المتحوّلون إلى مديح المقاومة

23.07.2014 11:52 PM

وطن - كتب احمد جميل عزم: يقول شاهد عيان إنّه في اجتماع حاشد حدث في مناسبة اجتماعية قبل أيام، وضم كوادر قيادية في حركة "فتح" والقريبين منها من المسؤولين، كان هناك نقد لرفض "حماس" للمبادرة المصرية، ولمواقفها. ثم جاء نبأ الأسير الصهيوني، فتغير المزاج العام واتجاه الحديث مباشرةً.

عمليّاً، بات لافتاً تغيير عدد من المسؤولين والسياسيين الفلسطينيين من خطابهم بشأن المقاومة، ومجريات الحرب الدائرة في غزة. وهو ما توقفت عنده نائلة خليل، في تقريرها في صحيفة "العربي الجديد"، الأحد الماضي، حيث قالت إنّه "بين عشية وضحاها تغير خطاب القيادة الفلسطينية حول "حماس" ودورها في العدوان الذي تشنّه إسرائيل على قطاع غزة، بشكل لافت؛ من أقصى التحريض، إلى وصفها بحركة مقاومة وطنية لقّنت الاحتلال درساً في الصمود".
أحد الأمثلة ما قاله محمود الهبّاش، قاضي قضاة فلسطين، ومستشار الرئيس محمود عبّاس، المُقرّب منه؛ فبعد أنّ قال إنّ الفلسطينيين "مقبلون على حَمّام دم بغزة بعد رفض حماس مبادرة مصر"، وأبدى اندهاشه من رفض الحركة للمبادرة، وشكك بأنّ "التشابكات والتدخلات الإقليمية دفعت حماس إلى رفض المبادرة بشكل متسرع"، عاد هو نفسه وقال إنّ "كل مطالب المقاومة محقة ونحن معهم، الصواريخ وصلت لـ"تل أبيب" وعلى "إسرائيل" أن تتوقع أكثر من الصواريخ". وأضاف: "يريدون قتلنا وذبحنا وهدم بيوتنا ثم نستقبلهم بالورود وماء الزهر؟".

كذلك كانت تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبدربه، في أكثر من مناسبة، لافتة. إذ قال في مؤتمر صحفي، إن غزة الآن "تدافع عن المشروع الوطني الفلسطيني. والمعركة قاسية للغاية. إذا كُسرت غزة، وأنا على ثقة بأن هذا لن يحصل، كُسرنا كلنا وكُسر مشروعنا الوطني".

ليس بالضرورة أنّ دوافع كل مسؤول في تصريحاته واحدة. فمثلا، الهبّاش وعبدربه، وكلاهما من خارج حركة "فتح"، ربما يتحدث كل منهما من منطلق مختلف؛ كأن يكون عبدربه مدركا أنّ التلاوم الداخلي العلني في زمن الحرب لا يمكن أن يلقى قبولا شعبيّاً، أو سلوكاً قويماً. وعمليا، لا يمكن اتهام عبدربه في موقعة غزة الراهنة تحديداً بأنّه غيّر خطابه، ولكن الانطباع العام عند المراقبين أنّ تصريحاته ربما تعبر عن تغير في الخطاب الرسمي، وخصوصا الإعلام شبه الرسمي الذي حاول كثيرا انتقاد "حماس" وصواريخها ورفضها التهدئة. ومن هنا، يصبح الحديث: إلى أي مدى يعبّر الهباش (وفي أي مرة؛ الأولى أم الثانية؟) وعبدربه عن موقف رسمي، لا شخصي؟ وبالتالي، ما هو الموقف الرسمي؟

بعيداً عن أسباب هذه المواقف والتحولات، والتي يمكن أن تكون لأسباب منها الانتقاد الشعبي، بما في ذلك من القاعدة الشعبية والتنظيمية لحركة "فتح"، أو لأنّ هناك معلومات ومؤشرات أنّ المقاومة ستنجح في فرض مبادرة وهدنة تأخذ بعين الاعتبار شروطها، فصار ضروريا مواكبة "الانتصار"، فإنّ هناك أسئلة وأبعادا أكثر أهميّة من مجرد فهم وتفسير التحول/ التباين في المواقف.

أول الأسئلة: كيف تُتخذ هذه المواقف؛ وتتحول (أو لا تتحول)؟

ثانياً، هل يتم الميل مع الريح كما تميل، وبالتالي فالذين يتلبسون لباس العقلانية والواقعية والبراغماتية حيناً، سيتلبسون لباس الثورية والصلابة حيناً آخر؟ وهل مطلوبٌ أن نقبل تغير وتلوّن المواقف والاتجاهات مع ثبات الأشخاص؟

ثالثا، هل تطرح المواقف على هذا النحو؛ أم أنّ الأحرى أن تكون هناك مواقف شاملة، تدرس وتأخذ كل القضايا والأبعاد الخاصة بالقضايا المُختلفة، ومنها المقاومة في غزة، بموضوعية، بما في ذلك ما قد يتضمن تأييدا وموافقة على مواقف، وتحفظا ونقدا إيجابيا في مواقف أخرى؟

التّحول نحو خطاب موحد وصلب أمر مرحب به بلا شك من حيث المبدأ. ولكن، ليس مطلوباً أن تكون المواقف مؤيدة لكل شيء وغير متحفظة، أو رافضة ومهاجمة وناقدة بلا قيود.

ربما يكون منطقيا تهميش الاختلاف في زمن الحرب، على المستوى العلني على الأقل. ولكن تغير وتباين المواقف على هذا النحو لا يبني مصداقية، ولا يجعل الناس تأخذها بجدية كبيرة، والأهم أنّ المواقف باتت في النهاية فعلا إعلاميا فرديا، وليست نتاج اجتماعات مؤسسية وطنية جامعة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير