خالد بطراوي يكتب لـوطن: امطرت في موسكو، ارفعوا الشماسي هنا

09/01/2017

بدأت هلوساتي هذه ازاء الازمة السورية مع بدايتها قبل أعوام، وحيث أنني لست على معرفة مطلقا بالظروف والمعطيات على الأرض السورية ولا بالتجاذبات، قلت لنفسي " يا ولد .. البد واسكت ... راقب .. وتعلم درسا".

قبل أيام في مقابلة لفضائية مع أحد المحللين السوريين، استخدم مصطلح الصفر السياسي، ما منحنى ومضة هلوستي الحالية. ومع ذلك بقيت متوجسا كوني فعلا لا أعرف الساحة السورية الا مرورا ذات يوم ليس أكثر.

كتبت سؤالا على صفحتي الفيسبوكية يقول " برأيكم من هي الجهات التي تعتبر صفرا سياسيا في سوريا؟"
قالت قريبة لي لم نلتق مطلقا تعيش وعائلتهتا في ليبيا هي سماح بطراوي " الشعب". وقال الرائع النظيف ابن غزة الأستاذ هاشم برقوني أحد المخضرمين أبا عن جد في وضوح الرؤيا " الاسلام السياسي وأذنابه من المرتزقة"، بينما قال ذلك الذي يحمل اسم عمه الشهيد عبد الهادي الحايك أحد أعضاء مجموعة جيفارا غزة مطلع السبعينات " الصفر هو عالمنا العربي والاسلامي  .. كلهم نيام في احضان أمريكا وأوروبا" وأجاب المهندس حسام ناصر " في عهد الروس .. النظام هو الصفر".

فكرت مليا في الاجابات وقلت " كل يهلوس على ليلاه" وجميع الاجابات ربما تكون صحيحة.
لو هلوسنا قليلا وعدنا الى الوراء، لوجدنا أن حزب البعث العربي الاشتراكي " بشقيه القطر العراقي والقطر السوري" قد سيطرا على دفة الحكم في كل من العراق وسوريا بقبضة حديدية صارمة نفذا من خلالها شتى ضروب التعذيب والتنكيل والقتل في السجون والمعتقلات والقهر السياسي والوطني لكل من هو ليس بعثيا وحتى بعض رفاق البعث طالهم هذا القمع والتنكيل.

وشاهدنا بأمهات أعيننا كيف صفق الشعب العراقي لانهيار نظام البعث وكيف تمت الاطاحة بتماثيل الرئيس صدام حسين وضربت صوره بالنعال وبارك الشعب في البداية  التدخل الاجنبي في العراق كمنصة للخلاص من نظام البعث ولاحقا ندموا أشد الندم لذلك. ثم وبوهج ما سمي بالربيع العربي وسقوط النظام التونسي والمصري والليبي تحمس الشعب السوري ظانا أن نظام بشار الاسد سينهار كما البسكوت مع أول تحرك جماهيري، وهللت لذلك بعض الانظمة العالمية وبضمنها الأوروبية وأمريكا، بينما وقف في البداية موقف المتفرج ولكن الرافض للتدخل الأجنبي كل من روسيا والصين، وعلى الجانب الاخر لقي النظام السوري دعما ايرانيا على الأرض جسده أحد الأذرع الايرانية الضاربة في المنطقة وهو حزب الله، ودعمت تركيا بعض القوى المناهضة للنظام.

طربنا جميعا لما سمي بالربيع العربي ... وطربنا قبل ذلك لانهيار الاتحاد السوفياتي بقدرة أخر زعماءه ميخائيل غورباتشوف ( الذي أسميته أنا خرباتشوف). وعندما " راحت السكرة واجت الفكرة" كما يقولون بدأنا ندرك الخسارة الكبيرة التي لحقت حركات التحرر العالمية والعربية جراء انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوء نظام القطب الواحد، وفيما بعد مسرحية " الربيع العربي".

