ثم الألوان الخشبية، وألوان الاكريليك، حيث اشترك في العديد من المسابقات وحاز على جوائز محلية ودولية.

طفولة رغم الحرب


آلة القتل لم تفرق منذ 16 يوما من العدوان بين الطفل، امرأة، شيخ، صحافي، مسعف، أو الطبيب، فكان الحجر والبشر مستهدفا في هذا العدوان، وفي حي الشجاعية حيث يقطن محمد كان القصف شديدا، إلا أن هذا ما دفع محمد لينظم نشاطا في غرفته الصغيرة المخصصة للرسم لأطفال المنطقة.

لم تكن رسوماته بعيدة عما كنا نشاهد عبر شاشات التلفزيون، فمن بين الرسومات التي رسمها طفلتين استشهدتا خلال نومهم، وكتب أسفل اللوحة " لقد ناموا في غزة واستيقظوا في الجنة".

وعلى الرغم من أننا نتحدث عن طفل، إلا أن في غزة رجال صغار أرادوا أن يتحملوا المسؤولية في سن مبكرة جدا، محمد رأى أنه يقع على عاتقه أن يجد ما يشغل الأطفال عن الحرب وأصوات القصف، فأصبح كل يوم يجمع الأطفال ويرسم على وجوههم بالإضافة الى قيامهم بالرسم.

محمد قال لـ"وطن" :"انا برسم للأطفال لأنهم بخافوا من الصوت، فلما أعمل هذا النشاط وأرسم لهم على وجوهم، بلتهوا وبصيروا يلعبوا وكل واحد بصير بدو يتباهى برسمته، فضحكاتهم بتنسيهم صوت القصف والخوف".

وأوضح محمد أن الأطفال كان لهم رسومات تعبّر عن الحرب على قطاع غزة. أما عن اذا ما كان يشارك الأطفال خوفهم له، أجاب بأن الأطفال لا يخافون لأن منهم من عاش ثلاثة حروب أو حربين على الأقل. فرغم الحرب هناك طفولة تصر أن تعيش طفولتها.

وأضاف :"الأطفال لا يعرفون معنى الخوف، فالصغار لا يخافون، بل الكبار هم من يخافون، لأن الطفل الصغير لا يدرك معنى الموت أو الحياة، لا يعرف معنى أن يموت شهيدا أو يبقى على قيد الحياة، ما يزعجنا ويقلقنا نحن الصغار أصوات القصف وتحليق الطائرات".

وكتب محمد على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": ونحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا، لا تستغرب ولا تستهجن اني ارسم، ولا تشعر اني غير مبالي، ولكن علينا ان نحيا. عليك ان تصمد بما تستطيع، هكذا انا صامد لم تؤثر بي مدافعهم، مستمر في حياتي، وحزين على حال الكثير من المهجرين من منازلهم، احدثكم من قطاع غزة، من حي الشجاعية، الحي الذي لم يهدأ حتى اللحظة وانا اكتب هذه الكلمات يقصف".

وبعث الطفل محمد رسالة عتاب للعرب على صمتهم تجاه ما يحصل في غزة، فقال:" وين العرب؟ العرب هم اخوة يجب ان يقفوا بجانب بعضهم، اسرائيل تدعي أننا نحن الإرهابيين، الموجودين داخل القطاع من صحافيين أجانب او متضامنين هم من يدركون حقيقة العدو ويعلمون جيدا من الإرهابي".

ويحلم محمد بأن يحصل على منحة خارج فلسطين ليرسم معاناة شعبه، وأن يشرح لمن يعرف ولا يعرف عن ما تعانيه فلسطين وغزة من حصار واحتلال عبر رسوماته، لتكن تلك اللوحات الصامتة لسانه الذي يعجز عن وصف ما عاش ويعيش.

تصميم وتطوير