انا لست قاتل ولكن أنفذ أوامر قيادتي

16/07/2017

 كتب خالد كراجة:

حدثني صديق، نقلاً عن أحد الفدائيين، أنه" عندما تم اعتقاله بعد تنفيذ عملية في الداخل المحتل، قادما من جنوب لبنان، وجه اليه "قاضي" محكمة الاحتلال تهمة القتل، فرد عليه الفدائي "أنا لست قاتل، أنا جندي مثل جنودكم أنفذ أوامر قيادتي، ولتتاكد من ذلك انظر الى خارطة الطريق التي عبرتها، فقد كان هناك نقطة عسكرية لجنودكم وكان بامكاني قتلهم جميعا، ولكن الهدف كان هو الوصول الى المكان الذي نفذت فيه العملية والعودة سالما هذه أوامر قيادتي العسكرية".

التجربة التاريخية أثبتت أن النصر لا يتحقق فقط نتيجة عدد الضحايا و القتلى في طرف العدو، بقدر ما يتحقق نتيجة هزيمته معنويا، واشعاره باليأس والفشل في القدرة على اخضاعك والنيل من عزيمتك،فلم يثبت أن جيشًا أو ثورةً استطاعت القضاء على الجيش المقابل والاحتلال الغاشم بعدد القتلى.

الجزائر استطاعت الانتصار في النهاية على الاحتلال الفرنسي رغم سقوط مليون شهيد ولا ادري كم كان عدد القتلى في الجانب الفرنسي ولكنه اقل من ذلك بكثير، أمريكا لم تستطع الصمود في فيتنام وخرجت منها بعد أكثر من 18 عامًا من الاحتلال، ولا اعتقد أيضًا أن عدد القتلى الأمريكيين كان اكثر من الفيتناميين الذين ناضلوا بأبسط الوسائل، وبالتالي يصبح المقياس هو الصمود والقدرة على ايلام العدو واشعاره بالاحباط والفشل أمام دقة وقدرة المقاومة على تنفيذ عملياتها المحسوبة والمدروسة.

بالعودة الى قصتنا في بداية المقال، نجد أن هناك قضيتين مهمتين، الأولى أن من يقف أمام "قاضي" الاحتلال هو جندي مدرب وينفذ أوامر وقرارات جاءت نتيجة دراسة وتخطيط، وفي اشارته الى النقطة العسكرية في طريقه الى تنفيذ العملية، يريد أن يقول ان قيادته أرادت أن توصل رسالة الى الاحتلال "الاسرائيلي" أننا قادرون على الوصول الى النقطة التي نريد ونحقق هدفنا ونعود، ما يشعر جيش الاحتلال بالاحباط، وبقدرة المقاومة على تنفيذ عملياتها متى وأين شاءت، وهذا ما سعى لاثباته حزب الله في جنوب لبنان في حرب 2006.

قد لا يكون من الحكمة ترك الشباب الوطني ، المندفع بعنفوانه وطاقته، أمام غطرسة وجنون القتل "الاسرائيلي"، وليس من الحكمة ترك شاب غير مدرب ولا يمتلك الحد الأدنى من خطة لتنفيذ عملية مدروسة بكل جوانبها.

من القصة السالفة نفهم أيضا أن هناك فرق وفرق كبير بين العمل الفدائي الذي كانت تقوده فصائل العمل الوطني الفلسطيني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي كانت تنطلق من جنوب لبنان، أو تلك التي كانت تنطلق من الاراضي الفلسطينية، وبين العمل "الاستشهادي" كمفهوم جديد دخل على العمل الوطني الفلسطيني، وخاصة بعد ظهور حركات المقاومة الاسلامية.

في ذلك الوقت وفي بداية انطلاق الثورة الفلسطينية، وفي أوج الكفاح المسلح الفلسطيني، وعند نجاح عملية فدائية ما، كان الفصيل منفذ العملية يستخدم عبارة "وعاد المنفذ الى قواعده بسلام"، هذه العبارة من أبرز العبارات التي كان يحتويها بيان تبني العملية، في إشارة الى نجاح العملية بالكامل ودقة تنفيذها، والفخر بذلك، مما يجعل العدو يشعر بالاحباط واليأس والشعور بالفشل، في ذلك الزمن كنا نتخيل الفدائي هو الشخص الذي يحمل بندقيته ويجلس مع رفاقه و يخطط لتنفيذ عملية، والعودة الى قواعده سالمًا.

قبل قرابة ال30 عاما، برز نمط آخر من انماط العمليات، و هي العمليات "الاستشهادية" حتى أصبح الناس يرددون المفهوم، وهذا يتضح من خلال صرخات المصلين أثناء عملية القدس التي حصلت بالامس حين صرخ أحدهم "عملية استشهادية...عملية استشهادية"، لو كان نفس الشخص موجودا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لصرخ مرددا "عملية فدائية...عملية فدائية".

الصورة المتخيلة عن "الاستشهادي" في أذهان الناس سواء ادركوا ذلك "الوعي"، أو لم يدركوا "اللاوعي"، هو من يريد أن "يستشهد" وفي طريقة يقتل عدوه بغض النظر عن الخسائر في جانب العدو، أو التوقيت، أو المكان وغيره من التفاصيل المتعلقة بتنفيذ عملية ناجحة بكل المقاييس.

ولم يكن هذا بالصدفة وله ارهاصاته، وأسبابه الذاتية والموضوعية، التي يمكن ان تساق، كتراجع فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وتراجع دورها في التعبئة والتنظيم، والاستفادة من طاقات الشباب وتوجيهها بالشكل الذي يخدم القضية الوطنية.

ما تقدمت به لا ينطبق بالضرورة على جميع العمليات حتى "الاستشهادية" منها، ولكن الوعي الذي زرعته الثقافة الدينية السائدة والخطاب الديني للحركات الاسلامية والذي تميز في التركيز على الشهادة وجعلها هي الهدف انتج هذا النمط من العمليات التي في الغالب فردية وقرارها ذاتي يتعلق بالمنفذ نفسه وعواطفه ودوافعه الخاصة.

وفي الختام أقول "قد ياتي يوم ندرك فيه أننا فدائيون ولسنا "استشهاديين"،كما أدركت حركة حماس أن الصراع مع الاحتلال "الاسرائيلي" ليس صراعا دينيا، كما جاء في وثيقتها الأخيره.