نعم أصابت الاستاذة سماح البطراوي المتواجدة في ليبيا عندما قالت أن الصفر السياسي في الحالة السورية هو الشعب ... فقد استخدمه الجميع كاجساد للعبور فوقها لتحقيق أهدافهم السياسية. تلقفت القوى السورية بشتى اطيافها تحرك الجماهير السورية العفوي لتجييره لأهدافها واجندتها السياسية سواء أكانت أجندة وطنية أو كوسموبوليتينية ( لاوطنية) أو خارجية، أو دينية أو غير ذلك. وحصدت هذه التناقضات الأرواح وخلفت اللاجئين والمشردين والمهجرين والجرحى وذوي الاعاقة واليتامى والارامل وكل ما أردنا توصيفه اجتماعيا.

ومع هزيمة كافة القوى التي عارضت النظام السوري واندحارها في معركة حلب مؤخرا، صدق الاستاذ هاشم البرقوني الذي قال من قطاع غزة " ان الصفر السياسي هو الاسلام السياسي واذنابه من المرتزقة" ورأينا كيف تواجد منظري الاسلام السياسي خارج سوريا، وكيف فرّ قادتهم الميدانيين الى خارجها أيضا وتركوا العناصر لتموت أو تستسلم استسلاما مخزيا وصل درجة تهجم المستسلمين علنا ودون اكراه على قادتهم الذين خذلوهم، بل وشمل التهجم على القوى الاقليمية والعالمية التي دعمتهم في البداية ثم تخلت عنهم وباتت تتفاوض وبشكل مهين على خروجهم باسلحتهم الفردية من حلب.

وأصاب الاستاذ عبد الهادي الحايك من غزة أيضا عندما قال ان الصفر السياسي هو عالمنا العربي والاسلامي" ووصفهم بأنهم " نيام في أحضان أمريكا وأوروبا" لأن عالمنا العربي فعلا لم يتخذ موقفا واضحا ازاء الازمات التي تعصف بعالمنا العربي اللهم الا في المسألة اليمنية حيث استقوت بعض الدول العربية على القوى المتصارعة في اليمن وشنت هجوما عسكريا لدرجة أن البعض تندر بالقول أنه بعد فتح مكة لم تخض السعودية أي حرب الا الحرب الحالية ضد اليمن.
أما المهندس المحنك حسام ناصر، الفنان التشكيلي أيضا وصاحب النكتة الفورية الدائمة " والقفشة" فقد قال "أن الصفر السياسي في عهد الروس هو النظام" وعند ذلك يجب أن نتوقف. فالذي حسم المعركة في حلب فعلا هم الروس بالتقنيات العسكرية العالية، وبقدرتهم على وقف أي تحرك في مجلس الأمن بل وحددوا مسار الحافلات التي أقلت المنهزمين في حلب الى خارجها وراقبت حركة كل حافلة وهددت بقصف أي حافلة تتوقف ويترجل منها أي كان، وأوعزت للنظام السوري بايفاد جنوده الى حلب ضمن منظومة عسكرية وغطاء جوي محكم، فكانت القرارات تصنع في روسيا ووزارة الدفاع، والتنفيذ يتم على مستوى القرارات العليا العسكرية بامتياز روسي وتنفيذ كما الصفر السياسي من قبل نظام بشار الاسد.

الدب الروسي الذي ترك المسألة السورية في البداية متأرجحة وكان يرقب عن كثب، وسمح لكل القوى بالدخول الى الميدان السوري، وتركهم يستنزفون بعضهم البعض، واعتبرهم جميعا بما فيهم النظام نفسه " الصفر السياسي" تدخل على أرض الواقع ودون أن تجرؤ أمريكا أو أي من الدول الاوروبية على التصدي لروسيا وحسم المعركة، ويمضي قدما الى ترتيب البيت السوري " على مزاجه" وعلى نار هادئة ليقول للعالم " أنا الدب الروسي ... أنا هنا ... ديروا بالكم".
كانوا في خمسينات وستينات وسبعينات القرن المنصرم يصفون القوى المؤيدة للاتحاد السوفياتي بالقول " هدول جماعة ... ان امطرت في موسكو ... بيرفعوا الشماسي هنا".
فهل سنعود لرفع الشماسي في بلادنا ان أمطرت في موسكو؟