غزة من الحصار إلى الأسطورة- كتب: أمجد المالكي

24.07.2014 08:52 AM

وطنيرى كثير من الخبراء العسكريين أن ما جرى في قطاع غزة في الأسبوعين الماضيين جدير بأن يُدرسّ في الكليات العسكرية. ولعل هؤلاء ينتظرون زوال الاحتلال يوما لتتكشف الأسرار والأساليب التي اعتمدتها مقاومة فقيرة، إلا من الإرادة، في مواجهة الشقيقة الصغرى للقوة العظمى في العالم.

لقد تمكنت المقاومة منذ اليوم الأول من المواجهة التي فُرضت عليها من لفت انتباه الجميع، العدو قبل الصديق، لأنها اعتمدت عنصر المفاجأة أولا والإبهار ثانيا ليتوازى العنصران مع خطاب سياسي صلب وحاسم افتقدته الساحة الفلسطينية في العقديْن الماضييْن على الأقل. أمّا المفاجأة فتمثلت في أن حدود المواجهة البرية لم تقتصر على داخل القطاع بل بادرت المقاومة إلى توسيعها عبر إرسال قوات من النخبة لديها خلف خطوط الجيش للاشتباك والقتل والأسر، وهو سيناريو لم يكن ليخطر في بال القادة العسكريين الإسرائيليين أنفسهم علما أن قضية أسر جنود إسرائيليين كانت أولوية وهدفا معلنا للمقاومة بكافة أطيافها السياسية. وبالانتقال إلى عنصر الإبهار فاعتقد أنه لعب الدور الأبرز في إحراج إسرائيل ودفعها نحو عملية برية لم تكن تحبذها حتى بدا الأمر وكأن المقاومة تجرّ تل أبيب إلى ساحة المواجهة البرية جرا. ولعل ما حصل في الشجاعية من قتل لقوات جولاني وأسر أحد جنود هذا اللواء من أسطع الأمثلة على ما سبق. وإن أردنا أن نسترسل فلا بد أن نذكر إرسال الطائرة محلية الصنع المحملة بالكاميرات والمتفجرات وعودتها سالمة إلى غزة، إضافة إلى اليوم المشهود الذي حذرت فيه كتائب القسام تل أبيب وساكنيها من صواريخ ستطلقها في ساعة محددة داعية الإٍسرائيليين إلى الاحتماء والقبة الحديدية للاستعداد.

كل ما سبق لم يكن ليشكل جزءا من خيال أوسع الحالمين الفلسطينيين قبل اندلاع المواجهة. فلو أن أحدهم تجرّأ على نفسه وحدثها بأمر كهذا قبل ثلاثة أسابيع لضرب كفا بكف ووسم نفسه بالجنون فورا.

إن مقارنة سريعة بين المقاومة في غزة والمقاومة في فيتنام كونها الأكثر شبها من حيث الخصم وتفوقه، تجعلك توقن بأن الهزيمة هي حليفة غزة لا محالة في كل الأحوال. بل إن القطاع سيحتاج لأكثر من معجزة للصمود أمام جبروت إسرائيل إن قررت أن تدفع بكل عزمها في القتال. فما بالنا لو قرر القطاع إلى جانب الصمود المواجهة أيضا؟

إن الجغرافيا في غزة لا تمنح المقاومة القدرة على الاحتماء والاختباء، على عكس فيتنام حيث الأنهار والجبال والسهول، والأهم من ذلك كله الأدغال. أدغال كانت لتحيّد مسألة الاستطلاع جوا من جذورها وهو أمر لا ينطبق على غزة الرازحة تحت المايكروسكوب الإسرائيلي.  أما الحقيقة المرة الثانية فهي أنه لا حليف استراتيجيا للمقاومة في غزة، في حين أن مقاومي الشمال الفيتنامي تمتعوا بدعم الصين والاتحاد السوفييتي معا سياسيا ولوجستيا. وإن أردنا أن نقارن بين مساحتي البلديْن لوجدنا في حسبة سريعة أن مساحة فيتنام هي ألف ضعف مساحة القطاع المنكوب.

وبناء على ما تقدم فإن كل أسباب الانتصار توفرت لفيتنام حين ذاك، وفعلا صدقت الأسباب النتائج. ورأينا أمريكا تخرج من هذا البلد ذليلة ومهزومة وبجراح لم تندمل حتى يومنا هذا. أمّا غزة فصنعت من كل عوامل هزيمتها نصرا، فلا جارٌ أو قريبٌ يؤازر، بل تواطؤ وتآمر يكاد يكون أخطر من المواجهة العسكرية مع إسرائيل. 

مع ذلك تصنع غزة انتصارها على طريقتها. لذا فإن غزة أعظم من فيتنام، وأهم من لينينغراد. إنها ببساطة غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير