نبيل عمرو يكتب لـ"وطن": حنين الى المنفى..

08/01/2017

الطبقة السياسية الفلسطينية تعيش حالة من الحيرة بين الماضي والحاضر وبين المرونة والتشدد ، وبين الشعار والواقع، ولسوء حظ هذه الطبقة أنها اختبرت في أداء مهامها منذ اليوم الأول الذي عادت فيه قيادتها الى الوطن، ولم يمضِ وقت طويل حتى اكتشف الجمهور الفلسطيني الذي كان متعطشاً لعودة ابطال المنافي، ان الآمال لم تكن في محلها وأن العودة الى الوطن لم تكن خطوة استراتيجية تفضي الى قيام الدولة الفلسطينية وطي ملف الصراع المعقد والمكلف مع الإسرائيليين.

في البدايات كان للآمال ارجلاً تمشي عليها، وكانت الإنجازات الأولية واعدة بانجازات اكبر، وظهر افق لتزاوج خلاق بين التنمية بمفاهيمها وادواتها الحديثة ، وبين السعي السياسي والتفاوضي لاستكمال تحرير الأرض وإقامة الدولة .

ورغم الصعوبات التي اعترضت هذا الطريق الجديد الذي سلكه الشعب الفلسطيني تحت قيادة الطبقة السياسية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير ، الا ان شوطاً لا بأس به قطع حتى خيل لبعضنا ان الدولة الحرة المستقلة صارت قاب قوسين او ادنى ، فاصطدمت التجربة في بداياتها بأمور لم تكن محسوبة.. أولها التربص الإسرائيلي بالتجربة حد العمل المباشر لتقويضها، وعجز المجتمع الدولي الذي بالغ في اغداق الدعم للتجربة دون ان يتمكن من فعل شيء يذكر لانقاذها من الغرق ، اما الامر الثالث الذي يجب ان يعنينا قبل كل شيء، هو أداء الطبقة السياسية الفلسطينية الذي ان كان مميزا في المنفى على صعيد الإنجازات العسكرية والسياسية، الا انه لم يكن بذات القدر حين تورط في تجربة اثر تعقيدا على ارض الوطن .

والملفت للنظر ان الطبقة السياسية التي بدأت الثورة وقادتها وحققت من خلالها إنجازات يمكن وصف بعضها بالتاريخية ، عجزت عن أداء بديهية هي الأساس في المحافظة على الإنجاز وتطويره ، وهي بديهية ان ترعى بعلمية ومهنية ومصداقية تجدد الحالة الفلسطينية وابعادها عن الجمود القيادي والشعاراتي ووسائل العمل ، فظلت هذه الطبقة تستنسخ نفسها على مدى اكثر من نصف قرن ، وبدل ان تتكيف مع سنة الحياة بالتطور والتفاعل الإيجابي الخلاق مع كل جديد ، ظلت على الحال الذي ولدت عليه وفرضت على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ان يتكيفا مع هذه الطبقة ، وان ينقادا وراءها في الخطأ والصواب على قلة الصواب في حالة الجمود .

وجدت ضروريا الكتابة حول هذا الامر بالتزامن مع اجتماع يعقد في اليومين المقبلين في بيروت، التي تذكر بالعصر الذهبي للفصائل المسلحة وما رافقها من إنجازات سياسية، وقد ينتقل المتحاورون في بيروت الى موسكو، التي ترمز الى علاقة عريقة في الماضي مع دولة عظمى فتحت ابوابا للفلسطينيين على صعيد العالم، وقد يتلقى المجتمعون في بيروت والذاهبون الى موسكو دعوة لاجتماع في الصين حيث اول دولة نووية كونية اعترفت بالفلسطينيين وبممثلهم الشرعي الوحيد منظمة التحرير .

موضوع الاستضافات هذه المرة مختلف كثيرا عما كان عليه قبل عقود، كان الهم الدولي الداعم للفلسطينيين يتجه نحو تمكينهم من تحرير بلدهم وإقامة دولتهم المستقلة على ارض وطنهم المحتل، اما الان فقد تراجع الامر فعليا ليكون عنوانه ترتيب بيتهم المليء بالشقوق والثغرات ووقف حرب النفوذ بين غزة والضفة، والحفاظ على نواة الحكم الذاتي حتى اشعار آخر.

العالم يريد حلا لقضية الفلسطينيين، غير أنه لم يعد يعرف اين الخيط الذي يمسك به ، وينسج منه مشروع حل واقعي بعد ان التهم الاستيطان الإسرائيلي والانشقاق الفلسطيني حل الدولتين الذي حظي لأول مرة في التاريخ باجماع مطلق واذا به يتبدد ويتلاشى.

ما أسهل ان نحمل الإسرائيليين وزر فشل المشروع وما اسهل ان نلقي الامر على عاتق الولايات المتحدة حليفة إسرائيل والخاضعة لمزاجها ـ الا ان الصعب فيما يبدو هو الاعتراف بدور الطبقة السياسية الجامدة والمتجمدة في الوضع الذي وصلنا اليه وعنوانه اقتراح اتحاد فدرالي بين غزة والضفة ، وحتى هذا يبدو في زمن التعطش للسلطة صعباً ان لم يكن مستحيلاً.

لن ننتظر ما سيصدر عن اجتماعات بيروت وموسكو واي دولة أخرى يمكن ان تدعو القبائل الفلسطينية للقاء على ارضها ، فالمكتوب كما يقول أهلنا يُقرأ من عنوانه وعنوان مكتوبنا .. حنين الى زمن المنفى بعد اليأس والإحباط من زمن الوطن.