خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": يا منزرعين في منازلكم

17/04/2017

ذلك مقطع من أغنية غنتها فيروز يوما ما تقول فيها " وسلامي لكم ... يا أهل الأرض المحتلة، يا منزرعين في منازلكم .. قلبي معكم ... وسلامي لكم".

وفي ذات الوقت أذكر ذلك الموقف المشرف لرئيس بلدية الناصرة الشاعر المناضل الراحل توفيق زيّاد عندما قام أحد الشبان (من أصحاب الدم الحامي) برفع العلم الفلسطيني في مخيم العمل التطوعي بالناصرة حيث أسرع المناضل توفيق زياد وأمسك بالعلم وقال جملته الشهيرة " حين نقرر رفع أعلامنا .. نموت ولا نخفضها" مفوتا بذلك الفرصة على الاحتلال لشن هجوم على مخيم العمل التطوعي واطلاق الرصاص والتسبب بقتل عدد كبير من المتطوعين الذي تقاطروا من كافة أنحاء فلسطين.

وان أردت أن أسرد مواقف أهلنا الصامدين في فلسطيننا الداخل حيث يطرب البعض لوصفهم بأنهم ( عرب الـ 48) فلن تتسع كتب التاريخ فقد ظلوا باقون على صدر الاحتلال، وناضلوا بدمائهم لأجل الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية وصمدوا في وجه محاولات التهويد والتركيع وطمس الكيان الفلسطيني وأيضا في وجه كل ما تتخيلونه من مساع اسرائيلية لقلعهم عن تواصلهم مع فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات. وسعى الاحتلال بكل جهد مستطاع الى نشر المخدرات والاجرام داخل المجتمعات العربية بهدف احداث خلل في النسيج الاجتماعي.

ولا ننسى مطلقا نضالات التقدميين والشيوعيين من اليهود الذي حملوا القضية الفلسطينة ورفضوا فكره التهجير والتشريد ونادوا بحق الشعب الفلسطيني في الحياة وفي تقرير مصيره، بل ودافعوا عن أبناء الشعب الفلسطيني فكم من معتقل فلسطيني دافعت عنه المناضلة اليهودية التقدمية فيليتسيا لانغر لدرجة أن الأسرى أنفسهم لقبوها " بالحجة فلة" وتقديرا لها وبمبادرة من المحامية نائلة عطية كرمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنوط القدس من الدرجة الأولى في عيد ميلادها الذي يتصادف مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العاشر من ديسمبر (كانون أول) من كل عام.

في الثلاثين من آذار عام 1976 وعندما أعلنت الجماهير العربية الفلسطينية في فلسطيننا عن يوم الأرض تأكيدا للهوية الفلسطينية سقط شهداء يوم الأرض الستة جبر أحمد ياسين من عرابة البطوف، وخديجة قاسم شواهنة ورجا حسين أبو ريا وخضر عيد خلايلة وجميعهم من سخنين، ومحسن حسن طه من كفر كنا ورأفت علي زهدي من الطيبة، واندلعت اثرها مظاهرات عارمة في فلسطين برمتها وليومنا هذا نحي ذكرى يوم الأرض وشهداء يوم الأرض.

أن يحضر الرفاق عادل عامر والرفيق محمد بركة بكل خطى واثقة الى جامعة بير زيت للمشاركة في تأبين المناضل الراحل مدرس جامعة بير زيت تيسير العاروري ويتصدى لهما طلبة هم أبناء لنا لمنعهم من دخول الجامعة بحجة أن ذلك يشكل تطبيعا أو أنهم اسرائيليين ... فهذه والله من الكبائر في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني التحررية.

قال الشاعر الراحل محمود درويش الذي نتغنى بشعره دوما أن التطبيع " هو القبول برواية الآخر للتاريخ".

فهل روى محمد بركة وعادل عامر رواية الاحتلال للتاريخ؟ هل صفقوا للاحتلال ذات يوم واستماتوا للخدمة في صفوف جيشه، هل حثوا الجماهير العربية على الانغماس في المجتمع الاسرائيلي وتذويب الهوية الفلسطينية العربية القومية وخرجوا في مظاهرات تهتف " موفيت لعرافيم .. أي الموت للعرب". هل دخلوا الكنيست الاسرائيلي ( البرلمان) وأيدوا الحروب على لبنان؟ أم أنهم جميعا طردوا أكثر من مرة ومنعوا من القاء كلماتهم بل وتمت ملاحقتهم في المحاكم الاسرائيلية والتاريخ يشهد على ذلك.

يحزننا جدا ما حدث، بل ونخجل منه لأنه صادر عن أبناء لنا يعلم الله كم نحبهم وكم نكبر فيهم روحهم الوطنية وطاقتهم النضالية ... يحزننا تغييب الفكر والرؤيا والايديولوجيا أمام الاندفاع، يحزننا تراجع النظرية الثورية وهل يوجد حركة ثورية دون نظرية ثورية؟
وما يؤلمنا أكثر ما جاء من تبريرات، أحد هذه التبريرات ذكرها قيادي تقضي بأن الفصيل يترك للمواقع حرية التحرك دون تدخل ... الله أكبر. ثاني هذه التبريرات تقضي بأن المشاركين لم يكونوا فقط من فصيل واحد ... أيضا الله أكبر.

الاعتذار شجاعة ... وان لم يعتذر من تصرف هذا التصرف .. فأنا أعتذر عن نفسي .. أعتذر لمحمد بركة وعادل عامر .. واعتذر لعائلة تيسير العاروري .. واعتذر لكل من حضر لحفل التأبين .. واعتذر لجامعة بير زيت ... واعتذر لكل شخص تواجد أو يتواجد في فلسطيننا العمق عربيا كان أم يهوديا تقدميا، فانتم عمقنا وامتدادنا في أرض الآباء والأجداد وجذوركم ضاربة. بل وأكثر من ذلك، في الميدان الرئيسي للمدينة أنا على أتم الاستعداد لأجثو عند أقدامهم واقبل الأرض تحت نعالهم.

وسلامي لكم .. يا أهل الأرض المحتلة ... يا منزرعين في منازلكم ... قلبي معكم .. وسلامي لكم.