هل العالم أعمى؟

11/09/2017

كتب: مصطفى البرغوثي*

حملة التطهير العرقي التي تنفذها سلطات الإحتلال الإسرائيلي في الشيخ جراح نكأت الكثير من الجراح. فإسرائيل طردت سكان الشيخ جراح من بيوتهم في القدس الغربية عام 1948 ، ومنحت بيوتهم للعائلات اليهودية ، فاضطروا لإستئجار البيوت التي يقطنوها الآن في حي الشيخ جراح حسب القانون، الذي يفترض أن يحميهم من الطرد . والآن جائت قوات إسرائيل لتطردهم للمرة الثانية، بوحشية عنصرية لا تقيم وزنا لحقوق الإنسان ، وكي تسكن مكانهم مستوطنين يشكل وجودهم في القدس العربية المحتلة مخالفة للقانون الدولي كما يمثل نقلهم الى الأراضي المحتلة، مثل نقل سائر المستوطنين، جريمة حرب حسب الأعراف الدولية والقانون الدولي.

وقد شهدنا طوال الشهر الماضي توالي الإجراءات التي تكرس ليس فقط ممارسة جرائم الحرب، بل ومنظومة الأبارتهايد العنصرية، ومن ذلك انشاء مجلس بلدي لمستوطني الخليل فيما يمثل تطورا خطيرا من زوايتيين :

لأنه اولاً يباشر فعليا ضم أجزاء من مدينة الخليل لإسرائيل .

ولأنه ثانيا يعني فرض نظامين وقانونين لمجموعتين في نفس المنطقة ، يميز من خلالها لصالح المستوطنين على حساب أهل البلدة القديمة الأصليين في الخليل، وذلك هو التعريف الدقيق لكلمة أبارتهايد.

لم أشترك في مناظرة، أو محاضرة، أو مؤتمر طوال السنوات الخمس عشرة الماضية دون أن أصف إسرائيل بنظام الأبارتهايد،
ولم يستطع أي إسرائيلي، من أكبرهم الى أصغرهم، في أي محفل أن ينفي صفة الأبارتهايد عن إسرائيل لأن الوقائع والحقائق والأرقام والصور والخرائط دامغة وقاطعة.

واليوم تمزج حكومة إسرائيل في سابقة تاريخية بين الإحتلال والتطهير العرقي ونظام الأبارتهايد العنصري.
وكمن يضيف الملح الى الجرح ، لا تتورع حكومات إسرائيل عن وصف من ينتقد جرائمها ، بالعداء للسامية، أو الإرهاب، أو التحريض.
وهذه وسائل رخيصة للتهرب من مواجهة الحقائق والوقائع.

غير أن السؤال الأهم ، هو لماذا صمت جزء كبير من العالم و حكوماته عن هذه الجرائم التي تتواصل يوميا ؟
لماذا فرضت العقوبات والمقاطعة الإقتصادية وسحب الاستثمارات أي الـ (BDS ) على نظام جنوب افريقيا العنصري ولا تفرض الآن ضد اسرائيل؟

والغريب أن اسرائيل هي الكيان الوحيد في العالم الذي يجمع بين الأبارتهايد والتطهير العرقي والاحتلال ، و مع ذلك يوضع فوق القانون الدولي وفوق مبدأ المساءلة.

تقر جميع الدول والحكومات بأن نظام الأبارتهايد مرفوض، ومعظمهم يقرون بأن إسرائيل تمارس الأبارتهايد . فلماذا إذن لا تتخذ الإجراءات لردع هذا النظام ، ولو بأبسط الوسائل كالحرمان من الامتيازات الاقتصادية والغاء المكافآت العلمية أو وقف التعاون العسكري؟ ولماذا لا تطبق دول أوروبية وغير أوروبية قوانينها الخاصة عندما يتعلق الأمر بممارسات إسرائيل؟

لا أظن أن السبب يعود الى عدم القبول بمبدأ فرض العقوبات . فقد إستخدمت العقوبات وتستخدم، وفي بعض الأحيان دون حق ،ضد روسيا والعراق وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا والسودان وغيرها.

وقد كان إستخدامها حاسما في إسقاط نظام الأبارتهايد في جنوب افريقيا.
ولا أظن أن دول العالم تنقصها المعرفة، فهي ليست مصابة بالعمى ولا الصمم.

لكنها مصابة على ما يبدو بداء جديد إسمه " الخوف من نقد إسرائيل" أو " التصدي الفعال لممارستها"، أو "المس بها بأي شكل من الأشكال".

ولا علاح لهذا الداء الا بالعمل الحثيث والفعال والمتواصل مع شعوب هذه البلدان كي تضغط على حكوماتها كما فعل مناضلو جنوب افريقيا، فلولا الشعوب لما غيرت حكومات العالم مواقفها تجاه نظام الفصل العنصري التي كان بعضها متواطئا معه.
ولا علاج لهذا الداء إلا بسحب الغطاء الذي يسمى " مفاوضات السلام الميتة" عن الجرائم الإسرائيلية و في مقدمتها جريمة الإستيطان

ولا علاج لهذا الداء إلا بمواجهة الجرائم، وقيام الفلسطينيين باحالة إسرائيل الى محكمة الجنايات الدولية ومواجهتها في كل محفل قضائي أو قانوني أو دبلوماسي في العالم. فما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة.

 

*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية